*تحكيم بعض أصحاب الحق المشترك دون الآخرين*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️في حالات كثيرة يقوم بعض الشركاء دون البعض الاخر بتحكيم المحكم أو هيئة التحكيم بالفصل في النزاع الناشب مع غير الشركاء بشأن الحق المشترك، فيتعذر على المحكم إدخال غير المحتكمين، لان التحكيم يقوم على رضا وقبول الخصوم بولاية المحكم، وفي هذا الشأن يدور نقاش بشأن طبيعة إتفاق التحكيم وحكم المحكم في هذه الحالة وحجية حكم التحكيم ومدى حسمه للنزاع ، و لذلك نجد أنه من المناسب الإشارة إلى هذه المسائل في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-1-2015م في الطعن رقم (56193)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وبالرجوع إلى الحكم المطعون فيه وأسبابه وإلى أسباب الطعن التي أثارها الطاعن في عريضة الطعن، تجد الدائرة أن ما نعاه الطاعن على الحكم الاستئنافي ماهو إلا جدال لا طائل منه، فالطاعن لم يبين وجه مخالفة الحكم المطعون فيه للشريعة والقانون والقواعد العامة، لأن الثابت أن أم القتيل لم تقم بالتوقيع على إتفاق التحكيم – علماً بأن التحكيم في هذه القضية إنما هو فيما يلزم لورثة القتيل من حق مدني وفي التعويضات)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: طبيعة محل النزاع وطبيعة إتفاق التحكيم عند تحكيم بعض أصحاب الحق المشترك:*
➖➖➖➖➖
*▪️لا تثور هذه الإِشكالية عندما يكون الحق مفرزاً ومعينا ، لأن صاحب الحق المفرز المعين هو وحده صاحب الصفة والمصلحة في التحكيم، فهو الذي يقوم بالتحكيم، ولكن في بعض الحالات يكون الحق مشتركاً شائعا بين عدة أشخاص، ويكون هذا الحق المشترك محل خلاف مع أشخاص آخرين أو شخص غير صاحب هذا الحق، وعندئذٍ يقوم بعض أصحاب الحق بتحكيم المحكم للفصل في النزاع القائم مع الشخص الذي ينازع أصحاب الحق المشترك، وهنا يثور الجدل بشأن صحة إتفاق التحكيم في هذه الحالة ، ومن خلال البحث فقد وجدنا أن فريقا من الفقه يذهب إلى أن تحكيم بعض أصحاب الحق المشترك باطل، لأن الهدف من التحكيم هو حسم النزاع والفصل فيه بحكم يحسم النزاع، فالتحكيم في هذه الحالة لا يحسم النزاع كلياً وحيث يظل النزاع قائماً فيما بين الشركاء الذين لم يقوموا بالتحكيم وبين المنازع لهم فيه سواء أكان الحكم لصالح خصمهم أو ضده فإذا كان الحكم لصالح شريكهم المحتكم فأن خصمهم يستطيع منازعتهم لان حجية الحكم قاصرة على اطرافه والشركاء الآخرين ليسوا اطرافا في الحكم ، والعكس إذا صدر الحكم لصالح الشركاء، فهذا الأمر يتنافى مع اهم شرط من شروط الحكم وهو الفصل في النزاع، إذ ان النزاع يظل قائماً بين الشركاء الذين لم يحكموا وخصمهم المنازع لهم ، ومن خلال المطالعة لأحكام المحكمة العليا يظهر أن المحكمة تأخذ بوجهة نظر هذا الفريق، أما الفريق الثاني من الفقه فيذهب إلى جواز قيام بعض أصحاب الحق المشترك بتحكيم المحكم للفصل في النزاع مع المنازع لأصحاب الحق المشترك، لأن إتفاق التحكيم عقد يخضع لمبدأ سلطان الإرادة الذي يعني أنه يجوز للشخص أن يتعاقد بشأن حقه المفرز أو الشائع طالما أن هذا الحق مشروع وأن له فائدة في إتفاق التحكيم وهو خروجه من حالة النزاع أو الخلاف مع المنازع لأصحاب الحق المشترك، وأن مركز المحتكم في هذه الحالة كمركز البائع لحقه الشائع الذي يذهب لجوازه جمهور الفقه، ومن حجج هذا الفريق ان للتحكيم في هذه المسألة خصوصية تميزه عن القضاء وأحكام القضاء.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: تعذر قيام المحكم في هذه الحالة بإدخال الخصوم الآخرين الذين لم يقوموا بتحكيمه:*
➖➖➖➖➖
*▪️تتنافى فكرة التحكيم الذي يقوم على مبدأ سلطان الإرادة تتنافى مع فكرة الإدخال في الخصومة التحكيمية، فالإدخال أساسه إجبار الخصم وإدخاله في الخصومة حتى يكون الحكم حجة له وعليه، فطبيعة التحكيم وولاية المحكم تتنافى مع التحكيم، ولذلك فإن المحكم يكون مقيداً بالشركاء الموقعين على إتفاق التحكيم.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: التدخل في الخصومة التحكيمية:*
➖➖➖➖➖
*▪️في الواقع العملي تحدث في بعض الحالات ان يتدخل بعض الخصوم في الخصومة التحكيمية، ويكون تدخلهم في هذه الحالة بمثابة إتفاق أو طلب تحكيم لهيئة التحكيم وقبولاً بولاية هيئة التحكيم وتفويضها بالفصل بالنزاع، حيث يتم إثبات التدخل في محضر جلسة التحكيم إذا قبل المحتكمون السابقون ذلك التدخل، وفي هذه الحالة يتم إثبات توقيعات المتدخلين في محضر الجلسة للتأكيد على أنهم قد تدخلوا وان تدخلهم تفويض لهيئة التحكيم التي تنظر النزاع.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: طبيعة حكم التحكيم في حالة تحكيم بعض أصحاب الحق المشترك المتنازع عليه مع الغير:*
➖➖➖➖➖
*▪️يذهب الفقه الذي اجاز تحكيم بعض أصحاب الحق المشترك يذهب إلى أن حكم التحكيم في هذه الحالة يكون ملزماً لمن قام بالتوقيع على إتفاق التحكيم، لأن الحكم في هذه الحالة له حجيته على اطراف التحكيم، اما بالنسبة لأصحاب الحق المشترك الشركاء الآخرين الذين لم يقوموا بالتوقيع على إتفاق التحكيم فلا يكون حكم التحكيم في هذه الحالة حجة عليهم عملاً بقاعدة (نسبية حجية الأحكام) وعلى هذا الأساس فإن حكم التحكيم يكون قد حسم النزاع بالنسبة لأطرافه، في حين يذهب الفريق الثاني من الفقه بأن حكم التحكيم في هذه الحالة لم يحسم النزاع، لان النزاع ما زال قائماً فيما بين الخصوم الذين لم يوقعوا على إتفاق التحكيم مع المنازع لهم لان هذا الحكم ليس حجة عليهم، إضافة إلى أن شيوع حصة الشريك في كل المال المشترك تعيق فكرة حسم النزاع جزئيا ، فالحكم يجب أن يكون حاسماً للنزاع في الحق الشائع كله ، ولذلك فإن القضاء وحده هو الذي يفصل في النزاع عند إختلاف الشركاء بشأن اللجوء إلى التحكيم، إضافة إلى أن الأحكام قد تتناقض في الحق المشترك فقد يصدر من القضاء أو غيره حكم مناقض لما قضى به المحكم الأول، والله اعلم.*