وقف الدعوى العمالية حتى الفصل في القضية الجزائية - في القانون اليمني

*وقف الدعوى العمالية حتى الفصل في القضية الجزائية*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن مطالبة العامل بتعويضه عن فصله التعسفي وغير ذلك من التعويضات يتوقف على مصير التهمة الجنائية المنسوبة للعامل المنظورة أمام القضاء الجنائي، فلا يتم الفصل في دعوى العامل قبل ان تفصل المحكمة الجزائية في التهمة الجنائية المسندة للعامل، غير ان وقف الدعوى العمالية في هذه الحالة لا يعني حرمان العامل من اجره حتى يتم الفصل في القضية الجزائية حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-4-2017م في الطعن رقم (59053)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فإن البين من الأوراق ان قرار اللجنة التحكيمية العمالية قد اقتصر على وقف نظر موضوع الدعوى المقدمة من العامل المطعون ضده بخصوص مطالبته بإستحقاقاته (القضية المدنية) حتى يتم الفصل في الدعوى الجزائية المتمثلة في قرار إتهام العامل بجريمة خيانة الأمانة لما عللت به من ان الفصل في طلبات دعوى العامل متوقف على نتيجة الفصل في القضية الجنائية إعمالاً لنص للمادة (44) إجراءات، وحيث ان البين من الأوراق ان قرار اللجنة قد فصل في الدفع المقدم من قبل الطاعنة، ولما كان قانون العمل في المادة (59) عمل قد نص على إستحقاق العامل لاجره الكامل خلال فترة توقيفه بسبب قضية تتعلق بالعمل على إلا يقل ما يدفع في فترة التوقيف عن 50% من اجره الأساسي كما ضمن حق صاحب العمل في إسترجاع ما تم صرفه خلال فترة التوقيف في حال إدانة العامل بحكم بات، ولذلك فإن ما ذهبت إليه اللجنة التحكيمية والشعبة الاستئنافية موافق للقانون ومقتضيات العدالة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: شرط ان لا يكون قد حكم على العامل بجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة:*
➖➖➖➖➖

*▪️سبق لنا التعليق على هذا الموضوع حيث تعرضنا في تعليقنا إلى المقصود بالجرائم المخلة بالشرف والأمانة، ومن خلاله خلصنا إلى القول: بأنه يشترط لتعيين الموظف أو العامل ان لايكون قد سبق أن صدر عليه حكم في جريمة من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة مالم يرد إليه اعتباره،والجرائم المخلة بالشرف والأمانة هي الماسة بالعمل أو الوظيفة كجريمة خيانة الأمانة أو الإتلاف العمدي أو الرشوة أو الإختلاس أو الاستيلاء على المال أو التزوير أو إنتحال الصفة أو الزنا أو شرب الخمر في العمل ، وذكرنا في تعليقنا السابق ان شرط ان لا يكون العامل قد حكم عليه بجريمة مخلة بالشرف والأمانة وإن كان شرطاً للتعاقد مع العامل أو تعيين الموظف، فأنه يفترض أن يظل هذا الشرط ملازماً للعامل طوال عمله فليس هذا الشرط شرط قبول للعامل بل لاستمرار العامل في العمل، فإذا ارتكب العامل اثناء عمله جريمة من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة فقد انتكل شرط من أهم شروط التعاقد مع العامل أو تعيين العامل.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: إستقلال المسائلة الإدارية للعامل أو الموظف عن المسائلة الجزائية والمدنية:*
➖➖➖➖➖

*▪️كان العامل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قد نسبت إليه تهمة خيانة الأمانة، وقامت النيابة العامة بالتحقيق معه وتوصلت النيابة إلى تقديمه إلى المحاكمة، فقد اصدرت النيابة قرار إحالة العامل المتهم إلى المحاكمة (قرار الإتهام)، لان الجهة التي كان يعمل بها العامل اكتفت بتقديم الشكوى بالعامل إلى النيابة العامة متهمة العامل بخيانة الأمانة وضم بعض المبالغ الخاصة بالشركة إلى ملكه، ولم تقم الشركة بالتحقيق الإداري مع العامل ومسائلته إدارياً وتوقيع العقوبة الإدارية المناسبة في حقه قبل مباشرة النيابة العامة لإجراءات الدعوى الجنائية في مواجهة العامل المتهم ، لأن المسألة الإدارية مستقلة عن المسائلة الجزائية، فالمسائلة الإدارية هدفها المحافظة على نزاهة العمل وسلوك العمال في العمل ، فعقد العمل وقانون العمل ينص على وجوب إحترام العامل اثناء عمله للقوانين والنظم النافذة في الدولة، فارتكاب العامل للجريمة في مقر العمل أو اثناء العمل اوبسببه يعد مخالفة إدارية يستحق عليها الجزاء الإداري وفي الوقت ذاته فهي جريمة يستحق عليها الجزاء الجنائي المقرر في قانون الجرائم والعقوبات التي تقضي بتوقيعها المحكمة الجزائية المختصة عملاً بمبدأ إستقلال المسائلة الإدارية عن المسائلة الجزائية.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: وقف الدعوى العمالية حتى الفصل في الدعوى الجزائية:*
➖➖➖➖➖

*▪️من تطبيقات مبدأ إستقلال المسائلة الجزائية عن المسائلة المدنية والمسائلة الإدارية، أنه يترتب على إرتكاب العامل لجريمة من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة قيام المسئوليات الثلاث بحق العامل أو الموظف فهو مسئول عن الجريمة بموجب قانون الجرائم والعقوبات الذي تتولى تطبيقه النيابة العامة والقاضي الجزائي وفي الوقت ذاته فإن العامل مسئول إدارياً أمام الجهة التي يعمل بها لإخلاله بواجبه وإرتكابه لفعل يخل بسلوك العامل الوظيفي، وأيضاً العامل مسئول مدنياً عن الأضرار التي تلحق بالجهة التي يعمل بها بسبب الجريمة التي ارتكبها، وبناء على ذلك يحق للجهة رفع دعوى مدنية أصلية أو تبعية للمطالبة بالتعويضات عن الأضرار التي لحقت بها جراء إرتكاب العامل للجريمة، ومع هذا وذاك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يترتب على تحريك الدعوى الجزائية في مواجهة العامل المتهم بإرتكاب جريمة مخلة بالشرف والأمانة ان يتم وقف الدعوى العمالية المرفوعة من العامل حتى يتم الفصل في الدعوى الجزائية، وسند الحكم محل تعليقنا في قضائه هي المادة (44) إجراءات التي نصت على أنه( يجوز كذلك مباشرة الدعوى المدنية بصفة مستقلة عن الدعوى الجزائية و في هذه الحالة يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائيا في الدعوى الجزائية المقامة قبل رفعها أو في أثناء السير فيها و للمحكمة أن تقرر ما تراه من الإجراءات الاحتياطية المستعجلة المناسبة لحماية المضرور على أنه إذا أوقف الفصل في الدعوى الجزائية لإصابة المتهم بعاهة عقلية يفصل في الدعوى المدنية). فالقاعدة تنص على: ان الجزائي يوقف المدني، إضافة إلى أن المادة (205) مرافعات قد نصت على أنه: (في غير الأحوال التي ينص عليها القانون على وقف الخصومة وجوباً أو جوازاً يجب على المحكمة ان تأمر بوقفها كلما رأت ان تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة أخرى يتوقف عليها الحكم في الخصومة)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم محل تعليقنا بأن مطالبات العامل في دعواه المدنية متعلقة بمصير الدعوى الجزائية المرفوعة عليه والمنظورة أمام القاضي الجزائي، لأن القضاء الجزائي إذا توصل إلى إدانة العامل فعندئذٍ لا يستحق العامل التعويض عن الفصل وشهر الإنذار...إلخ التي كان يطلبها العامل في دعواه العمالية، أما إذا توصل القضاء الجزائي إلى براءة العامل مما نسب إليه فعندئذٍ سوف يستحق العامل التعويضات التي طلبها في دعواه العمالية، وعلى هذا الأساس فإن الحكم محل تعليقنا كان مصيباً في قضائه بوقف الدعوى العمالية حتى يتم الفصل في الدعوى الجزائية.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: مستحقات العامل الموقوف على ذمة إرتكابه جريمة من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة في جهة عمله:*
➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن العامل المحال للتحقيق أمام القضاء بشأن إرتكابه لجريمة من جرائم الشرف والأمانة اثناء عمله يستحق حقوقه المقررة في المادة (59) من قانون العمل التي نصت على أنه: (مع مراعاة أحكام المادتين (99 و100) من هذا القانون يستحق العامل اجره الكامل خلال فترة توقيفه بسبب قضية تتعلق بالعمل شريطة ان لا يقل ما يدفع له في فترة التوقيف عن 50% من اجره الأساسي، ويكون صرف الجزء المتبقي من الأجر الكامل حال التأكد من براءته ولصاحب العمل إسترجاع ما صرفه خلال فترة التوقيف في حال إدانة العامل بحكم بات)، والله اعلم.*