فواتير الخدمات الصادرة من الجهات العامة هل هي محررات رسمية؟ - في القانون اليمني

*فواتير الخدمات الصادرة من الجهات العامة هل هي محررات رسمية؟*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️أشار الحكم محل تعليقنا إلى الخلاف بشأن رسمية فواتير إستهلاك الخدمات العامة الصادرة عن الجهات الحكومية المختصة كالمؤسسة العامة للكهرباء والهاتف والماء والإنترنت وغيرها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-5-2014م في الطعن رقم (54756)، فقد ورد ضمن أسبابه: ((وتلاحظ هذه الدائرة على ما ورد بالحكم الابتدائي المستأنف فيه إضفاء صفة الرسمية للأوراق المقدمة من المؤسسة العامة للكهرباء كون هذه الصفة خاصة بالمحرر الذي يصدر عن موظف عام مكلف بخدمة عامة في إطار اختصاصه يثبت فيه ما تم على يديه بطلب من اطراف العلاقة كالموثق والقنصل وغيرهما))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: معنى المحرر الرسمي في قانون الإثبات:*
➖➖➖➖➖

*▪️قانون الإثبات: هو القانون الخاص الذي يبين طرق الإثبات وحجيتها وإجراءات الإثبات بها، ومن ذلك المحررات الرسمية، وفي هذا الشأن عرف قانون الإثبات المحررات الرسمية في المادة (100) التي نصت على أن: (المحررات الرسمية حجة بما جاء فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته الرسمية أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره أو صودق منه على توقيعاتهم عليها في حضورهم بعد التحقق من أشخاصهم مالم ينكرها الخصم فيتعين إثباتها بالطرق الشرعية أو يتبين تزويرها)، ومن استقراء هذا النص يظهر ان المحررات الرسمية تنقسم إلى ثلاثة انواع :النوع الاول:محررات يصدرها الموظف العام بموجب الصلاحيات المناطة به بموجب القانون الناظم لعمل الموظف ، والنوع الثاني : تدوين الموظف المختص إقرارات وتصرفات ذوي الشأن بناء على طلب ذوى الشأن، والنوع الثالث د: مصادقة الموظف العام على المحررات المقدمة إليه من ذوي الشأن.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: شروط المحرر الرسمي:*
➖➖➖➖➖

*▪️عرفت المادة (١٠٠) إثبات المحررات الرسمية بأنها (المحررات الرسمية حجة بما جاء فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته الرسمية أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره أو صودق منه على توقيعاتهم عليها في حضورهم بعد التحقق من أشخاصهم مالم ينكرها الخصم فيتعين إثباتها بالطرق الشرعية أو يتبين تزويرها)، ومن خلال مطالعة هذا النص تظهر شروط اعتبار المحررات رسمية، وهذه الشروط ثلاثة:*
*الشرط الأول: صدور المحرر من موظف عام أو شخص مكلف بخدمة: والموظف العام هو كل من تعينه الدولة للقيام بخدمة عامة أو بعمل من أعمالها أو تنفيذ أوامرها سواءً كان يتقاضى أجراً على ذلك أو لا يتقاضى أجراً،وعلى ذلك فيعد موظفاً عاماً محضر المحكمة والعاقل والقاضي وكاتب الجلسة والخبير والموثق.*
*الشرط الثاني: صدور المحرر من موظف عام في حدود سلطته واختصاصه: بمعنى أن تكون للموظف ولاية تحرير المحرر الذي صدر عنه، فإذا أصدر الموظف المحرر بعد عزله أو بعد وقفه عن العمل فإن المحرر يكون باطلا ولا بالورقة الرسمية.،، كما يجب ألا يقوم مانع بالموظف يمنعه من إصدار المحرر ، فلا يجوز أن يقوم الموظف بتوثيق محرراً يخصه هو أو يخص أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة. كما يجب أن يدخل في اختصاصه إصدار مثل هذه المحرر في المكان الذي أصدر المحرر فيه. فلا يستطيع الموثق مثلاً أن يصدر شهادة ميلاد،كما لا يستطيع الموثق في صنعاء أن يوثق عقود زواج في عدن.*
*الشرط الثالث: مراعاة الأوضاع القانونية في تحرير المحرر: يجب أن يلتزم الموظف في إصداره المحرر الأوضاع والشروط والقواعد التي قررها القانون لإصدار مثل هذه المحررات، فلا بد أن يلتزم الموثق مثلاً بالأوضاع المقررة عند تحرير العقود والتصرفات أو توثيقها حتى يصبح المحرر رسميا، وتحدد هذه الأوضاع القوانين ذات الصلة، كقانون التوثيق ولائحته التنفيذية، فيجب أن يكتب المحرر ويوثق باللغة العربية وبخط واضح. وألا يشتمل على إضافة أو حشر أو كشط، وأن يشتمل على كافة البيانات اللازمة للدلالة على تاريخ تحريره وتوثيقه واسم الموثق وقلم التوثيق وأسماء الأشخاص ذوي الشأن وأسماء الشهود، كما يجب على الموثق أن يتلو الصيغة الكاملة للوثيقة على ذوي الشأن، ويجب أن يوقع الموثق والشهود وذوي الشأن عليها.*
*وإذا تخلفت هذه الشروط أو إحداها بأن صدر المحرر مثلاً من غير موظف عام أو صدر من موظف عام ولكنه غير مختص أو صدر المحرر من موظف عام مختص ولكنه لم يلتزم بالاوضاع القانونية المقررة لتحرير المحرر، فإن المحرر لايكون رسميا ، ولكنها لا تفقد كل قيمتها بل تكون لها قوة المحررات العرفية متى كانت موقعة من ذوي الشأن، فلا يعني تخلف الرسمية في المحرر تجريده من اية حجية طالما ان الرسمية ليست ركنا في المحرر ، أما إذا كانت الرسمية أحد أركان المحرر فإن فقد المحرر صفة الرسمية فينعدم المحرر وينعدم تبعا لذلك التصرف الصادر بناء على ذلك لفقده أحد أركانه.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث : حجية المحررات الرسمية :*
➖➖➖➖➖

*▪️إذا توافرت الشروط السابق بيانها في المحرر فإنه يعد محررا رسميا، فيعد حجة بذاته، فلا يطلب ممن يتمسك به أن يقيم الدليل على صحته بل يكون على الخصم الذي ينازع فيه أن يقيم الدليل على صحة إدعاءه ببطلان المحرر عن طريق دعوى التزوير، ولكي يكتمل للمحرر الرسمي حجيته هذه يجب أن يكون مظهر المحرر دالاً على رسميته، فلا يكون به كشط أو محو أو حذف أو إضافة أو تحشير، فإذا وجد في المحرر شيء من ذلك فإن ذلك يعيبه، فيحق للمحكمة أن تحكم من تلقاء نفسها بإهدار حجية هذا المحرر وتكلف الموظف الذي أصدره بالمثول أمامها لسماع أقواله لمعرفة حقيقة هذا العيب، كما أن البيانات التي يتضمنها المحرر الرسمي تعد حجة وصحيحة، فلا يمكن نقض حجية هذه البيانات إلا بالطعن بالتزوير، وتثبت الحجية فقط للبيانات التي أثبتها الموظف العام بنفسه،أو التي وقعها ذوي الشأن في حضور الموظف العام، أما البيانات التي وقعها ذوو الشأن في غير حضور الموظف العام واقتصر دور الأخير فقط على تدوينها على مسئوليتهم فلا تعد حجة. والمحررات الرسمية حجة على الكافة، فهي ليست حجة على أطرافها فقط، وإنما تنصرف حجيتها إلى الكافة، وبالتالي فلا يستطيع أطراف المحرر الرسمي أو غيرهم إنكار ما جاء به من بيانات رسمية، أما غير ذلك من البيانات التي لا تحوز الحجية كأن دونت بمعرفة ذوي الشأن في غير حضور الموظف أو كانت في حضوره ولكنه دونها خارج نطاق سلطته واختصاصه، فلا تحمل وصف الرسمية ويجوز نقضها سواءً من قبل الأطراف أو الغير بطرق الإثبات العادية.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: الرسمية في فاتورة إستهلاك الكهرباء:*
➖➖➖➖➖

*▪️كان النزاع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا بشأن مطالبة المؤسسة العامة للكهرباء للجهة المستفيدة بقيمة فاتورة الكهرباء التي كانت مرتفعة جداً ، حيث كانت المؤسسة العامة للكهرباء تتمسك بأن الفاتورة صحيحة ولها حجيتها الرسمية في مواجهة الجهة المستفيدة من إستهلاك التيار الكهربائي، لأن الفاتورة صادرة من موظفين عموميين مكلفين من المؤسسة العامة بإدراج البيانات اللازمة في الفاتورة، وفي ضوء ذلك يتم إصدار فواتير إستهلاك التيار الكهربائي متضمنة البيانات اللازمة كوحدات الإستهلاك وقيمتها والمبالغ السابق دفوعها والمبالغ المتأخرة والمبالغ الواجب على المستهلك دفعها، كما ان المستهلك للتيار الكهربائي عند تعاقده مع المؤسسة العامة للكهرباء قد قبل بالإجراءات المتبعة في المؤسسة العامة لإصدار الفواتير بحسب ماهو متبع في المؤسسة، وعلى ذلك فإن الفواتير رسمية، في حين ان الجهة المستفيدة من إستهلاك التيار الكهربائي ذهبت إلى ان الفواتير ليست محررات رسمية، لان الفاتورة مجرد مطالبة من قبل مؤسسة الكهرباء للجهة المستفيدة أو المستهلك بدفع المبالغ المذكورة في الفاتورة، لذلك فالجهة المستهلكة للتيار تملك مراجعة البيانات الواردة في الفاتورة التي قد تتضمن اخطاء واغلاط في حالات كثيرة، فالفاتورة ليست نهائية وإنما قابلة لمراجعة وتصويب الجهة المستفيدة، فلها حق مراجعة البيانات الواردة في الفاتورة ، فالفواتير لاتكون رسمية، لأن إصدار الفاتورة يتدخل فيه موظفون عدة وإدارات عدة، فالمحرر الرسمي هو المحرر الذي لا يملك الطرف الآخر مراجعته أو المطالبة بتعديل بياناته إضافة إلى ان الفاتورة لا تكون محرراً رسمياً بالنسبة للمؤسسة العامة للكهرباء على غيرها، فلا يجوز للمؤسسة ان تصطنع دليلاً لنفسها وتصبغ عليه صفة الرسمية وتحتج به في مواجهة خصومها من المستهلكين للتيار الكهربائي، والله اعلم.*