ملائمة اللوائح الادارية لا تدخل ضمن الرقابة الدستورية
أ.د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تبسط الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا رقابتها على احترام القوانين
لنصوص الدستور وعدم مخالفتها لنصوص الدستور او اهدارها للحقوق
الدستورية، غير ان مفهوم هذه الرقابة لا يشمل
الرقابة على ملائمة اللوائح الادارية التي
تصدرها السلطة التنفيذية بمقتضى الصلاحيات المقررة قانونا للسلطة التنفيذية،فهذه
السلطة هي التي تقدر ملائمة هذه اللوائح ومناسبتها في ضوء الظروف والاشكاليات
والتحديات التي تواجهها السلطة الادارية والاهداف المرسومة لها،فملائمة اللوائح
الادارية وان خرجت من نطاق الرقابة الدستورية إلا أن ذلك لايعني خروجها من الرقابة
أو عدم خضوعها للرقابة وانما تخضع لرقابة القضاء الاداري المتخصص في هذا الشان،
وقد ورد هذا المفهوم في الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية في المحكمة
العليا في جلستها المنعقدة عام 2008م في الطعن
رقم (29117) بشأن عدم دستورية بعض مواد اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم مؤسسات
التعليم الأهلية والخاصة التي أوجبت على المدارس بعض الالتزامات ، وقد قضت الدائرة
الدستورية بانه (بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة وحيث ان الوقائع تتحصل في ان
المدعي قدم دعوى اشتملت على (29) بندًا، وبدراسة هذه
البنود اتضح بان عددًا منها لا يندرج تحت نطاق الدعوى الدستورية وليس له اية علاقة
بمبدأ الرقابة على دستورية القوانين ففي البندين (2 و 3) من عريضة الدعوى نعى
المدعي على الفقرة (2) من المادة (3) القرار المطعون فيه مخالفتها لأحكام الشرع
والقانون لان هذه الفقرة تلزم المدارس بضرورة امتلاك رصيد مالي سائل يغطي
المصروفات الجارية لمدة عام دراسي كامل، وبالتدقيق في هذا النعي نجد انه لا يدخل
ضمن المفهوم القانوني لمبدأ الرقابة على دستورية القوانين فهو يرتبط بمبدأ ملائمة
التشريع لان الرقابة على دستورية القوانين لا تنصب على ملائمة التشريع او مدى
صلاحيته الإجتماعية والسياسية، لان هذه الملائمة
هي من مظاهر السلطة التقديرية التي يتمتع بها المشرع فهو الذي بيده سلطة تقدير
ملائمة التشريع ووزن مناسبته) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في
الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الرقابة على دستورية القوانين:
اشار الحكم محل تعليقنا الى ان الدائرة
الدستورية تختص بالرقابة على دستورية القوانين عند فصلها في الدعاوى المرفوعة اليها بعدم دستورية
النصوص المدعى بعدم دستوريتها، وهذا الأمر يقتضي الاشارة بإيجاز بالغ إلى ماهية الرقابة على دستورية القوانين التي تباشرها المحاكم الدستورية
في بعض الدول والدائرة الدستورية في دول اخرى منها اليمن، فهناك تعريفات كثيرة للرقابة الدستورية منها تعريفها بانها: التحقق من
تطابق القوانين العادية او الاساسية التي تصدرها السلطة التشريعية مع أحكام
الدستور ونصوصه وعدم تعارض قانون عادي مع قانون اعلى منه والا فيعتبر هذا القانون باطلاً عملاً بمبدأ علو الدستور (الرقابة على دستورية
القوانين، د.عبدالعظيم عبدالسلام، صـ11) حيث تبحث الدائرة الدستورية عند فصلها في الدعاوى الدستورية تبحث في مدى إتفاق النصوص المدعى بعدم دستوريتها مع
نصوص الدستور للتأكد من عدم مخالفتها النصوص الدستورية، فإسناد الرقابة
على دستورية القوانين إلى الدائرة الدستورية كجهة
قضائية يكفل الحياد والاستقلالية والثقة بالأحكام التي تصدرها الدائرة الدستورية وسلامة وصحة ماتتوصل اليه،فاسناد الرقابة على دستورية القوانين إلى القضاء يجنب هذه
الرقابة الإشكاليات والتجاذبات والمكايدات السياسية، فعمل القضاء هو التحقق من مدى تطابق القانون مع نصوص الدستور وعدم
مخالفة القوانين لنصوص الدستور وكشف مخالفات النصوص القانونية للدستور وإبطال النصوص
القانونية المخالفة عن طريق الحكم بعدم دستوريتها.
الوجه الثاني: ماهية اللوائح الادارية وملائمتها:
اللوائح الادارية هي القرارات التنظيمية التي تصدرها الجهة الادارية بمقتضى الصلاحيات
المخولة لها بموجب القانون لتنظيم اعمالها وتنظيم الخدمات التي تقدمها...الخ، وتتسم هذه اللوائح بالطابع التنظيمي والاجرائي ، وبما أن هذه اللوائح لا تصدر من السلطة التشريعية المختصة اصلابإصدار التشريعات فان اللوائح الادارية التنظيمية لا تخضع للرقابة على
دستورية القوانين، لان هذه اللوائح ليست قوانين، فاللوائح الادارية تصدر اما بقرار جمهوري او قرار صادر عن رئيس مجلس الوزراء او من الرئيس
الاداري للجهة الادارية، ولكن عدم اختصاص
الدائرة الدستورية في الرقابة على ملائمة اللوائح الادارية لا يعني افلاتها
من الرقابة حيث يتولى القضاء الاداري الرقابة على ملائمتها ومناسبتها عند الطعن في
قرارات اصدارها، فاللوائح الادارية تتضمن قواعد عامة ومجردة ولذلك فهي تتشابه من حيث
موضوعها ومضمونها وصياغتها مع القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية ،لكن مع ذلك فاللوائح نوع من القرارات الادارية لانها تصدر بموجب قرارات
من السلطة التنفيذية فلا تصدر من السلطة التشريعية،
ولذلك فان اللوائح الادارية تخضع لرقابة القضاء الاداري من حيث المشروعية
والملائمة حسبما اشار الحكم محل تعليقنا، والمقصود
بملائمة اللوائح الادارية التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا:هو ان يقوم القاضي
الاداري بالبحث والدراسة للظروف والاحوال والاشكاليات التي كانت قائمة وقت صدور اللائحة والاهداف المطلوب من الجهة تحقيقها حتى تكون اللائحة مناسبةً او صالحة أو موافقة من حيث الزمان والظروف المحيطة بإصدار اللائحة،حيث يجب على الجهة التي تصدر اللائحة أن تراعي ملائمة اللائحة للظروف والاوضاع والاحوال
السائدة وقت اصدار اللائحة إضافة إلى مراعاة
التناسب بين سبب قرار إصدار اللائحة ومحله ،حيث تتعلق هذه الرقابة بالدافع إلى اتخاذ قرار إصدار اللائحة ومبرراته حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا،والله اعلم.