تنازل المشترك في الجمعية
السكنية
أ.د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يقوم الموظفون في الجهات الحكومية المختلفة بتشكيل جمعيات سكنية تتولى شراء أراضي وتوزيعها على المشتركين
مقابل ان يقوم المشتركون بسداد الثمن على أقساط، وتثور إشكاليات كثيرة في هذه المسألة لاسيما عند إنتكال الأرض أو عند
تنازل بعض المشتركين عن حقهم في الأرض حسبما
ورد في الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 8/12/2012م في الطعن رقم (46134) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان أحد الموظفين المشتركين
في جمعية سكنية لإحدى الوزارات تنازل لشخص آخر عن حقه في الأرض التي اشترك بها حيث كان هذا التنازل قبل إستخراج الأرض وحصول المشترك عليها،وبعد قيام الجمعية
بإستخراج الأرض وتوزيعها على المشتركين تم صرف القطعة المتنازل عنها لاكثر من شخص
وفي هذه الاثناء قام المتنازل له ببيع تلك القطعة إلى الغير الذي عجز عن حيازة
قطعة الأرض بسبب حيازتها من قبل موظف سبق للجمعية أن صرفتها له ، فعندئذ حدث الخلاف
فيما بين المتنازل له الذي قام ببيع القطعة وضامنه من جانب والمشتري حيث تقدم المشتري بدعوى امام المحكمة أدعى فيها ان البائع باعه تلك القطعة ومساحة عشر لبن غير
مخططة ضمن أراضي جمعية وزارة.... وقد ضمن البائع في ذلك الضامن المدعى عليه الثاني وطلب المدعي في دعواه إلزام المدعى
عليهما بتسليمه الأرض أو مثلها أو قيمتها بحسب سعر الزمان والمكان، وقد توصلت
المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإلزام البائع بتعويض المشتري المدعي بمساحة مماثلة للمساحة المذكورة في بصيرة شرائه المحررة بقلم
الأمين الشرعي المختص أو تسليمه قيمتها بسعر
الزمان والمكان عند التنفيذ بما يقدره عدلان خبيران بالإضافة إلى إلزام المدعى عليه
الأول(البائع) بدفع مصاريف
التقاضي وفي حال عجز المدعى عليه المحكوم عليه عن تعويض المدعي يكون المدعى عليه
الثاني الضامن ملزماً بذلك، وللمحكوم عليه الأول (البائع ) حق الرجوع على
جمعية وزارة.... فيما عوض به المدعي أو فيما انتكل عليه، وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي ( ان ما وقع بين المدعى عليه الأول البائع والمدعي المشتري هو عقد بيع مكتمل الأركان والشروط وتضمن ضمان الدرك الشرعي فيما اختل أو
انتكل أو بطل،اما الضامن فالقانون قد ضم ذمته إلى ذمة المدعى عليه الأول البائع ولذلك
فهو مسئول بالتضامن مع البائع، اما فيما يتعلق
بالموظف المشترك المتنازل إلى المدعى عليه الأول فانه غير مسئول لانه قد تنازل عن
حق وليس عن أرض محددة ومعينة ولان المتنازل
إليه المدعى عليه الأول قد حل محل الموظف
المتنازل في المتابعة وإستكمال إستخراج الأرض والحصول عليها)، وقد قضت الشعبة المدنية
بتأييد هذا الحكم، اما الدائرة المدنية بالمحكمة العليا فقد حكمت بتأييد الحكم
الاستئنافي إلا أنها قضت بوجوب قيام الحكم الاستئنافي بتحديد مصاريف التقاضي في
المرحلة الابتدائية، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (ان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم الاستئنافي قد الزم البائع
بتعويض المشتري بمساحة مماثلة للمساحة المحكية في بصيرة البيع أو تسليم قيمتها
بسعر الزمان والمكان عند التنفيذ، وحيث ان البائع
الطاعن لم تحكم عليه الشعبة بأكثر ما قضى به الحكم الابتدائي كما أنه لم يستأنف الحكم الابتدائي، ولذلك فانه لا يقبل منه
الطعن على الحكم الاستئنافي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في
الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الوضعية القانونية للجمعية السكنية ومسئوليتها:
الجمعية السكنية لموظفي الوزارة أو غيرها هي عبارة عن جمعية طوعية يقوم
بتشكيلها الموظفون الراغبون في شراء أراض لبناء مساكن عليها أو غيره بشروط أفضل من شراء الأرض بشكل منفرد ولتلافي مخاطر الشراء لأراضي متنازع عليها، ووفقاً لهذا المفهوم فان
الجمعية السكنية جمعية طوعية لا تهدف أصلاً للربح وإنما لتوفير او تلبية احتياجات
اعضائها من الأراضي لإقامة المساكن عليها، وبناءً على ذلك فان الجمعية لا تكون هي
المالك للأرض وإنما تكون الأرض أصلا مملوكة لاخرين يتم سداد اثمانها من قبل الموظفين المشتركين
بالتقسيط ويتم تقسيم الارض بعد سداد كامل اثمانها وإستلامها وقبل
ذلك تقوم بعض الجمعيات بإبرام عقود أولية فيما بينها وبين الموظفين المشتركين
اعضاء الجمعية تتضمن مساحة الأرض التي يشترك الموظف للحصول عليها وقيمة الأرض
والاقساط الواجب سدادها وفترات السداد، وعند إستلام الجمعية للأرض من المالك تقوم
الجمعية بتحرير عقود التمليك النهائية التي تتخذ شكلين،الشكل الأول: بعض الجمعيات تقوم بتحرير العقد النهائي
فيما بينها وبين المشترك في حالة اذا كان المالك قد قام بإبرام عقد البيع النهائي
للأرض كاملة باسم الجمعية فيما بينه وبين الجمعية حيث كان المالك هو البائع
والممثل القانوني للجمعية هو المشتري، والشكل الثاني: ان تقوم الجمعية بدور الوسيط حتى العقد النهائي وذلك فيما بين العضو المشترك والمالك حيث يتم تحرير عقد الملكية النهائي فيما
بين المشترك والمالك مباشرة فيتم تحرير هذا
العقد بناءً على طلب من الجمعية للمالك البائع بتحرير العقد النهائي،وفي بعض الحالات
تقوم الجمعية بالتوقيع على عقد التمليك النهائي إلى جانب توقيع المالك البائع والعضو
المشترك، وطبقاً لما تقدم فلا تكون الجمعية ضامنة ضمان الدرك الشرعي إلا اذا كانت
قد استلمت الأرض كاملة من المالك وتولت الجمعية ذاتها تقسيم الأراضي على المشتركين بعقود تمليك نهائية قامت الجمعية بالتوقيع عليها بصفتها البائعة مثلما وقع في
القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، اما اذا كان دور
الجمعية مجرد الوساطة بين الموظفين المشتركين والبائع المالك للأرض وكانت العقود النهائية قد تم إبرامها فيما بين المالك والموظف المشترك مباشرة فان البائع نفسه
هو الذي يضمن ضمان الدرك الشرعي، وفي كل الأحوال فان الجمعية مسئولة عن أي تقصير
في متابعة المالك والإشراف على عملية التقسيم وغيرها من الإجراءات اللازمة للحصول
على الأرض من المالك بموجب العقد الأولي المبرم فيما بينها وبين الموظف المشترك لكن مسئولية للجمعية قاصرة على متابعة المالك للوفاء بإلتزامه بتسليم
الارض .
الوجه الثاني: الوضعية القانونية للموظف المشترك في الجمعية السكنية:
يلتحق الموظف في عضوية الجمعية السكنية
الطوعية عن طريق تسجيل اسمه في الجمعية وسداد رسم التسجيل
والاشتراكات حيث يتم تحرير عقد أولي فيما بينه وبين الجمعية، وينظم هذا العقد الأولي العلاقة فيما بين الموظف المشترك والجمعية ويبين هذا العقد حقوق والتزامات
الجانبين خلال الفترة السابقة لإستلام الأرض ،وهذا العقد الأولي يقرر حق الموظف المشترك في الحصول على الأرض بحسب المساحة والثمن والفترة المحددة في العقد الأولي،فالعقد
الأولي يعني أحقية المشترك في الحصول على مساحة الأرض المحددة، وبحسب الثمن المحدد في العقد الأولي فإذا قام الموظف بالتنازل عن حقه
هذا فلا نكون أمام بيع ارض وإنما نكون أمام تنازل عن حق يجعل المتنازل
إليه يحل محل المشترك المتنازل في كافة
الحقوق والواجبات، وتبعا لذلك فلا يضمن المشترك المتنازل إنتكال الأرض فلا يضمن الدرك الشرعي
حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، اما اذا تنازل الموظف المشترك بعد حصوله على العقد
النهائي وإستلامه الأرض فانه عندئذ يكون بائعاً حقيقياً
لأرض موجودة بالفعل فيكون عندئذ ضامناً
ضمان الدرك الشرعي لما يبيعه،ولذلك فان المصطلح المناسب لتصرف المشترك يكون تنازلا
قبل إستلام المشترك الأرض ويكون بيعا بعد إستلامه الأرض.
الوجه الثالث: مدى جواز بيع المشترك أو غيره للأرض قبل إستلامها:
من شروط المبيع في الشريعة والقانون أن يكون موجوداً وقت إبرام العقد، ،ومن هذا المنطلق فانه لا يجوز للمشترك في الجمعية السكنية ان يقوم ببيع الأرض المتوقع حصوله عليها طالما ان الأرض غير موجودة بالفعل عند إبرام العقد، ولكن يجوز للمشترك في هذه الحالة ان يتنازل عن حقه في الحصول على تلك الأرض على النحو السابق بيانه، كما أنه لا يجوز للشخص الذي يتنازل إليه الموظف ان يقوم ببيع الأرض طالما انها غير موجودة وقت إبرام عقد البيع، وقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بضمان المتنازل إليه الذي قام ببيع الأرض لانه كان حينها قد استلم العقد النهائي الذي تضمن رقم رقم القطعة ومساحتها وحدودها...الخ، حيث أن المتنازل اليه البائع في هذه الحالة بائع للأرض الموجودة في العقد النهائي وفي الطبيعة حيث قضى الحكم بان البائع في هذه الحالة ضامن للمبيع ضمان الدرك الشرعي حسبما ذكر في البصيرة التي حررها الامين مثل البائع في هذه الحالة مثل أي بائع آخر حيث قام بالبيع بموجب بصيرة قام بتحريرها الأمين الشرعي المختص غير ان المشتري لم يتمكن من إستلام تلك الأرض المحددة لانه ظهر لاحقاً أن الجمعية السكنية كانت قد صرفت تلك القطعة لمشترك اخر بعقد سابق قام بحيازتها ومنع المشتري من الدخول اليها، ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بان البائع لتلك القطعة ضامن وانه يحق له الرجوع على الجمعية السكنية،والله اعلم.