*بيع الوقف الذري قبل نقضه باطل*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️من الأخطاء التي وقع فيها قانون الوقف النافذ تصريحه بمنع الوقف على الذرية، حيث لم يكتف قانون الوقف النافذ بمنع وقف الذرية بل اورد نصوصا تحرض على بيع وتصفية الأوقاف الأهلية القديمة بما فيها الوقف الذري وتحريرها، فوقعت جراء ذلك مخالفات شرعية عظيمة، حيث فتح قانون الوقف النافذ أبواباً واسعة لتعطيل الأوقاف الذرية القديمة وتصفيتها وتجاوز نصوص الواقفين المتقدمين، مع ان عبارة الواقف كنص الشارع، ومع هذا الموقف السلبي لقانون الوقف الا انه قد نص على بعض الضوابط فيما يتعلق ببيع الوقف الذري، ومن أهم هذه الضوابط عدم جواز بيع العين الموقوفة قبل أن تحكم المحكمة المختصة بنقض الوقف الذري بناء على إحالة هيئة الأوقاف لهذا الموضوع إلى المحكمة المختصة، وان البيع قبل نقض الوقف الذري باطل حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 6-10-2012م في الطعن رقم (45776)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد اتضح للدائرة ان الطاعن قد ذكر في طعنه ان محكمتي أول وثاني درجة خالفتا القانون بإبطال عقد البيع المستوفي اركانه وشروطه القانونية حيث أقر البائع بصحة بيعه ، والدائرة تجد أن ما ذكره الطاعن ليس من الحقيقة في شيء، إذ أن إقرار البائع لا يجعل البيع صحيحاً، لأن البائع باع مالاً موقوفاً لا يجوز له بيعه فهذا البيع باطل، ومن هنا فلا مخالفة للقانون من قبل محكمتي الموضوع، وحيث أن الحكم الاستئنافي جاء موافقاً فيما استند إليه من بطلان البيع وتغريم البائع وفقاً لنص المادة (545) مدني بشأن بيع الفضولي)، (وقد كان الطاعن قد ذكر في طعنه ان الوقف الذري يجوز بيعه بموجب قانون الوقف الشرعي، لأن الوقف الذري يختلف عن الوقف العام الذي لا يجوز بيعه)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ماهية الوقف على الذرية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوقف على الذرية هو الذي يحبس فيه الواقف ثلث ماله لله تعالى، ويجعل عائداته على ذريته مطلقاً أو على الضعفاء والمحتاجين منهم، والوقف على الذرية تتحقق فيه الاركان والشروط المقررة للوقف في الشريعة الإسلامية وقانون الوقف، حيث تكون فيه ملكية رقبة العين لله سبحانه وتعالى، في حين تتعلق حقوق الذرية الموقوف عليهم بعائدات أو غلال العين الموقوفة، وينص الواقف في وقفيته على أن الموقوف عليهم هم ذريته، كما ينص الواقف أيضا في الوقفية على أن الولاية على الوقف تكون للأرشد أو الأصلح من ذريته بطنا عن بطن ، وفي الغالب يقترن الوقف على الذرية يقترن بوقف القراءة لما تيسير من القرآن إلى روح الواقف والدعاء له ، والمقصود بالذرية في هذا الوقف هم الذكور لانهم هم الذين ينطبق عليهم وصف الذرية لأنهم ينتسبوا إلى الواقف عليهم بخلاف البنات (بنونا بنو أبنائنا : وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد)، وبحسب دراسات سابقة فإن الوقف الذري في اليمن يوازي الأوقاف العامة من حيث مساحته وحجمه وانتشاره، ويقوم الوقف الذري بدور لا يستهان به في المجال الاجتماعي والاقتصادي، ولذلك فهو رديف واحتياطي للأوقاف العامة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: موقف قانون الوقف من الوقف على الذرية:*
➖➖➖➖➖
*▪️صرح قانون الوقف النافذ ببطلان الوقف على الذرية، حيث نصت المادة (33) على أن: (الوقف على النفس خاصة أو على وارث أو على الورثة أو على الذرية أو على الأولاد وأولاد الأولاد باطل مالم يكن المذكورون داخلين في عموم جهة بر عينها الواقف في الحال، فيعامل الواحد منهم كأحد افرادها أو كان الموقوف عليه عاجزاً كالأعمى والأشل وليس له ما يكفيه، ففي هذه الحالة إذا زال عجزه أو مات اعتبر الوقف منقطع المصرف ويأخذ حكمه المبين في المادة (30) من هذا القانون) وهذا ومعلوم أنه يعمل بهذا النص من تاريخ صدوره (29/3/1992) بمقتضى المادة (92) من القانون ذاته التي نصت على أن: (يعمل بهذا القانون من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية)، مما يعني جواز الوقف على الذرية السابق على تاريخ صدور القانون المشار إليه، ولغرض معالجة الوقف القديم على الذرية فقد نصت المادة (46) من قانون الوقف الشرعي على أن: (الأوقاف الأهلية القديمة التي لا تتفق شروطها مع الشروط المنصوص عليها في هذا القانون إذا كانت قد صدرت فيها أحكام شرعية بصحتها أو كان الورثة قد تراضوا عليها أو مضى عليها أربعون عاماً تبقى على ماهي عليه ولا تنقضي إلا بتراضي أهل المصرف أو اغلبهم بحسب الاستحقاق واوفرهم صلاحاً، ويقدم من خلال الجهة المختصة للمحاكم لتحقيقه والإذن بنقض الوقف إذا تحققت المصلحة)، ومن خلال النصين المتقدمين يظهر ان قانون الوقف قد منع استحداث الوقف على الذرية الا في حالتين: الحالة الأولى: أن تكون الذرية داخلة في جهة البر الموقوف عليها كان يكونوا من الفقراء اذا كان الوقف على الفقراء أو من العلماء اذا كان الوقف على العلماء وهكذا الحال بالنسبة للمرضى والعجزة.. إلخ، والحالة الثانية: اذا كان الموقوف عليه من الذرية عاجزاً عن العمل كالاعمى والمشلول فيجوز الوقف عليه طيلة حياته. ولم يكتف القانون ببطلان الوقف الذري من تاريخ صدوره بل أنه حرض على تصفية وإبطال ونقض الأوقاف القديمة حتى الصحيحة حيث سعى القانون لنسف المراكز القانونية التي استقرت وتعلقت بالأوقاف الأهلية القديمة حسبما هو ظاهر في المادة (46) السابق ذكرها، وفي سياق التحريض على نقض الأوقاف الأهلية القديمة وتصفيتها والاعتداء على نصوص الواقفين في العصور القديمة نصت المادة (47) من قانون الوقف على أنه: (إذا حكمت المحكمة بنقض الوقف الأهلي القديم طبقاً لما هو مبين بالمادة السابقة تؤول ملكية اعيان الوقف للموقوف عليهم كل بقدر استحقاقه الحالي، ومن مات من طبقة المستحقين الحاليين وله ورثة عند وفاته فيحل ورثته وورثة من مات منهم محله بقدر استحقاقه لو كان حياً كل بقدر نصيبه في الميراث)، كما نصت المادة (48) من القانون ذاته على أنه: (إذا اختلف الموقوف عليهم في الوقف الأهلي القديم المنقوض طبقاً للمنصوص عليه في المادة (46) على الاستحقاق أو القسمة فيما بينهم ولم يكن قد صدر في الاستحقاق حكم سابق يجب اتباعه عيّن الحاكم استحقاق كل منهم على الفرائض الشرعية إن عمت وإن التبس الأمر فعلى رؤوس الموجودين ذكراً أو أنثى واجرى القسمة بينهم طبقاً لما هو منصوص عليه في المادة (47) مع عدل أو عدول يختاروهم إذا لزم ويفضل من بعض الورثة أو اغلبهم على اختياره)، ومن خلال عرض النصوص المتقدمة يظهر أن قانون الوقف منع الوقف على الذرية من تاريخ صدوره، ولم يكتف بذلك بل أنه تضمن نصوصاً صريحة لتصفية الأوقاف الأهلية القديمة ولو كانت صحيحة بما في ذلك الوقف على الذرية، حيث جعل خلاف الذرية مبرراً لتصفية الأوقاف الأهلية القديمة في مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية التي قررت أن عبارة الواقف كنص الشارع، حيث أوجبت الشريعة الإسلامية إحترام إرادة الواقف وتنفيذها، فضلاً عن أن قانون الوقف تنكر للدور المهم الذي يقوم به الوقف الأهلي في مساندة الوقف العام ودعمه للنهوض بدوره الديني والاقتصادي والاجتماعي لاسيما إن الأوقاف الأهلية بما فيها الوقف على الذرية تشكل النسبة العظمى من حجم الأراضي الزراعية والاستثمارية في اليمن، علما بأن كثيرا من العلماء المتقدمين والمتاخرين قد ذهبوا إلى جواز الوقف على الذرية لأنهم أولى بذلك ولان الشريعــة ارشدت المسلم ان لا يترك ذريته فقراء يتكففون الناس.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: بيع الوقف الذري قبل نقضه باطل:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن بيع الوقف الذري قبل الحكم من المحكمة بنقضه باطل، فلا يجوز للموقوف عليه أو متولي الوقف الذري أن يبيعه من تلقاء نفسه قبل الحكم بنقض الوقف الأهلي الذي لا يتم نقضه إلا بموجب حكم قضائي بذلك حسبما ورد في المادة (47) وقف السابق ذكرها، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا ببطلان بيع الوقف الذري، لأن الوقف الذري لا زال قائماً ولم يتم نقضه، ولا تقوم المحكمة المختصة بنقض الوقف إلا بناءً على طلب من هيئة الأوقاف العامة حيث يتم تقديم هذا الطلب إلى المحكمة المختصة، غير أنه يجوز بيع حق اليد أو الإنتفاع بالوقف الذري شريطة أن يتم البيع لأي من الذرية الموقوف عليهم حتى لاتتم مخالفة نص الواقف الذي صرح بحبس المال بأيدي ذريته لضمان انتفاعهم بها، والله اعلم.*