القسمة عقد لازم لجميع الورثة - في القانون اليمني

*القسمة عقد لازم لجميع الورثة*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*


➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن القسمة الرضائية عقد لازم لجميع الورثة يجب عليهم تنفيذه حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-5-2012م في الطعن رقم (45428)، الذي ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((حيث ان القسمة عقد لازم لجميع الورثة وحجة قاطعة بين المتقاسمين فيما شمله وتناوله، لذلك فأنه يتيعن رفض الطعن بالنقض موضوعاً وإقرار الحكم الاستئنافي))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: عقد القسمة في القانون المدني:*
➖➖➖➖➖

*▪️عقد القسمة عقد لازم حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، حيث نصت المادة (1200) مدني على أن: (القسمة عقد لازم لجميع الشركاء فلا يجوز لأحدهم الرجوع فيه إلا برضاء سائر الشركاء أو بحكم القضاء، وإذا كان بين الشركاء ناقص أهلية فيقوم مقامه وليه أو وصيه، وإذا كان بينهم غائب فيقوم مقامه وكيله، فإذا لم يكن لناقص الأهلية أو الغائب من ينوب عنه نصب عنه القاضي، وكذلك إذا تمرد أحد الشركاء نصب عنه القاضي) وكذا نصت المادة (1210) مدني على أنه: (يجوز للغائب عند حضوره والصغير عند بلوغه والمجنون عند إفاقته والذي لحقه من القسمة غبن فاحش ان يطلب من القضاء نقض القسمة للغبن والعبرة في تقدير القسمة بوقت القسمة ويسقط الطلب إذا اكمل المدعى عليه ما نقص من حصة المدعي عيناً أو نقداً)، ومعنى لزوم عقد القسمة: أنه عقد نافذ غير موقوف أو معلق فلا خيار فيه وأنه ملزم لكل الورثة أو الشركاء المتقاسمين فلا يجوز لهم الرجوع اوالعدول عنه حسبما ورد في النص السابق، وقد صرح هذا النص بأن لزوم عقد القسمة عام يشمل جميع الورثة أو الشركاء المتقاسمين، فالأصل ان عقد القسمة لازم لجميع الشركاء حسبما صرح النص، ومفهوم هذا النص قاصر على القسمة الرضائية أو العقدية التي تتم عن طريق العقد بين المتقاسمين فلا تسري أحكام هذا النص على القسمة القضائية التي تتم بموجب حكم قضائي، كما أن مفهوم هذا النص لا يسري على القسمة التي تتم بموجب حكم التحكيم.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: الاستثناءات التي ترد على لزوم عقد القسمة:*

➖➖➖➖➖

*▪️ذكرنا في الوجه الأول أن الأصل هو لزوم عقد القسمة بالنسبة لجميع الشركاء أو الورثة المتقاسمين، غير أنه ترد استثناءات على هذا الأصل وهي:*
*الاستثناء الأول: حكم القضاء بإبطال القسمة: لأن القسمة عقد حسبما سبق بيانه فقد تختل بعض أركانه أو شروطه، فعندئذٍ قد يتقدم أحد الورثة بطلب إبطال عقد القسمة في الميعاد المحدد في القانون، حيث تحكم المحكمة بإبطال عقد القسمة، علماً بأن المادة (16) من قانون الإثبات نصت على أنه: (لا تسمع الدعوى من المقاسم أو وارثه في قسمة مستوفية شروط صحتها إلاَّ من القاصر بعد بلوغه والغائب بعد حضوره وبشرط أن لا تمضي سنة من وقت البلوغ أو الحضور)، ويفهم من هذا النص ان القسمة التي لم تكتمل شروط صحتها تجوز المطالبة بنقضها من غير تقيد بمدة التقادم المحددة في النص القانوني السابق لأنها خاصة بالغائب والقاصر ، وهذا الفهم خطير للغاية لأن غالبية القسمات التي تمت في الماضي لابد ان يعتورها بعض الخلل في شروط صحتها ، وهذا الفهم يفسر كثرة طلبات إبطال القسمة المنظورة أمام القضاء، ولذلك ينبغي معالجة هذه المسألة لترشيد طلبات إبطال القسمة الكثيرة التي تتدفق على المحاكم وتجعل الحصول على العدالة أمراً بعيد المنال.*

*الاستثناء الثاني: تراضي المتقاسمين على إبطال عقد القسمة السابق إبرامه فيما بينهم فيجوز للمتقاسمين ان يبطلوا عقد القسمة الذي سبق لهم إبرامه عملاً بمبدأ سلطان إرادة المتعاقدين، فما دام أن المتعاقدين قد ابرموا العقد فيما بينهم برضاهم واختيارهم، لذلك فإن إبطال هذا المركز أو تعديله يخضع لإرادة المتعاقدين المتقاسمين.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: تناقض القانون المدني بشأن القسمة الرضائية التي يكون فيها قاصر أو مجنون أو غائب:*
➖➖➖➖➖

*▪️وفقا للمادة (1200) مدني يجوز إجراء عقد القسمة الرضائية ولو كان من بين الورثة ناقص أهلية حيث صرحت المادة المشار إليها بجواز ذلك حيث نصت: بأن ولي ناقص الأهلية أو وصية هو الذي يمثله في عقد القسمة وذكر النص المشار إليه أنه إذا لم يكن هناك ولي أو وصي لناقص الأهلية فالمحكمة تنصب عن ناقص الأهلية من يمثله في إجراء القسمة، ويناقض ماورد في المادة( 1200) ، ماورد في نهاية المادة (1211) مدني التي نصت على أنه: (ولا تجوز قسمة إختيارية فيها قاصر أو مجنون)، فهذه المادة تناقض المادة (1200) مدني التي اجازت القسمة وإن كان من ضمن الورثة ناقص أهلية)، وفي سياق تناقضات القانون المدني في هذه المسألة، فقد نصت المادة (1210) مدني على أنه: (يجوز للغائب عند حضوره والصغير عند بلوغه والمجنون عند إفاقته الذي لحقه من القسمة غبن فاحش ان يطلب من القضاء نقض القسمة للغبن...إلخ) وهذا النص يدل على جواز القسمة الاختيارية ولو كان فيها ناقص أهلية وأنه يكون له الخيار في نقض القسمة عند بلوغه، ولدفع التعارض بين هذه النصوص، وعملاً بقاعدة ان المتأخر ينسخ المتقدم فأنه ينبغي العمل بالمادة (1211) مدني التي حظرت القسمة الاختيارية إذا كان بين الورثة قاصر أو مجنون.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: وضعية الممتنع عن إجراء القسمة الرضائية:*
➖➖➖➖➖

*▪️في حالات كثيرة يتفق غالبية الورثة على إجراء القسمة في حين يرفض أحدهم إجراء القسمة فتتعطل إجراءات القسمة الرضائية، وقد نصت المادة (1200) مدني السابق ذكرها على أنه: (وكذلك إذا تمرد أحد الشركاء نصب عنه القاضي)، وهذا نص صريح في جواز إجراء القسمة الاختيارية وان تمرد أحد الشركاء أو الورثة حيث يجوز إجراء القسمة الرضائية في مواجهة المنصب الذي ينصبه القاضي ، لكن هذا النص يناقضه نص المادة (1212) مدني التي عرفت القسمة الجبرية بأنه: (إذا لم يتفق الشركاء جميعاً على القسمة طبقاً لما هو منصوص عليه في المادة (1201) وطلبها أحدهم لزم القاضي...إلخ) فهذا النص اشترط في القسمة الرضائية ان تكون بإتفاق الورثة جميعاً على القسمة الرضائية، فإذا امتنع أو تمرد أحدهم فلا تصح القسمة الرضائية بدونه وإنما يتم اللجوء إلى القسمة الجبرية ، وهذا النص متأخر عن المادة (1200) التي اجازت للمحكمة التنصيب عن المقاسم المتمرد عن القسمة الرضائية، ولذلك فإن القضاء في اليمن لا يعتمد القسمة الرضائية إذا عارضها أحد الورثة حيث يلزم في هذه الحالة ان تكون القسمة جبرية أو قضائية، والله اعلم.*