إهمال المستأجر للأرض الزراعية - في اليمن

*إهمال المستأجر للأرض الزراعية*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️العقود التي يتم ابرامها فيما بين الملاك والمستأجرين للأرض الزراعية تتخذ في الغالب شكل عقد المزارعة الذي تكون الأجرة فيه جزءاً من المحصول الذي تنتجه الأرض، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن إهمال المستأجر أو المزارع للأرض الزراعية وتعريضها للخراب والبوار يكون سبباً لإنهاء عقد المزارعة أو الإجارة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-11-2014م في الطعن رقم (55554)، حيث كان مالك الأرض الزراعية قد رفع دعواه أمام المحكمة الابتدائية مطالباً الحكم على المستأجر بإخلاء الموضع الزراعي المؤجر له وبتعويضه عن الخراب الذي لحق بالارض الزراعية وعدم زراعتها لعدة سنوات جراء إهمال المزارع المدعى عليه، فرد المدعى عليه بأنه لم يستأجر الموضع المدعى به من المدعى، وان الإجارة كانت فيما بين والدي المدعي والمدعى عليه، وقد حكمت المحكمة الابتدائية بإلزام المستأجر بإخلاء الأرض وتعويض المالك، وقد أيدت الشعبة المدنية الحكم الابتدائي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد جاء ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((فقد تبين أن المناعي التي ابداها الطاعن ضد الحكم المطعون فيه لا تؤثر في صحته ولا تنال من سلامة النتيجة التي توصل إليها، لأنه صدر موافقاً للقانون حيث سارت المحكمة في إجراءات محاكمة سليمة واستندت على أدلة جائزة قانوناً قدمت في مجلس قضائها منها على سبيل المثال الإجارة المؤرخة.... التي تحكي إستئجار والد الطاعن للموضع المدعى به من والد المطعون ضده إضافة إلى شهادات الشهود التي افادت قيام علاقة إيجار بين الطاعن والمطعون ضده للموضع المدعى به وتؤكد إهمال الطاعن للأرض محل الدعوى الأمر الذي أدى إلى خرابها وتلفها، فقد بني الحكم المطعون فيه على أسباب سائغة تكفي لحمله وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: سند الحكم محل تعليقنا في قضائه بفسخ عقد المزارعة لإهمال المستأجر الأرض:*
➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بفسخ عقد الإيجار (المزارعة) إذا ثبت أن المزارع قد اهمل الأرض الزراعية حتى تخربت جدرانها المساندة لها وصارت مقلباً للزبالة قضى الحكم بأن: المزارع يكون مسئولاً عن ذلك ويلزمه تعويض المالك المؤجر ورفع يده عن الأرض، وسند الحكم في ذلك المادة (766) مدني التي نصت على أنه: (اذا اجر رب الأرض أرضاً معلومة لشخص آخر يزرعها حرثاً وبذراً وتنقية فيما تصلح له بجزء معلوم مما تنتجه الأرض كان العقد ملزماً للمتعاقدين بشروطه المتفق عليها حال العقد وللمالك رفع يد الأجير بعد حصاد الزرع القائم اذا خالف العرف أو العمل أو فرط أو اخل بما شرط عليه او عجز، وللأجير مقابل ما غرمه في اقامة الأرض (العناء) بما يقدره عدلان اذا كان الزرع مما لا يقطع العناء عرفاً، ولكل من المتعاقدين طلب انهاء المزارعة بعد حصاد الزرع القائم مع مراعاة التنبيه على الطرف الآخر قبل ذلك بوقت كاف وفي البقول ونحوها مما يستغل اكثر من مرة يعمل بالعرف)، ومن خلال ذلك نجد أن النص قد جعل إهمال الأرض الزراعية سبباً من أسباب فسخ عقد المزارعة، لأن إهمال الأرض الزراعية يعطل الغرض أو الغاية من إبرام عقد المزارعة فلم يعقد هذا العقد إلا لأجل زراعة الأرض وحصول الطرفين المزارع والمالك على غلات الأرض، أما قضاء الحكم محل تعليقنا بإلزام المزارع بتعويض المالك فيتأسس على أساس القواعد والأحكام العامة للتعويض التي تشترط للحكم بالتعويض أن تتحقق عناصر التعويض وهي: الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما ، فهذه العناصر متوفرة في إهمال المزارع للأرض الزراعية، فالخطأ يتمثل في: مخالفة المزارع عقد المزارعة التي يوجب على المزارع زراعة الأرض وإصلاحها وصيانتها والمحافظة عليها، وعنصر الضرر يتمثل في: التكاليف التي سيتكبدها المالك لإعادة تأهيل الأرض للزراعة إضافة إلى ما فات المالك من كسب وهو عدم حصوله على غلات الأرض لعدة سنوات نتيجة تعطيل الأرض المؤجرة وعدم زراعتها لمواسم عدة، أما عنصر السببية بين خطأ المزارع والضرر المحقق الذي لحق المالك فمتحقق لأن الضرر الذي لحق المالك ما كان ليقع لولا إهمال المزارع وإخلاله بالتزاماته المقررة في عقد المزارعة الذي يوجب عليه زراعة الأرض وإصلاحها وصيانتها والمحافظة عليها وإعادتها عند انتهاء العقد إلى مالكها صالحة للزراعة مثلما استلمها المزارع اول مرة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: عقد المزارعة (الإجارة) ملزم للخلف العام للطرفين:*
➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن عقد المزارعة أو الإجارة للأرض ملزم للخلف العام للطرفين، أي ملزم لورثة المالك ولورثة المزارع أو المستأجر، فيجب عليهم الإلتزام بعقد المزارعة أو عقد الإيجار المبرم فيما بين مؤرثيهم، لأنه من المعلوم في الشرع والقانون والقضاء أن الورثة خلف عام لمؤرثهم أي أنهم يخلفونه في الإلتزامات التي التزم بها بموجب العقد التي كان مؤرثهم طرفاً فيه إضافة إلى أن الإنتفاع بالأرض المؤجرة قد انتقل إلى ورثة المستأجر فحل الورثة محل مؤرثهم في كافة الحقوق والواجبات المترتبة على عقد المزارعة، وقد كان سبب إنتقال هذه الحقوق والواجبات إلى الورثة هو عقد الإيجار الذي كان مؤرثهم طرفاً فيه، وكذلك الحال بالنسبة لورثة المالك المؤجر فهم ملزمون بالإلتزامات المقررة في عقد المزارعة أو الإجارة التي كان مؤرثهم طرفاً فيه.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: التجديد التلقائي لعقد المزارعة أو الإجارة:*

➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن الإجارة أو عقد المزارعة يتجدد تلقائياً طالما ان الأرض المؤجرة بيد المزارع أو المستأجر مادام ان لم يطلب اي من الطرفين إنهاء العقد ، لأن سبب وضع يد المستأجر أو ورثته على الأرض المؤجرة هو عقد المزارعة أو الإيجار، كما قضى الحكم محل تعليقنا بأن إمتناع المستأجر عن سداد الأجرة سبب من أسباب فسخ عقد المزارعة، فيحق للمالك أن يطلب فسخ عقد المزارعة إذا امتنع المستأجر عن دفع الأجرة أو جزء المحصول المتفق عليه بموجب عقد المزارعة أو الإجارة، والله اعلم.*