*التحكيم بشأن الحد الفاصل بين القرى والعزل*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️الحدود الفاصلة بين القرى والعزل ليست حدودا سياسية كالحدود بين الدول بل حدود تنظم انتفاع اهالي القرى والعزل المتجاورة بالمراعي والمحاطب والسوائل والمنحدرات وغيرها من المراهق العامة، وتثير هذه المسألة خلافات حادة في كثير من المناطق اليمنية، علاوة على أن التحكيم فيها يثير إشكاليات بإعتبار ان المراهق العامة أملاك عامة للدولة لايجوز التحكيم بشأن ملكيتها إضافة إلى أن صفة الممثلين عن اهالي القرى تثير إشكاليات أخرى، وقد أشار إلى هذه المسائل المهمة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-3-2016م في الطعن رقم (57608)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((ان حيثيات حكم الشعبة قد اخذت بالصفات القانونية لأطراف حكم التحكيم والطبيعة الصادرة بها بإعتبار الحكم وفقاً لما ذكره المدفوع ضده في دعوى البطلان أنه حكم في الحد والبلد بين قريتين، بل وقدم دعوى البطلان ضد اهالي قرية...، والحكم الصادر عن الشعبة قد أخذ بالصفة القانونية المقرر بها إستلام نسخة الحكم وتشريفه من اللجنة الممثلة لأهالي قرية.... كإستلام يحتج بها في مواجهة الكافة من أهالي القرية، وذلك ثابت بإبهام اعضاء اللجنة المختارة منهم لتمثيلهم أمام المحكمين في الحد والبلد، والموقعين على وثيقة التحكيم والموقعين على تشريف الحكم في تاريخ.... كواقعة لاحقة لإستلامهم لنسخة من الحكم كتاريخ ثابت بدليل قطعي))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ماهية الحد الفاصل بين القريتين في الحكم محل تعليقنا:*
➖➖➖➖➖
*▪️الحدود بين القرى والعزل في اليمن ليست حدوداً سياسية كالحدود بين الدول وإنما حدود تنظم الإنتفاع المشترك بين اهالي القرى والعزل المتجاورة مثل الإنتفاع بالمحاطب والمراعي والسوائل والمنحدرات والاحراش والأراضي الموات، فوظيفة الحد الفاصل تنظيم وتحديد الحمى الخاص ومفاسح القرى، وهو ما يسمى في الفقه الإسلامي (الحمى الخاص) الذي قد يكون خاصاً بقرية أو بمصلحة كحمى البئر أو حمى المدرسة والمستشفى، فالحد الفاصل بين القرى والعزل يمنع إستئثار بعض القرى أو العزل بالإنتفاع بالمحاطب والمراعي على حساب القرى المجاورة لها، ويكون الحد الفاصل بين العزل والقرى في الغالب أما سائلة أو جبل صغير أو تبة أو صخرة عظيمة (قوز)، وعلى هذا الأساس فإن الحد الفاصل المشار إليه في الحكم يختلف عن مصطلح العرف الفاسد المسمى (حد وبلد) الذي يعني: أن المالك للأرض الغريب عن المحل أو القرية أو العزلة يتم حرمانه من المراهق التابعة لأرضه شرعاً وقانوناً، حيث سبق التعليق على هذا العرف الفاسد في أكثر من تعليق.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: طبيعة إنتفاع أهل القرية بالحمى الخاص بقريتهم:*
➖➖➖➖➖
*▪️ينتفع أهل القرية بالحمى الخاص بقريتهم على وجه الإشتراك كالإنتفاع بالمراعي والمحاطب وعيون الماء ومقالع الحجارة التي تقع في الجبال والاكام وغيرها من المراهق العامة، ومن هذا المنطلق فإن لأهل القرية جميعاً مصلحة مشتركة في الدفاع عن الحمى الخاص والواقع ضمن حدود القرية، وبناءً على ذلك تتحقق الصفة والمصلحة في أهالي القرية جميعاً، فتكون لكل فرد من أفراد القرية مصلحة مباشرة في الدفاع عن حمى القرية الذي ينتفع به الفرد على وجه الإشتراك مع الآخرين من أهالي القرية.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: تحقق الصفة والمصلحة في كل فرد من أهالي القرية طالما وهو ينتفع إنتفاعاً مباشراً بالحمى الخاص بالقرية:*
➖➖➖➖➖
*▪️تتحقق الصفة والمصلحة في كل فرد من اهالي القرية طالما وهو ينتفع انتفاعاً مباشراً بالحمى الخاص للقرية، لأن من شروط المصلحة في الدعوى ان تكون مباشرة أي أن يلحق المدعي ضرراً مباشراً من الإعتداء على حقه سواء أكان هذا الحق خاصاً به أو مشتركاً مع غيره، وبناء على ذلك يحق لأهل القرية جميعا أو لبعضهم ان يرفع الدعوى أمام المحكمة أو هيئة التحكيم في مواجهة المعتدي على حمى القرية (الشروط السلبية العامة لوجود الحق في الدعوى القضائية، د.محمود السيد التحيوي، ص142).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: صفة اللجنة المختارة من أهل القرية لحل الخلاف مع أهل القرية الأخرى بشأن الحد الفاصل:*
➖➖➖➖➖
*▪️كان القسم الأكبر من الجدل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا يدور بشأن صفة اعضاء اللجنتين المختارتين من اهالي القريتين، حيث كان نعي الطاعن من وجهتين: الوجه الأولى: ان اعضاء اللجنتين لم يتم إختيارهم من جميع أهالي القريتين إضافة إلى ان بعض أهالي القريتين لم يقوموا بالتوقيع على وثيقتي اختيار اعضاء اللجنتين إلا في تاريخ لاحق بعد ان سارت لجنة التحكيم في إجراءاتها، أما الوجهة الثانية: من نعي الطاعن فقد كانت بشأن عدم جواز قيام اعضاء اللجنتين بالتحكيم نيابة عن أهل القريتين، لأن التحكيم يستدعي توكيل خاص حسبما هو مقرر في قانون المرافعات، وقد رفض الحكم محل تعليقنا نعي الطاعن في هذا الشأن، لأنه من الثابت إختيار أهل القريتين لأعضاء اللجنتين فلم يدع أحد من أهل القريتين بأن اعضاء اللجنتين لا يمثلوا أهالي القريتين إضافة إلى أن الصفة الشخصية متحققة في كل عضو من اعضاء اللجنتين باعتبارهم من اهالي القريتين المنتفعين بالحمى الخاص لكل قرية، كما أن وثيقة إختيار أهالي القريتين لأعضاء اللجنتين قد تضمنت تفويضهم في حسم الخلاف بشأن الحد الفاصل صلحاً وتحكيماً وقضاءً.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الخامس: ما إذا كان التحكيم في الحد الفاصل بين القرى والعزل متعلقا بالنظام العام:*
➖➖➖➖➖
*▪️كان الطاعن في الطعن الذي فصل فيه الحكم محل تعليقنا قد نعى على الحكم الاستئنافي بأنه قد خالف النظام العام حينما رفض دعوى بطلان حكم التحكيم المقدمة منه، لأن التحكيم بشأن المراهق العامة كالمحاطب والمراعي والسوائل والمنحدرات لا يجوز التحكيم فيها بإعتبارها أملاكاً عامة بموجب قانون أراضي وعقارات الدولة، وقد رفض الحكم محل تعليقنا هذا النعي، لأن التحكيم كان قاصراً على تنظيم الإنتفاع بالمراهق العامة، فلم يتعرض لملكية المراهق العامة، خاصة أن المادتين (42 و43) من قانون أراضي وعقارات الدولة قد اجازت للأهالي الإنتفاع المشترك بالمراهق العامة كالمحاطب والمراعي.*