إشكالية عدم تطابق الأدلة مع وقائع الدعوى - في القانون اليمني

*إشكالية عدم تطابق الأدلة مع وقائع الدعوى*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️إشكالية عدم تطابق الأدلة مع وقائع الدعوى إشكالية حقيقية تعيق إجراءات التقاضي تجعل الدعاوى تعتريها الجهالة فتكون غير واضحة في أذهان الخصوم والقضاة في وقت واحد، ولذلك فهذه الظاهرة تفتح الباب واسعا أمام طلبات تصحيح الدعاوي والدفوع بجهالة الدعوى التي تعقد القضايا وتطيل إجراءات التقاضي وتجعل العدالة بعيدة المنال، وسبب هذه الإشكالية ان الخصوم لايقوموا بدراسة بيانات وادلة ومستندات القضية قبل رفع الدعوى، حيث يقوم المدعي في اليمن بتقديم دعواه أمام المحكمة المختصة قبل أن يستعين بأهل الخبرة والإختصاص لدراسة القضية من الناحية القانونية للتأكد من صحة وقائعها وسلامة أدلتها وكفايتها ومدى تطابق الأدلة مع الوقائع وتكييف القضية التكييف القانوني الصحيح، فالمنهج السائد في اليمن ان المدعي يقدم دعواه إلى المحكمة من غير دراسة سابقة، وأمام المحكمة وبحسب الفقرة(ز ) من المادة( 104) مرافعات( تستوفي المحكمة في قلم الكتاب وإشراف رئيس المحكمة أو القاضي المختص إجراءات فحص الدعوى وإستيفاء شروطها بما في ذلك الصفة والمصلحة) في حين اشترطت المادة(104) مرافعات في الفقرة (6) ان تتضمن عريضة الدعوى(بيانا وافيا عن موضوع الدعوى وأدلتها إجمالا وطلبات المدعي محددة نوعها وصفتها وهل يطلبها بصفة مستعجلة ام عادية وترفق المستندات بحافظة)، وفحص المحكمة للدعوى على النحو المحدد في النصين السابقين ليس فاعلا في كشف عدم التطابق بين وقائع الدعوى وأدلتها والا لما احتاجت أية دعوى بعد الفحص إلى تصحيح ولتلاشت الدفوع بجهالة الدعاوي، لان فحص المحكمة للدعاوي على النحو السابق بيانه في النصين السابقين يكون ظاهريا يتجه إلى التأكد من الصفة والمصلحة فلايكشف ماذا اذا كانت وقائع الدعوى مخالفة أو مطابقة للأدلة، لان الأدلة التي يتم عرضها في صحيفة افتتاح الدعوى تكون مجملة حسبما ورد في نص المادة (104) مرافعات ، فالذي يستطيع سبر اغوار الأدلة هو قاضي التحضير، وهذا النوع من القضاء لا وجود له في اليمن، ولذلك ستظل إشكالية عدم تطابق وقائع الدعوى مع أدلتها مشكلة تؤرق القضاء وتعوق إجراءات الفصل في القضايا بسبب الدفوع بجهالة الدعوى وطلبات التصحيح للدعوى، ولذلك تطول إجراءات التقاضي، والأخطر من هذا أن يتقدم المدعي بدعواه المتضمنة الوقائع وبعض الأدلة وبعد سير المحكمة في إجراءات نظر الدعوى وعقدها عدة جلسات يقدم المدعي الأدلة الغير مطابقة لدعواه التي سبق له تقديمها، فيظهر عندئذ ان الأدلة تفيد وقائع أخرى غير الوقائع الواردة في الدعوى السابق تقديمها، وبناء على ذلك تتغير وقائع الدعوى بحسب الوقائع الواردة في الأدلة المقدمة ، حيث يكون موقف القاضي في هذه الحالة حرجاً إذا لم ينتبه المدعى عليه لذلك ويطلب تصحيح الدعوى بحسب الأدلة المطابقة لها، وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى هذه الإشكالية، والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-12-2017م في الطعن رقم (58913)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((ولدن التأمل لكل ما ورد في ملف القضية تبين أن الأدلة التي اعتمدت عليها محكمتا الموضوع لم تكن مطابقة للدعوى ولم يتم تصحيح الدعوى لتتطابق مع ما احضرته المدعية من أدلة أمام المحكمة)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: سبب عدم تطابق الأدلة مع وقائع الدعوى:*
➖➖➖➖➖

*▪️السبب الرئيسي لذلك: هو قلة الوعي القانوني، حيث يظن المدعي أن القضاء سيحكم له بحسب الوقائع التي يوردها في دعواه، فالمدعي يقوم بكتابة الوقائع في عريضة الدعوى ويشير إجمالا إلى الأدلة، فلا يقدم أدلة الدعوى إلا في جلسات لاحقة، فغالبية المدعين لا يقدموا الأدلة كاملة عند رفع الدعوى حيث تسود ثقافة مغلوطة بأن تقديم الأدلة منذ البداية يمكن الخصم الآخر والمحكمة من دحض الأدلة ومناقشتها، ومن المسلم به أن تلافي عدم التطابق بين وقائع الدعوى وادلتها يقتضي أن يقوم الخصم بدراسة الأدلة بداية لمعرفة الوقائع الحقيقية من خلال دراسة الأدلة وليس العكس، لأن دراسة الأدلة أولاً هو الذي يظهر الوقائع الحقيقية الثابتة بالأدلة وفي الوقت ذاته هو الذي يجعل الخصم أو المحامي يكيف الدعوى تكييفاً سليماً وحقيقياً مطابقاً للوقائع.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: وجوب دراسة الخصم لأدلة الدعوى قبل صياغة الدعوى:*

➖➖➖➖➖

*▪️من النادر في اليمن أن يقوم الخصم بدراسة أدلة الدعوى أولاً لتحديد الوقائع المدعى بها الثابتة بتلك الأدلة، ولذلك تتم صياغة وقائع الدعوى في العريضة قبل دراسة الأدلة، ولذلك يحدث عدم التطابق بين الوقائع مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، فالقاضي لا يحكم بمقتضى الوقائع وإنما بموجب الأدلة.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: علاقة عدم تطابق الأدلة مع الوقائع بظاهرة إطالة إجراءات التقاضي في اليمن:*
➖➖➖➖➖

*▪️ليس خافياً أن من أسباب ظاهرة إطالة إجراءات التقاضي في اليمن وعدم تحقيق هدف العدالة الناجزة هو إجراءات تصحيح الدعاوى امام المحاكم التي تستغرق وقتا طويلا، فأغلب الدفوع وطلبات التصحيح تتجه إلى تصحيح الدعوى، واهم سبب من أسباب جهالة الدعاوى هو الخطأ في وقائع الدعوى الذي يؤدي إلى جهالتها وذلك بسبب عدم تطابق أدلة الدعوى مع وقائعها مثلما صرح الحكم محل تعليقنا*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: تطابق وقائع الدعوى مع أدلتها وعلاقة ذلك بالتكييف الصحيح للدعوى:*
➖➖➖➖➖

*▪️لا يمكن الوصول إلى التكييف الصحيح للدعوى وإطلاق التسمية القانونية الصحيحة على الوقائع إلا إذا كانت الأدلة مطابقة لوقائع الدعوى، ولايتم ذلك الا من خلال دراسة الأدلة اولا ، لأن الأدلة هي التي تبين الوقائع الثابتة من غيرها وتمكن الخصم والقاضي من التكييف الصحيح للدعوى، والله اعلم.*