لا يحق للمشتري المطالبة بأكثر من حق البائع إليه - في القانون اليمني

*لا يحق للمشتري المطالبة بأكثر من حق البائع إليه*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن المشتري بإعتباره خلفاً خاصاً للبائع له يحل محله في كل ما يتعلق بالمبيع من حقوق وإلتزامات، غير ان ذلك لا يخول المشتري أن يطالب بحقوق وإمتيازات لم تكن مقررة أصلاً للبائع له، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24-11-2014م في الطعن رقم (55624)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((أما ما ورد في طعن... فليس بطعن، لأنه مجرد خلف خاص فيما آل إليه بطريق الشراء من البائع إليه، فليس له أن يتجاوز ما كان للبائع إليه، لانه في مركزه القانوني))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: معنى الخلف الخاص:*

➖➖➖➖➖

*▪️الخلف الخاص هو من يخلف سلفه في عين معينة لا في مجموع أموال السلف ، فالخلف الخاص هو كل شخص تلقى من سلفه ملكية مال مُعين أو أي حق عيني أخر على مال مُعين، ومن ثم فإن المشتري يُعد خلفاً خاصا لان المشتري يتلقى ملكية المبيع من البائع بموجب عقد البيع،، وكذلك يُعد المحال إليه خلفاً خاص للمحيل فيما يتعلق بالحق المحال، .ويعد خلفا خاصا الموهوب له شيء معين، وكذا الموصى له بعين معينة كأرض أو سيارة، فهو خلف خاص في هذه العين.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: إنتقال المبيع من البائع إلى المشتري (الخلف الخاص) بكافة حقوقه والتزاماته:*
➖➖➖➖➖

*▪️عرفت المادة (451) مدني عقد البيع بأنه: (تمليك مال بعوض على وجه التراضي بين العاقدين)، ولذلك فإن من مقتضيات عقد البيع تسليم المبيع إلى المشتري الذي تملك المبيع بموجب عقد البيع، فينتقل المبيع إلى المشتري، ويدخل في المبيع الذي ينتقل إلى المشتري وفقاً للمواد (516 و517 و 518) مدني يدخل في المبيع ما يندرج تحت اسمه عرفاً وما كان متصلاً به إتصال قرار تبعاً بلا ذكر ولا يقابله شيء من الثمن كفناء الدار وما يوجد بالأرض من احجار وكل ما يتناوله اسم المبيع عرفاً وليس متصلاً به إتصال قرار لا يدخل في المبيع إلا بذكره إن كان من حقوق المبيع ومرافقه، كما يدخل في بيع الدار والمنزل والحانوت ونحوها طرقها وكل ما لصق بها مما ينتفع به في مكانه دون نقل، ويدخل في بيع الأرض الماء من سيل أو غيل مالم يكن مستخرجاً بيد عامله أو بعرف قاض بعدم الدخول، وتدخل السواقي والمساقي والجدران والطرق المعتادة، كما يدخل الشجر النابت فيها مما يراد به لا ما يراد به من غصن أو ورق أو ثمر أو زرع فأنها لا تدخل إلا بالنص عليها، فبموجب عقد البيع ينتقل المبيع إلى المشتري بكافة حقوقه والتزاماته إلى المشتري الذي يحل محل البائع في كافة حقوق المبيع وامتيازاته التي تؤول إلى المشتري.*
*▪️ويشرح العلامة المرحوم الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه (مصادر الحق في الفقه الإسلامي ص 11) يشرح المركز القانوني للمشتري باعتباره من الخلف الخاص، وضمن ذلك يشرح السنهوري الحقوق المتعلقة بالمبيع التي تنتقل إلى المشتري، فيقول المرحوم السنهوري:(سبق القول: أن الخلف الخاص هو من يخلف سلفه في ملكية شيء معين بالذات أوفي حق عيني على هذا الشيء، فيكون خلفا خاصا للسلف ، والشيء المعين بالذات الذي يتلقاه الخلف قد يكون حقا عينيا كما هو الغالب ، وقد يكون حقا شخصيا ، فالمشتري خلف خاص للبائع في الشيء المبيع، وهذا استخلاف في ملكية عين معينة ، وصاحب حق الانتفاع خلف خاص لمن تلقى منه هذا الحق، وهذا استخلاف في حق عيني واقع على عين معينة، والمحال له خلف للمحيل في الحق المحال به، وهذا استخلاف في ملكية حق شخصي ، والمرتهن لدين خلف لصاحب هذا الدين الذي رهنه، وهذا استخلاف في حق عيني واقع على حق شخصي. فالخلف الخاص إذن هو من يتلقي شيئا معينا سواء اكان هذا الشيء حقا عينيا أو حقا شخصيا أو يتلقى حقا عينيا على هذا الشيء.*
*▪️أما من يترتب له حق في ذمة شخص آخر، فلا يكون خلفا خاصا له، بل يكون دائنا، فالمستأجر ليس بخلف للمؤجر، بل هو دائن له والمستأجر من الباطن ليس بخلف للمستأجر الأصلي، وإنما خلف المستأجر الأصلي هو المتنازل له عن الإيجار لأنه تلقى عنه ملكية حق شخصي ولم يقتصر كالمستأجر من الباطن على أن يترتب له في ذمته حق شخصي، ولا يعتبر البائع الذي يسترد العين من المشتري بعد فسخ البيع أو إبطاله خلفا خاصا للمشتري ، لأن كلا من الفسخ والإبطال له أثر رجعي، فلا يكون البائع متلقيا الملكية من المشتري ، بل تعتبر الملكية لم تنتقل منه أصلا إلى المشتري حتى تعود إليه. وقد يقال إن انتقال الشيء إلى الخلف الخاص بكون بأي سبب من أسباب انتقال الملك كالعقد والوصية والتقادم، ولكن لا ينصرف أثر العقد من السلف إلى الخلف الخاص إلا إذا كان انتقال الشيء بعمل إرادي كالوصية أو العقد، فهو وحده الذي يتفق مع فكرة حوالة الحق أو حوالة الدين وهي الفكرة التي يؤسس عليها عادة انصراف أثر العقد إلى الخلف الخاص. والمثل المألوف للخلف الخاص هو من يتلقى ملكية عين من سلفه، كالمشتري بخلف البائع في العين المبيعة، فإذا كان السلف البائع مثلا قد أبرم عقدا بشأن العين المبيعة قبل بيعها، ثم باع العين، فهل ينصرف أثر هذا العقد، من حقوق والتزامات، إلى الخلف الخاص وهو المشتري؟ من الواضح أنه حتى يمكن أن يوضع هذا السؤال لا بد من توافر أمرين:*
*1- أن يكون السلف قد أبرم عقدا بشأن العين التي انتقلت إلى الخلف، ولا يكفي ان يبرم السلف عقدا بل يجب أن ينصب العقد على العين، فإذا كان البائع قد اقترض قبل البيع لم ينصرف أثر عقد القرض إلى المشتري، ولو أن دين القرض قد أثقل الضمان العام للمقترض، وتدخل فيه العين المبيعة، وذلك لأن القرض لم يعقد بشأن العين المبيعة بالذات، ويختلف الحكم لو أن العين المبيعة كانت قد ارتهنت ضمانة للقرض، فعند ذلك يكون عقد الرهن لا عقد القرض، قد تعلق بشأن العين المبيعة، ويصح عندئذ التساؤل ما إذا كان عقد الرهن ينصرف أثره إلى الخلف الخاص وهو المشتري.*
*2- أن يكون العقد الذي أبرمه السلف سابقا في التاريخ الثابت على العقد الذي نقل الشيء إلى الخلف الخاص، فلو أبرم البائع عقدا بشأن العين المبيعة بعد بيعها لم يكن هناك محل للتساؤل ما إذا كان أثر هذا العقد ينصرف إلى المشتري، فقد أبرم العقد بعد أن انتقلت ملكية المبيع إلى المشتري فأصبح هذا من الغير ولا ينصرف إليه أثر العقد.*
*متى ينصرف أثر العقد إلى الخلف الخاص؟
تنص المادة 146 من التقنين المدني المصري على أنه: «إذا أنشأ العقد التزامات وحقوقا شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى خلف خاص، فإن هذه الالتزامات والحقوق تنتقل إلى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء إذا كانت من مستلزماته ، وكان الخلف الخاص بعلم بها وقت انتقال الشيء إليه.
وتعتبر الحقوق من مستلزمات الشيء إذا كانت مكملة له، كما تعتبر الالتزامات من مستلزمات الشيء إذا كانت محددة له، ويبرر ذلك أن الحقوق المكملة للشيء تعتبر من توابعه،والتابع ينتقل مع الأصل، أما الالتزامات التي تحدد الشيء فيجب أن تنتقل هي أيضا معه، لأن السلف لا يستطيع أن ينقل إلى الخلف أكثر مما يملك ، فإذا فرضت قيود معينة تحد من حق مالك العقار في البناء كيف شاء، كأن تمنعه من مجاوزة حد معين في الارتفاع بالبناء ، فإن هذه القيود سواء اعتبرت التزامات شخصية أو ارتفاقات عينية تنتقل إلى المشتري بموجب هذه القاعدة أو بموجب القاعدة السابقة.*
*3- التزام السلف الذي يغل يده عن بعض حقوق المالك ينتقل إلى الخلف الخاص مثل ذلك من اشترى أرضا من شركة تعمل في استخراج المعادن ، فاشترطت عليه الشركة ألا يرجع عليها بتعويض إذا أصابه ضرر بسبب ما تقوم به الشركة من الأعمال، فإن هذا الشرط ينصرف أثره إلى خلف المشتري ، ومثل ذلك أيضا صاحب المتجر يلتزم أن يمتنع عن التجارة في جهة معينة للحد من المنافسة، فإن هذا الالتزام ينتقل إلى خلف صاحب المتجر، ومثل ذلك أن تبيع الحكومة أرضا، وتشترط على المشتري أنها إذا نزعت ملكيتها للمصلحة العامة في خلال مدة معينة لم تلتزم إلا برد الثمن فقط ، فإذا باع المشتري الأرض لمشتر ثان التزم المشتري الثاني بهذا الشرط باعتباره خلفا خاصا للمشتري الأول.*
*ولا يعتبر الالتزام محددا للشيء، فلا ينتقل إلى الخلف الخاص، في فروض منها الفرضان الآتيان:*
*١. التزام السلف إذا كان لا يثقل العين أو يقيد من استعمالها أو يقيد بعض حقوق المالك، فالتزام بائع الأرض الذي اتفق مع مقاول على البناء لا ينتقل إلى مشتري الأرض، والتزام بائع السيارة نحو مؤجر الجراج لا ينتقل إلى من اشتري السيارة، وقد رأينا فيما تقدم أن الحق أيضا لا ينتقل في هاتين الحالتين. ولا ينتقل إلى المشتري الالتزام الذي نشأ عن وعد بالبيع صدر من البائع الأجنبي قبل أن يبيع العين للمشتري.*
*٢. التزام السلف إذا اعتبرت فيه شخصيته، فإذا وهب شخص داره لآخر على أن يقوم بالنفقة عليه، ثم باع الموهوب له الدار، لم ينتقل التزامه بالنفقة إلى المشتري وجوب علم الخلف الخاص بالحقوق والالتزامات حتى تنتقل إليه:*
*ولا ينتقل إلى الخلف الخاص حق أو التزام إلا إذا كان عالما به علما حقيقيا، ولا يكفي مجرد إمكان العلم، وتظهر أهمية ذلك بوجه خاص في انتقال الالتزام، لأنه قد يرد على حقوق الخلف، فلا ينبغي أن ينتقل إليه دون أن يكون عالما به، ويغني عن العلم التسجيل أو القيد في الحقوق العينية التي يجب شهرها).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: لا يجوز للمشتري ان يطالب بحقوق لم تكن مقررة للبائع له:*
➖➖➖➖➖

*▪️تطبيقا لفكرة الخلف الخاص السابق ذكرها فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه لايحق للمشتري ان يطلب اي حق لم يكن مقررا للبائع له، لان المبيع قد انتقل إلى المشتري على النحو الذي كان مقررا للبائع له قبل انتقاله للمشتري، وفي الحدود التي كان البائع يستعمل فيها المبيع، غير ان المشتري يستطيع المطالبة بالحقوق المتعلقة بالمبيع المقررة شرعا وقانوناً التي عجز البائع عن الحصول عليها كمساحة كانت ضمن المبيع اغتصبها جاره، وغيرها من الحقوق المتعلقة بالمبيع السابق ذكرها في الوجه الثاني، لان البيع قد انصرف على المبيع والحقوق التابعة له والمكملة والملحقة، والله اعلم.*