*ملكية عين الماء الجاري*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن عين الماء الجارية القديمة التي اوجدها إلله سبحانه وتعالى ولم يقم الأفراد بإحداثها تكون ملكيتها ملكية عامة يحق لعموم المواطنين الإنتفاع بها بحسب عادات واعراف الشرب والسقي التي كانت سائدة عند المتقدمين جيلاً بعد جيل، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-1-2012م في الطعن رقم (44955)، وقد وردت في أسباب الحكم الاستئنافي (أن مستندات ملكية الطرفين المتنازعين لا تمتد إلى عين الماء النابعة من الجبل التي يزيد ماؤها في مواسم الأمطار مما يدل على ان أدلة الأطراف جميعاً لا تنطبق على محل النزاع، فقد ثبت أنه عندما يقل الماء من العين فإن الأهالي المتنازعون يغترفون من حوض ماء العين ، وعندما يزيد ماء العين في مواسم الأمطار يمد المواطنون المواسير من الحوض الذي يتجمع فيه الماء ، لذلك فالواجب ان يستفيد الجميع من عين الماء حسب العادة السابقة، ولا يحق لأحد منهم الإستئثار به وان يبقى العين على عادته دون تغيير وتوسيع، وحيث ان عين الماء تنبع من الجبل، ولم يتدخل في ايجادها أحد من المتنازعين ولا مورثيهم وإنما أوجدها الله سبحانه وتعالى)، وقد أقر حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وجاء في أسباب حكم المحكمة العليا: ((ان نعي الطاعنين ليس في محله، لأن الحكم الاستئنافي قد ناقش ذلك وتوصل إلى أن ماء العين يزيد في موسم الأمطار ويقل في الشتاء، وان عين الماء المتنازع عليها والتي هي عبارة عن نبع من الجبل ينبع منه الماء وقت حصول الأمطار ولم يتدخل في ايجاده أحد من المتنازعين ولا مورثيهم.. فهذه الأسباب صحيحة مما يتعين معه رفض الطعن موضوعاً))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الوضعية الواقعية لعيون الماء في اليمن:*
➖➖➖➖➖
*▪️طوال فترات التاريخ المختلفة اعتاد اليمانيون على طرق واساليب ووسائل تنظيم الإنتفاع بماء العيون الجارية، فهناك عيون ماء عامة ينتفع بها عامة أهل القرية أو الوادي سواء في الشرب أو في سقي المزروعات، حتى ان بعض العيون الشحيحة الماء يتم تقدير مقادير معينة من ماء الشرب لكل بيت بحسب عدد أفراد الأسرة، وكذا يتم تحديد أيام معينة لسقي مزروعات كل مالك بحسب حجم الأرض المطلوب سقيها وبحسب نوع المحاصيل المراد سقيها، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يجب الوقوف على العرف والعادة المتبعة في الشرب والسقي من العين محل النزاع حيث ينبغي التوزيع في الشتاء عن طريق الغرف من حوض ماء العين، ومد المواسير في موسم الأمطار لسقي المزروعات بحسب العادة والعرف القديم، وعيون الماء الجارية العامة تكون عامة بالنسبة لأهل القرية أو الوادي الذين ينتفعوا بمائها، فلا تكون عامة بالنسبة لأهل القرى أو الوديان المجاورة، فليس للمجاورين إلا الفضل من الماء وهو الزائد عن حاجة أهل القرية أو الوادي، وهناك عيون ماء خاصة وهي عيون الماء التي قام بإستخراجها صاحب المال الذي تقع العين في ملكه ، وقد المح الحكم محل تعليقنا إلى ان العين العامة التي خرجت تلقائياً بفضل الله تبارك وتعالى من غير جهد أو عمل من البشر أو تلك التي استخرجها الصالحون من الناس وجعلوها سبيلاً عاماً تكون في هذه الحالة ملكا عاما.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: ملكية عين الماء الجاري في القانون المدني:*
➖➖➖➖➖
*▪️يقرر القانون ان الأصل في الماء أنه مباح لجميع الناس وأنه لا يكون ملكية خاصة إلا بنقله من المكان المباح إلى غيره وحيازته في خزان أو بركة فعندئذ يتم احرازه فيكون ملكاً خاصاً بهم، ويدخل في ذلك الماء المستخرج من البئر أو المستخرج من العين التي استخرجها مالك الأرض، وفي هذا المعنى نصت المادة (1359) مدني على أن: (الماء مباح أصلاً للجميع ولا يملك ملكية خاصة الا بالنقل أو بالاحراز أو ما في حكمهما، وهو مثلي يضمن بمثله، ويعتبر حفر البئر لتلقي الماء احرازاً له إذا اتى من مباح ومر في المجرى)، وفي هذا السياق نصت المادة (1360) مدني على أن: (الماء المباح حق لمن سبق إليه بقدر كفايته ولو كان مأخوذاً من ملك، ولا يجوز لأحد أن يدخل ملك جاره لأخذ الماء منه إلا بإذن المالك أو رضاه أو بعرف، ولا يجوز الإضرار بالمالك في أخذ الماء من ملكه إلا لشرب الإنسان أو طهوره)، ومع إضطراب وتضارب صيغة النصين السابقين إلا أنه يفهم منهما ان عين الماء المستخرجة بفعل وجهد مالكها المحدث لها الواقعة في ملكه تكون هي وماؤها ملكاً خاصاً لمالكها المحدث لها، فلا يجوز للأفراد أخذ مائها إلا بإذن من مالكها، غير أنه يجوز أخذ ماء الشرب وماء الوضوء وماء الغسل للطهارة منها من غير إذن مالك العين.*
*ومن المؤكد أن الدستور يصرح بأن الموارد الطبيعية ومنها المياه ملك للمجتمع كله وان الدولة تتولى تنظيم الإنتفاع به، وعلى أساس هذا النص الدستوري فقد صدر قانون المياه الذي تضمن ضوابط وشروط لتنظيم الإنتفاع بمصادر المياه منها ماورد في المادة( 2) من القانون التي نصت على أنه( حقوق الانتفاع: الحقوق التي تخول صاحبها استخدام الكميات المحددة من المياه للأغراض المحددة ، وذلك بموجب أحكام هذا القانون. - حقوق الانتفاع التقليدية: الحقوق المتوارثة والمعترف باستمراريتها عرفاً أو شرعاً أو كليهما معاً ، والقائمة على حق الاستفادة الفردية والأسرية أو الجماعية من مياه الأمطار و السيول والغيول والينابيع والآبار ومنشآت المياه ، وأغراض وحدود هذه الاستخدامات وحقوق الارتفاق المرتبطة بها. - حقوق الارتفاق : المنافع التي تواترت للغير على مصادر المياه ومنشآتها ، وعلى المناهل والآبار ، مثل حق الحصول على الماء لشرب الإنسان والحيوان ، أو لأي غرض آخر متعارف عليه ، أو حق المرور أو الرعي في مستجمعات الأمطار ومجاري وقنوات المياه ، أو حق السقي للأعلى فالاعلى أو بما فاض من الماء على المنتفع الأصلي ، أو حق المراقبة والتفتيش لما يحدث للماء وفق هذا القانون)، والله اعلم.*