*عدم تحفظ الكفيل في وثيقة الكفالة (الضمانة)ـ
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن عدم تحفظ الكفيل في وثيقة الكفالة أو (الضمانة) التي تصدر عنه يجعلها مطلقة غير مقيدة بمبلغ معين أو فترة معينة أو عمل معين، بل تكون مطلقة يتحمل بموجبها الضامن سداد المبالغ والوفاء بالالتزامات التي بذمة المكفول عليه، وذلك يجيز للجهة المستفيدة من الضمانة ان ترجع على الضامن مباشرة للوفاء على أساس ان الضامن قد ضم ذمته إلى ذمة المكفول عليه، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-12-2013م في الطعن رقم (53697)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((أما قول الطاعن بأن موضوع الكفالة هي عقد إيجار معدات بناء في مشروع معين ولمدة محددة، فأنه بعودة الدائرة إلى صورة الكفالة الصادرة من الطاعن تجد أنها تنص على أنه (أنا.... اضمن على الأخ.... ان يسدد مبالغ إيجار معدات البناء بداية كل شهر حسب المبلغ المتفق عليه بالعقد مع الأخ.... وأية اضرار متلفة من تكسير أو اعوجاج) وعليه: فان الدائرة تتفق مع الشعبة بقولها في حيثيات حكمها: ان محرر الكفالة الصادر من المستأنف ضده وإن كان عن إلتزام المكفول عليه المترتب عن عقد الإيجار المبرم فيما بين المؤسسة والمكفول عليه إلا أن سياقه وفقاً للقرائن الثابتة لدى الشعبة يدل على انصراف الكفالة إلى الاجرة لا إلى مدة معينة أي أنه طالما أن الإيجار قائم فالكفيل ملتزم بدفع أية أجرة مستحقة وحالة في ذمة المكفول عليه إذا لم يقم بالوفاء بها، كما أن الدائرة تتفق مع ما جاء أيضاً في حيثيات الحكم الاستئنافي من ان بقاء أصل الكفالة مع المؤسسة المكفول لها وإستلام الكفيل للإشعارات الموجهة إليه من المؤسسة والمتضمنة الإشارة إلى تمسك المؤسسة بكفالته الخالية من تحفظ الكفيل أو التنويه من قبله بما يفيد انقضاء كفالته لإنتهاء المدة بل دل ذلك على قبول إستمرارها)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الأصل أن الكفالة أو الضمانة مطلقة:*
➖➖➖➖➖
*▪️عرف القانون المدني الكفالة في المادة (1026) بأنها (ضم ذمة هي ذمة الكفيل إلى ذمة المكفول عليه للإستيثاق فيما كفل به وتتم بلفظها ونحوه ولا تتوقف على رضاء المكفول عليه)، وعرف القانون التجاري الكفالة في المادة (230) بأن: (الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بتنفيذ إلتزام وتنعقد بإيجاب وقبول من الكفيل والدائن). وتكون الضمانة تجارية إذا كان الكفيل يضمن ديناً تجارياً حسبما نصت عليه المادة (231) تجاري، فالأصل في الضمانة أن تكون مطلقة تتضمن إلتزام الكفيل بالسداد للمبالغ التي بذمة المكفول عليه أو تنفيذ الإلتزام المحدد على المكفول عليه حيث تنصرف الكفالة إلى التزام الكفيل بالقيام بالإلتزام كاملاً الملقى على عاتق المكفول عليه بحسب شروط واوصاف الإلتزام المقرر على المكفول عليه وبحسب المدد المتفق عليها للسداد أو الوفاء فيما بين المكفول عليه والمكفول له، فهذا هو مفهوم ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المكفول عليه، لان الضمانة إلتزام تابع لالتزام المكفول عليه، ونخلص من هذا الوجه إلى القول: بأن الكفالة مطلقة وشاملة للإلتزام المقرر على المكفول عليه طالما إن الكفيل لم يشترط في كفالته أي شرط أو يقصر كفالته في حدود مبلغ معين او مدة معينة أو بعض الإلتزام اوبعض العمل المقرر على المكفول عليه، ومؤدى الكفالة المطلقة ان المكفول له أو الجهة المستفيدة من الضمانة يحق لها الرجوع على الكفيل مباشرة ومطالبته بالسداد والوفاء بكامل الإلتزام أو المبالغ التي بذمة المكفول عليه، وبحسب الأوصاف والشروط والمدد المتفق عليها فيما بين الكفيل والمكفول عليه، كما لو أن الضامن في السداد والوفاء هو المكفول عليه، فذلك هو معنى الكفالة: بأنها ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المكفول عليه، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن الأصل ان تكون الضمانة مطلقة حتى يرد الدليل على أنها مقيدة أو مشروطة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: الكفالة المقيدة أو المشروطة:*
➖➖➖➖➖
*▪️هي الكفالة التي يشترط في وثيقة الضمانة يشترط الضامن أو الكفيل بعض الشروط أو القيود، ومن ذلك ان يشترط الكفيل ان تكون كفالته بحدود مبلغ معين أو لفترة معينة أو على عمل معين، ففي هذه الأحوال لا تضم ذمة الضامن إلى ذمة المكفول عليه إلا في حدود الشروط التي اشترطها الكفيل أو الضامن، والأولى أن يتم ذكر الشروط أو القيود التي ترد على الضمانة أو الكفالة في وثيقة الضمانة ذاتها، وفي القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان الطاعن يجادل في ان ضمانته على المكفول عليه كانت معينة في أعمال معينة ومحددة بفترة معينة، إلا أن الحكم محل تعليقنا قضى بأن ضمانة أو كفالة الطاعن مطلقة لعدم وجود قيود أو شروط في وثيقة الكفالة أو أية وثيقة معدلة لوثيقة الكفالة أو الضمانة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: مصير الضمانة بعد إنتهاء العمل محل الكفالة:*
➖➖➖➖➖
*▪️كان جانب من النقاش في الحكم محل تعليقنا يدور بشأن مصير الكفالة أو الضمانة إذا انتهى العمل محل الكفالة أو انقطعت صلة العامل المكفول عليه بالعمل، والصحيح ان الكفالة لا تسقط بالنسبة للأعمال السابقة على إنتهاء العمل أو الفترة السابقة لإنتهاء عقد العامل، لأن الضامن بموجب الضمانة قد قبل بأنه يضمن العامل اثناء عمله، ولكن الضمانة لا تمتد إلى الأعمال الصادرة من المكفول عليه بعد إنتهاء عمله، غير أن الجهة المستفيدة من الضمانة أو الكفالة إذا منحت العامل وثيقة إخلاء طرف أو إخلاء مسئولية عن الفترة التي عمل فيها لديها فإن الضمانة على العامل تسقط مطلقاً للفترة السابقة على إنتهاء فترة عمله والفترة اللاحقة لذلك، لأن الضمانة تابعة لذمة العامل المكفول عليه فإذا قررت الجهة المستفيدة من الكفالة إخلاء طرف العامل فإن ذلك يؤدي حتما إلى إخلاء طرف الضامن تبعاً لذلك، لأن التزام الكفيل أو الضامن تابع لإلتزام المكفول عليه.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: الضمانة المستقبلية عن العامل وغيره:*
➖➖➖➖➖
*▪️الضمانة المستقبلية هي عبارة: عن ضمان الكفيل للأعمال التي سوف تصدر عن المكفول عليه في المستقبل مثل الضمانة على العامل بأية مبالغ قد يختلسها أو يتلفها أو يبددها في المستقبل أو ضمان قيام المكفول عليه في المستقبل بأعمال معينة ، وقد اجاز القانون المدني صراحة هذه الضمانة، فقد نصت المادة (1039) على أنه (تصح الكفالة بما سيثبت مستقبلاً وللكفيل الرجوع فيما سيثبت بالمعاملة قبل ثبوته واذا ثبت قبل الرجوع لزمت الكفالة)، وقد ثار بشأن هذا النص جدل كثير بين اعضاء لجنتي تقنين أحكام الشريعة والعدل والأوقاف في البرلمان اليمني وامتد هذا الجدل خارج مجلس النواب في الاوساط الفقهية، لأن غالبية الفقه الإسلامي تمنع الكفالة في المستقبل لما يشوبها من الغرر المفضي إلى النزاع والتخاصم.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الخامس: بقاء أصل وثيقة الضمانة لدى الجهة المستفيدة قرينة على أنها مازالت سارية المفعول:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن بقاء أصل وثيقة الضمانة لدى الجهة المستفيدة من الضمانة (المكفول له) قرينة على ان الضمانة لازالت سارية المفعول، فلو لم تكن كذلك لكان الضامن قد سحبها، غير ان هذه القرينة قابلة لإثبات العكس، فيجوز إثبات انتهاء الضمانة بمنح الجهة المستفيدة العامل المكفول عليه إخلاء طرف أو تقديم الكفيل وثيقة صادرة من الجهة المستفيدة من الضمانة بأنها قد تنازلت عن الضمانة أو محضر إتفاق بين الجهة المستفيدة والضامن يقرر إنهاء الضمانة، وغير ذلك من الأدلة التي تشهد على ان بقاء أصل وثيقة الضمانة لدى الجهة المستفيدة لايدل على أنها مازالت نافذة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه السادس: قرينة عدم اعتراض الضامن على اشعارات الجهة المستفيدة بالوفاء بموجب الضمانة:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن إستلام الضامن للاشعارات الصادرة من الجهة المستفيدة بتنفيذ ضمانته، وعدم اعتراض الضامن على هذه الاشعارات قرينة على بقاء الضمانة ونفاذها، لان سكوت الضامن في هذه الحالة قرينة على بقاء ضمانته ونفاذها والا لقام الضامن بالاعتراض على تلك الاشعارات والإفادة بانتهاء ضمانته، والله اعلم.*