*وجوب تحقق محكمة الموضوع من الحيازة*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️هناك خلط في الواقع العملي بين الحيازة والغصب ونزع الحيازة بالقوة، وهناك إستحداثات يتوسل بها الغاصبون للأراضي لتضليل العدالة وإلباس الغصب بلباس الحيازة، ولذلك يجب على قاضي الموضوع التحقق والتثبت من وجود الحيازة وتوفر شروطها حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16-11-2017م في الطعن رقم (58896)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث أن محكمة أول درجة حكمت على المطعون ضدها بعدم التعرض للطاعنين وبإزالة ما استحدثته المطعون ضدها في الأرض محل الدعوى بعد أن تأكد للمحكمة ثبوت الطاعنين على الأرض محل الدعوى، وحيث أن دعوى عدم التعرض من الدعاوى المستعجلة التي لا ترفع إلا من حائز ثابت على العقار محل الدعوى، وحيث أن محكمة الاستئناف الغت الحكم الابتدائي وقررت رفض دعوى الطاعنين ونصحتهم بتقديم دعوى موضوعية إن ارادوا ذلك دون أن تحقق الأدلة بجدية ودون ان تنتقل إلى محل النزاع لتحديد الحائز الثابت عليه بإعتبارها محكمة موضوع كل ذلك يجعل حكمها مشوباً بعيب القصور مما يتعين نقضه)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الحيازة وشروطها:*
➖➖➖➖➖
*▪️الحيازة القانونية هي تلك التي تتوفر شروطها القانونية المقررة في القانون المدني، وهذه الحيازة هي الجديرة بالحماية القانونية المؤقتة المقررة في قانون المرافعات عن طريق الدعوى المستعجلة والحكم الوقتي الذي لايمس موضوع الحق، فقد نص القانون المدني على أن الحيازة هي: ظهور الحائز على العقار بمظهر المالك، ويظهر ذلك من خلال تصرفاته في الأرض كأن يبني عليها أو يستصلح فيها أو يقوم ببيع جزء منها او يقوم بتأجيرها وغير ذلك بحيث يظهر للناس أنه المالك المتصرف في الأرض، وبحسب نصوص القانون المدني فلا بد من مضي مدة (30) سنة على وضع الشخص يده على العقار حتى يمكن القول بأن حيازة الحائز مستقرة وحتى يتمكن الحائز من الظهور على العقار بمظهر المالك المتصرف في العقار، فيقوم بتصرفات معاقبة على العقار ، كما ينبغي أن يكون الحائز قد وضع يده على العقار بطريق مشروعة ، فلا يكون الغاصب حائزا، لان الغصب وسيلة غير مشروعة ، وكذا نزع الحيازة من الحائز الشرعي لا يعد حيازة ، فنزع الحيازة من المالك بالقوة لا يكون حيازة حسبما نص القانون المدني، ومع ذلك فإن هناك خلط في اليمن في التطبيق العملي بين الحيازة ونزع الحيازة والغصب لعدم إدراك البعض لأحكام الحيازة وشروطها والفروق التي تميزها عن غيرها، إضافة إلى أن الغاصبين لعقارات الغير يعمدون إلى تغيير معالم العقارات المغصوبة والاستحداث فيها للظهور عليها بمظهر الحائز الحقيقي، ولذلك فإن الأمر يحتاج من محكمة الموضوع البحث والتحقق والمعاينة للوقوف على مدى إنطباق أحكام الحيازة القانونية وشروطها عند التمسك بالحيازة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: تحقق محكمة الموضوع من الحيازة:*
➖➖➖➖➖
*▪️التمسك بالحيازة دعوى تستدعي من الحائز المدعي أن يثبت دعواه، وذلك يقتضي منه ليس إثبات حيازته فقط وإنما إثبات تحقق شروطها وأحكامها حتى يثبت لمحكمة الموضوع أنه لم يغتصب العقار، فيجب على المدعي بالحيازة ان يثبت أنه وضع يده على العقار بطريقة مشروعة كاذن مالك العقار أو سكوته طوال فترة حيازته للعقار، كما يجب على المدعي بالحيازة ان يثبت أنه قد حاز العقار المدة المقررة قانونا للحيازة ، وأن حيازته كانت مستقرة خلال مدة الحيازة فلم يكن المالك يعارضه في ذلك، كما يجب على المدعي بالحيازة أن يثبت تصرفاته التي باسرها في العقار التي تدل على أنه قد ظهر في حيازته بمظهر المالك الحقيقي للعقار، بالإَضافة إلى ذلك فإن معاينة محكمة الموضوع للعقار المدعى بحيازته توفر للقاضي البيانات اللازمة للتحقق من سلامة الإدعاء بالحيازة وصحة الأدلة التي أستدل بها المدعي بالحيازة والشواهد والمظاهر الموجودة في العين التي تدل على الحيازة ومدتها ، ولذلك فقد أرشد الحكم محل تعليقنا إلى وجوب التحقق من وجود الحيازة والتأكد من مظاهرها ومدى توفر شروطها، ولأهمية ذلك يجب أن تبين محكمة الموضوع في حكمها انها قد استفرغت جهدها في البحث والتحقيق للتأكد من وجود الحيازة وتوفر شروطها ومظاهرها حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: إنتقال وجوب التحقق من الحيازة إلى محكمة الاستئناف عملا بمبدأ الأثر الناقل للاستئناف:*
➖➖➖➖➖
*▪️عملاً بمبدأ الأثر الناقل للاستئناف فأنه يجب على محكمة الاستئناف البحث والتحقيق للتأكد من وجود الحيازة وتوفر شروطها ومظاهرها، على أساس أن محكمة الاستئناف محكمة موضوع يعاد طرح النزاع أمامها بشأن الحيازة حتى تستدرك محكمة الإستئناف أوجه القصور في حكم محكمة أول درجة وتعالج الاخطاء والمخالفات التي قد تعتوره ، فلا تستطيع محكمة الاستئناف أن تقوم بدورها في هذا الشأن إلا إذا قامت بالتحقيق والبحث للتأكد من تحقق الحيازة وتوفر شروطها ومظاهرها، والله اعلم.*