*المساواة في حق الشرب المشترك للأراضي الزراعية*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️في حالات كثيرة يتم بيع الأرض الزراعية لأكثر من شخص، وكما هو معلوم فإنه يدخل في المبيع حق الشرب الذي تنتفع به الأرض الزراعية المبيعة كلها ، فبعد انتقال ملكية الأرض إلى الخلف الخاص او العام يحدث الخلاف فيما بين الخلف بشأن حدود انتفاع الأشخاص الذين آلت إليهم الأرض بحق الشرب وضوابط هذا الإنتفاع، فقد تعرض الحكم محل تعليقنا لهذه المسائل، إضافة إلى أن الحكم قضى بأنه لايجوز لاي من الذين آلت إليهم الأرض ان ينفرد في الإنتفاع بحق الشرب أو يستحدث عوائق في طريق الماء تحول دون تدفق الماء في مجراه المعتاد، إضافة إلى أن هذا الحكم قد قضى بوجوب الإلتزام بالوثائق الجماعية القديمة العرفية التي نظمت حقوق شرب الأراضي الزراعية في المنطقة، وان هذه الإتفاقيأت ملزمة لكل من تؤل اليه أية قطعة أرض زراعية في الوادي أو المنطقة بصرف ألنظر عما اذا كان من اهل المنطقة أو غيرها ، وبصرف النظر عما اذا كان الموقعون على الاتفاقية من اسلافه أو من غيرهم، وقضي الحكم أيضا بأن الإنتفاع بحق الشرب يكون على قدم المساواة بين من آلت إليهم الأرض وبحسب ماكان ينتفع المالك السابق ، وأنه لايجوز الحكم بتجزئة انتفاع المشترين للارض الزراعية الواحدة فيما يتعلق بحق الإنتفاع بالشرب ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-8-2014م في الطعن رقم (55078)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد تبين للدائرة أن الطعن مؤثر في الحكم المطعون فيه لتجزئته ما لا يتجزأ، فالثابت من الأوراق أن كلا الطرفين اشتريا الأرض الزراعية من بائع واحد، ولا خلاف في ذلك وإنما الخلاف بشأن حق الشرب، وحيث الثابت أن أرض كل طرف تشرب في وقت واحد من السيل، كما أن الطرفين متصادقا على تنظيم حق الشرب بحسب الوثيقة المحررة بتاريخ 1359هـ ، وبذلك فقد انحصر الخلاف فيما يتعلق بالمعقم والممر المستحدث فوق مجرى السيل ، وهو خلاف ما كان ينبغي أن يقع لان حق الشرب لا يخرج عما كان عليه حينما كان الموضع كاملاً بيد البائع للطرفين ، فما كان يتمتع به البائع في حق الشرب ينتقل بعد ذلك لكلا الطرفين، فلا ميزة لأحدهما على الآخر، ولا يجوز شرعاً أن يحدث احدهما عائقاً يحول دون إنتفاع الآخر، لأن كليهما خلف خاص للبائع، فبرجوع الدائرة إلى الحكم الابتدائي فقد وجدت الدائرة أن المحكمة الابتدائية قامت بمعاينة المسقى اكثر من مرة وبذلت جهدها في تقصي العادة المتبعة للسقي وفقاً للمعود المؤرخ 1359هـ، بالإضافة إلى استنادها لما أثبته العدول والشهود فكان قضاؤها موافقاً لإبقاء ما كان على ما كان وإزالة الزبر واستواء حق الطرفين في إصلاح معقم العشلة الأسفل والممر واستواء حق الطرفين في الحراسة والصيانة بقدر ماله من الحق، وحيث تبين أن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد ناقش أسباب الحكم الابتدائي وذكر أن الحكم الابتدائي خرج عن نطاق الدعوى، وهذا النعي لا محل له، حيث تبين مما طرح على محكمة الاستئناف أنها فصلت في الاستئناف بعد أن قامت بالمعاينة وجزأت في أسباب حكمها ما لا يجوز تجزئته، حيث قررت أن معقم عشلة الأسفل حق مشترك بين الطرفين وفي الوقت ذاته قررت حق المستأنف في إقامة معقم عشلة الأعلى دون مشاركة المستأنف ضده فيه، بينما الطرفان في موضع واحد اشترياه من مالك واحد، وهو تناقض أخل بمبدأ التسوية في الحق بين الطرفين لان الحكم الاستئنافي اقر حق المستأنف في ابقاء الزبر المستحدث، وفي هذا تناقض لا يخفى، إذ المعتبر شرعاً إزالة العوائق التي تمنع أو تنقص الإنتفاع بالحقوق، وهذان السببان كافيان لنقض الحكم، وحيث أن المعتبر في أصل الشرع في مثل هذا النزاع أن الحق لا يتجزأ لأنه ليس حق ملكية وإنما هو حق تابع للطرفين، والحقوق التابعة للطرفين لا تقرر بالحكم وإنما تظل تابعة له دون ان ينتقص منها شيء)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: حق الشرب حق فرعي:*
➖➖➖➖➖
*▪️نظم القانون المدني حق الشرب ضمن مسمى: (الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن الملكية)، وذلك في المواد (من 1340 إلى 1378)، ومع أن حق الشرب من الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن الملكية بحسب تعبير القانون المدني إلا أن حق الشرب يعد من ملحقات العين أو الأرض المقرر لها حق الإنتفاع بالشرب، حيث يدخل الحق في الشرب في المبيع عند بيع الأرض، حيث نصت المادة (518) مدني على أن: (يدخل في مبيع الأرض الماء من سيل او غيل مالم يكن مستخرجاً بيد عاملة أو بعرف قاض بعدم الدخول، وتدخل السواقي والمساقي والجدران والطرق المعتادة، كما يدخل الشجر النابت فيها...إلخ)، وبحسب هذا النص فإن المساقي والمشارب تدخل في الأرض الزراعية التي يسيل منها الماء إلى الأرض الزراعية ، ولذلك فقد عبر الحكم محل تعليقنا بأن حق الشرب تابع للأرض غير قابل للتجزئة ما دامت الأرض زراعية تسقى بالماء الوارد من المسقى ، ولذلك فإذا انتقلت الأرض الزراعية بالبيع أو غيره من التصرفات الناقلة للملكية فإن حق الشرب ينتقل إلى المشتري أو المشترين كما كان لدى المالك السابق، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا: بأن على الطرفين المتنازعين الطاعن والمطعون ضده المشترين للأرض بموجب عقد البيع الصادر من المالك السابق الذي باع لكل واحد منهما قسم من الأرض، وبموجب ذلك فقد انتقل إليهما معاً حق الشرب على وجه الإشتراك وعلى قدم المساواة بينهما، حيث يحق لهما معاً الإنتفاع بالماء السائل من المشرب على وجه الإشتراك وبحسب عادات السقي السائدة في الوادي أو المنطقة، وبحسب ماكان المالك السابق ينتفع بهذا الحق، حيث قضى الحكم محل تعليقنا بأن حقهما في الإنتفاع بحق الشرب ينبغي أن يكون على قدم المساواة دون تمييز بينهما.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: عدم تجزئة حق الشرب:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأنه لا يجوز تجزئة حق الشرب المقرر للأرض عامة، لأنه يندرج ضمن الحق ويدخل فيه طالما ان الأرض زراعية يسيل إليها الماء عبر المسقى أو بواسطته، وحيث أن هذا الحق تنتفع به الأرض عامة فأنه لا يتجزأ ولا ينفصل عنها لأن منفعته لا تتجزأ بين المالكين للأرض التي صارت لهما، ويترتب على ذلك أنه يكون لأي من المالكين الإنتفاع بحق الشرب على قدم المساواة مع المالك أو الملاك الآخرين بحسب نسبة ملكيته في الأرض وبحسب ماكان ينتفع المالك السابق للارض الزراعية ، وقد نصت المادة (1363) مدني على أن: (حق الشرب يورث ويوصى بالإنتفاع به ولا يباع إلا تبعاً للأرض ولا يوهب ولا يؤجر إلا لعرف)، وهذا ما قصده الحكم محل تعليقنا بعدم جواز تجزئة الإنتفاع بحق الشرب بخلاف نسبة الملكية في الارض الزراعية التي تنتفع بحق الشرب وعلى خلاف ماكان متبع من قبل المالك السابق وعلى خلاف المتبع في عادات السقي والشرب في الوادي أو المنطقة ، ولكن إذا تحولت الأرض الزراعية إلى أراضي للبناء فإن المساقي والمراهق الخاصة أو الصبابات التي يسيل منها الماء إلى الأرض يتقاسمها ملاك الأرض التي كانت زراعية بحسب نسبة ملكيتهم للأرض التي كانت تنتفع بحق الشرب، حيث يقوم ملاك الأرض بالتصرف في مراهق الأرض ومساقيها استقلالا عن الأرض التي كانت تنتفع بتلك المساقي.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: لا يجوز لأي من المنتفعين بحق الشرب وضع العوائق التي تحول دون جريان الماء في مجراه لسقي المزارع:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يترتب على أحقية ملاك الأرض الزراعية في الإنتفاع بحق الشرب على قدم المساواة يترتب على ذلك أنه: لا يجوز لأي منهما إستحداث العوائق أو الموانع أو الممرات فوق مجرى الماء للحيلولة دون تدفق السيل إلى أرض المالك الاخر الذي يشاركه الإنتفاع في حق الشرب.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: دور العادات في تنظيم حق الشرب وتوثيق العرف في وثائق مكتوبة وحجية هذه الوثائق بالنسبة للخلف الخاص والعام:*
➖➖➖➖➖
*▪️ظل الحكم محل تعليقنا يؤكد في أسبابه على ضرورة إحترام الطرفين لإتفاقية (المعود 1359هـ)، وهذه الإتفاقيأت هي عبارة: عن توثيق لعادات السقي في المناطق والوديان المنتشرة في انحاء اليمن، وقد صرح القانون المدني بأن عادات السقي معتبرة يجب الإلتزام بها وتنفيذها، وقد كانت الاتفاقية التي أشار إليها الحكم محل تعليقنا تمنع الإستحداث للمعاقم والممرات في المجاري المعتادة للسيل المتدفق إلى الأراضي الزراعية التي يسيل إليها السيل بحسب اتجاهه وعاداته الجارية، وهذه الإتفاقيأت العرفية القديمة ملزمة لملاك الأراضي المعاصرين لأنهم خلف عام او خلف خاص للملاك السابقين الذين ابرموا هذه الإتفاقيأت، حيث انتقلت الأراضي إلى الخلف الخاص والخلف العام وهي مثقلة بتلك الالتزامات الواردة في تلك الإتفاقيأت، إضافة إلى أن تلك الإتفاقيأت وسيلة من أهم وسائل إثبات العرف السائد في المنطقة أو الوادي بشأن عادات سقي الأراضي الزراعية، والله اعلم.*