يحق للمالك أن يبني في ملكه ولو سد نافذة جاره - في القانون اليمني

*يحق للمالك أن يبني في ملكه ولو سد نافذة جاره*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️من ضمن الإشكاليات التي تسمم وتفسد علاقات الجوار بين الجيران فتح النوافذ والمطلات من غير ترك المسافة القانونية (متر)، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يحق للمالك أن يبني في ملكه ولو ترتب على ذلك سد نافذة أو بلكونة جاره المخالفة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-5-2014م في الطعن رقم (54644)، حيث قضى الحكم الاستئنافي بأنه: يحق لصاحب المنزل أن يبني جدارا في ملكه ولو ترتب على ذلك سد نافذة المستأنفة، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (ان إصرار المستأنفة على القول بأن المستأنف ضده لا يحق له أن يبني فوق منزله جداراً لأن سطح منزله مفسح لنافذتها لا يقره شرع ولا قانون ولا عرف، فلا يجوز أن يمنع المالك من ملكه، والشعبة تجد أن محكمة أول درجة قد احسنت صنعاً في عدم الإستجابة لطلب المستأنفة، فليس من حق المستأنفة منع المستأنف ضده من إستخدام ماهو مملوك له بحجة أنه سوف يسد نافذتها، فهذا هو الظلم بعينه ، وقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة (1173) مدني على أن (للجار ان يبني في ملكه وان سد النور)، وقد أقرت المحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وجاء ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((فقد تبين أن ما اثارته الطاعنة في عريضة طعنها سبق لها إثارته أمام محكمتي الموضوع فقامتا بمناقشته مناقشة كافية وردتا عليه تفصيلا، مما يتعين معه رفض الطعن وإقرار الحكم الاستئنافي ))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: منع القانون فتح النوافذ والمطلات وغيرها إلى ملك الغير:*

➖➖➖➖➖

*▪️صرح القانون المدني بأنه يحظر على الجار أن يفتح نافذة إلى ملك غيره ويسري هذا الحكم على المطلات (البلكونة) وقصب المجاري والماء والميزاب وغيره، فلا يجوز ذلك إلا إذا ترك صاحب النافذة مسافة متر مابينه وبين الجدار المقابل لجاره، وفي هذا المعنى نصت المادة (1173) مدني على أنه (ليس للجار ان يفتح على ملك جاره نافذة دون ان يترك من ملكه مسافة متر تقاس من ظهر الحائط او الخارجة منه, ولا يشترط ترك مسافة عند انشاء المناور التي تعلو قاعدتها عن قامة الانسان العادي فلا تسمح لاحد بالرؤية الجارحة وانما تسمح بنفوذ النور ومرور الهواء فقط, وللجار ان يبني في ملكه وان سد النور)، ويتأسس منع فتح النوافذ إلى ملك الغير على أسانيد عدة منها الحد من مضار الجوار كالفوضى واستراق السمع ومنع النظر إلى عورات الجيران، والحيلولة دون وقوع النزاعات بين الجيران مستقبلا بسبب فتح النوافذ المخالفة، ومن خلال ذلك يظهر أن هذا المنع يتعلق بالنظام العام، وهناك من يذهب إلى أن هذا المنع ليس متعلقاً بالنظام العام وإلا لما جاز للجار أن يأذن لجاره بفتح نافذة من غير ترك المسافة أو ياخذ من جاره مقابل السماح بفتح نافذة من غير مسافة.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: جواز الإذن المؤقت للجار بفتح نافذة (العارية):*
➖➖➖➖➖

*▪️يجوز للجار أن يأذن لجاره بأن يفتح نافذة أو يمد قصبة مجاري من غير أن يترك مسافة فاصلة بينه وبين جاره وذلك بدون مقابل، وفي هذه الحالة لاحول هذا الإذن دون مطالبة المالك لصاحب النافذة بسد النافذة لان المالك في هذه الحالة متبرعا ، كما يجوز للجار أن يأخذ من جاره مقابل السماح له بفتح النافذة من غير ترك مسافة، وعندئذٍ ينصرف اخذ المقابل على أنه بيع للمسافة المقابلة لفتحة النافذة فقط، وإذا أذن الجار لجاره بفتح النافذة من غير مقابل فيحق للجار أن يطلب من جاره سد النافذة في أي وقت يشاء، لأن الجار متبرع بذلك لجاره، قال تعالى {..مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ...}، وفي هذا الشأن نصت المادة (1343) مدني على أنه (اذا اذن مالك عقار باستخدامه او تسامح في ذلك بدون مقابل كان له ان يرجع في ذلك متى شاء).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: حق الجار في بناء جدران أو وضع ساتر مقابل نافذة جاره المفتوحة حتى لو كان قد سبق له ان أذن لجاره بفتحها:*
➖➖➖➖➖

*▪️سبق القول في الوجه الأول أنه يحق للجار أن يطلب من جاره سد النافذة المفتوحة إلى ملكه من غير ترك مسافة، وذكرنا أيضا أنه يحق له ذلك في أي وقت حسبما صرح القانون طالما أنه لم يأخذ من جاره مقابل فتح النافذة، لأن الإذن لا يخرج المال من ملك الجار الذي أذن، فالإذن من غير مقابل لا يصادر ملكية المالك للمساحة الفاصلة بين البنائين، حيث تظل تلك المساحة ملكا للجار الذي اذن، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد انكر على المستأنفة مطالبتها لجارها الذي أذن لها أن يترك مسافة متر مقابل النافذة التي سمح لها بفتحها، وعلى هذا الأساس يحق للجار الآذن أن يبني في ملكه جداراً أو بناءً حتى لو ترتب على ذلك سد النافذة أو البلكونة التي سبق له ان اذن لجاره بفتحها، وكذا يحق للجار الذي اذن لجاره بمد قصبة ان يبني محل القصبة ولو ترتب على بنائه قلع قصبة الماء أو المجاري، لأن الجار في هذه الحالة يتصرف في ملكه حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وفي هذا المعنى نصت المادة( 1173 ) مدني في نهايتها على أنه ( وللجار ان يبني في ملكه وان سد النور)، فاذا كان يحق للجار ان يبني في ملكه ولو ترتب على ذلك سد المناور فأنه يحق له البناء ولو ترتب على ذلك سد النافذة، إضافة إلى أنه اذا كان يحق للجار الذي اذن لجاره بفتح نافذة ان يبني في ملكه ولو ترتب على ذلك سد النافذة فأنه يحق من باب أولى للجار ان يبني في ملكه اذا كان الجار قد فتح النافذة من غير اذن من جاره حتى لو سد النافذة ، لان فتح النافذة وغيرها من غير اذن المالك يعد اعتداءا على حق الجار المالك، والاعتداء لايكسب المعتدي حقا وان تقادم الإعتداء، عملا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ليس لعرق ظالم حق)، وهو الحديث الذي استدل به الحكم الاستئنافي الذي أقره الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.*