إرشاد الحكم للخصوم وغيرهم - في القانون اليمني

*إرشاد الحكم للخصوم وغيرهم*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️في حالات كثيرة يتضمن منطوق الحكم إرشادات للخصوم بما ينبغي عليهم فعله إن ارادوا ذلك، كأن يقضي الحكم بأنه يحق للخصم الطعن في الحكم خلال الميعاد المقرر قانوناً أو رفع دعوى بحقه أن اراد ذلك، ولا شك أن هذا الإرشاد لا يكون قضاءً ولا يكون ملزما، ولذلك لا يجوز الطعن فيه ، لأن القضاء يكون حاسماً ملزما لا رجاء فيه ولا تعليق ولا تخيير حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-2-2017م في الطعن رقم (58873)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وبمناقشة الدائرة لما ذكره الطاعن وبعد الإطلاع على الأوراق تبين أن المستأنف الطاعن حالياً وهو المدعى عليه في الأصل قد قدم استئنافه على ما تضمنه منطوق الحكم الابتدائي من فقرة إرشادية للمدعى بعد أن رفضت دعواه لإنكار المدعى عليه الشراء وعدم البرهان من المدعي لإثبات دعواه وإن من حقه رفع دعواه حال ثبوت الشراء بالطرق المقررة شرعاً وقانوناً، وسواء ذكرت المحكمة ذلك أو لم تذكره فإن حق الإدعاء مكفول وفقاً للقانون، ومن ثم فإن إستئناف تلك الجزئية الإرشادية غير جائز)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: أنواع الإرشادات التي تتضمنها بعض الأحكام:*
➖➖➖➖➖

*▪️الإرشادات التي ترد في بعض الأحكام تتنوع إلى أنواع عدة تختلف بإختلاف المخاطب بها، فهناك إرشادات يخاطب الحكم بها الخصوم مثل إرشاد الخصم برفع دعوى مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا أو القول: بأنه يحق للمحكوم عليه الطعن في الحكم خلال المدة المقررة قانوناً ، وقد تكون الإرشادات موجهة إلى المحكمة الأدنى مثل إرشاد المحكمة الأدنى بترتيب أوراق القضية مشتملات الملف أو مطابقة الأصول في القضايا الأخرى، كما قد تكون الإرشادات إلى جهات أخرى كالمقنن عندما يجد القاضي عيباً أو قصورا في النص القانوني الذي يطبقه، فيقترح القاضي في سياق تسبيبه للحكم معالجة أوجه القصور في النص القانوني.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: الطبيعة القانونية للإرشاد الوارد في الحكم القضائي:*
➖➖➖➖➖

*▪️من خلال ما تقدم يظهر إن الإرشادات الواردة في بعض الأحكام القضائية ليست قضاءً، لأنها لا تتضمن فصلاً في نزاع، كما أنها غير ملزمة إذا كان المخاطب بها هم الخصوم أو الجهات الأخرى، أما إذا كان المقصود بها المحكمة الأدنى فإن الإرشاد يكون ملزماً للمحكمة الأدنى، بإعتبار الإرشاد مظهرا من مظاهر رقابة محكمة الطعن على أحكام المحاكم الأدنى منها.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: عدم جواز الطعن في الإرشاد الوارد في الحكم:*
➖➖➖➖➖

*▪️سبق القول أن الإرشاد وإن ورد في الحكم إلا أنه ليس قضاءً، لأنه لا يفصل في نزاع أو خصومة، ولذلك لا يجوز الطعن فيه من قبل الخصوم حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، إضافة إلى أن الإرشاد ليس ملزماً حتى وإن كان موجهاً لأحد الخصوم فهو عبارة عن توصية من القاضي الذي يصدر الحكم مثل إرشاد الخصم برفع دعوى او الطعن في الحكم إن اراد ذلك.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: إختلاف الفقه القانوني بشأن تضمين الحكم القضائي إرشادات:*
➖➖➖➖➖

*▪️تتباين الاتجاهات بشأن تضمين الأحكام القضائية إرشادات، حيث يذهب بعض الفقه القانوني إلى جواز تضمين الأحكام القضائية إرشادات، لأن ذلك يمثل مظهر من مظاهر رقابة محكمة الطعن على المحاكم الأدنى وتقويم أحكامها وتصويبها حيث تقوم محكمة الطعن بإبداء هذه الإرشادات بمناسبة الطعن في الحكم أمام محكمة الطعن، فمن غير المعقول ان تلمس محكمة الطعن بعض المخالفات الإجرائية في الحكم المطعون فيه أمامها وتغض النظر عن ذلك، كما أن محكمة الطعن قد تجد الخصم قد ظل الطريق القانوني في دعواه ولم يجد من يدله إلى الطريق القانوني الصحيح فشغل الخصم نفسه وشغل القضاء معه، فللمحكمة عندئذ أن ترشده في حكمها إلى الطريق القانوني الصحيح الذي ينبغي عليه  ان يسلكه، لأنها لا تملك قبل الحكم ان ترشده لانه  لايجوز  للقاضي  تلقين  الخصوم، إضافة إلى أن المحكمة قد تجد وهي بصدد إعمال النص القانوني وتطبيقه أوجه قصور في النص القانوني فلا يعقل أن تتجاهل المحكمة ذلك، فلها  في  هذه الحالة ان ترشد الجهات الدستورية المعنية  إلى معالجة أوجه قصور النص  القانوني ، في حين يذهب فريق آخر من الفقه القانوني إلى عدم جواز تضمين الحكم القضائي الإرشادات، لأن ذلك يخل بالطبيعة القانونية للحكم القضائي وهو الحسم والجزم في النزاعات، فوظيفة القاضي هو الفصل في النزاعات بحكم جازم حاسم ، وترك الإرشادات للمختصين بها، فوظيفة المستشارين والمحامين هو إرشاد الخصوم إلى الطريق القانوني الصحيح الذي ينبغي عليهم سلوكه، كما أن وظيفة الفقهاء والفقه بيان الفجوة بين النصوص القانونية وتطبيقاتها وتقديم التوصيات والمقترحات للجهات المعنية،  فهذه الإرشادات ليس محلها الحكم القضائي المحدود التداول الذي حجيته نسبية بين اطرافه، أما رقابة محكمة الطعن فيما يتعلق بالإرشادات فإن محلها التعميمات والمنشورات التي تتضمن ملاحظات محكمة الطعن على الأحكام المطعون فيها بصفة عامة، والله اعلم.*