*حدود تلخيص وقائع حكم التحكيم عند اليمين المردودة*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن حكم التحكيم إذا بني على اليمين المردودة فلا يلزم ان يتضمن الحكم بيانا تفصيليا بوقائع الدعوى والرد عليها...إلخ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-12-2014م في الطعن رقم (55721)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فإن البين من الوقائع ومن كافة الأوراق أن حكم التحكيم قد بني على اليمين المردودة من المدعى عليه على المدعي وقد أداها بحسب ماهو مبين في حكم التحكيم، ولذلك فإن تلك اليمين قد حسمت النزاع، ومن ثم لم يكن المحكم بحاجة إلى إيراد بيان تفصيلي بوقائع الدعوى والرد عليها وأوجه دفاع الخصوم ودفوعهم وبيان وجه الرأي فيها من قبل المحكم، سيما أن الحكم لم يبن عليها بل على يمين المطعون ضده، فكان يكفي المحكم ان يذكر في حكمه موضوع النزاع أو محل الدعوى والواقعة المراد الحلف عليها والإجراءات القانونية التي اتخذها لتوجيه اليمين ونتيجتها، ففي ذلك ما يكفي لحمل حكم التحكيم، وقد تبين من الإطلاع على حكم التحكيم تضمين ذلك في الحكم)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: تلخيص حكم التحكيم:*
➖➖➖➖➖
*▪️بينت المادة (48) تحكيم البيانات الواجب تحصيلها في حكم التحكيم، حيث نصت هذه المادة على أنه: (يجب ان يشتمل حكم لجنة التحكيم على البيانات الأتية: اسماء اطراف التحكيم وعناوينهم وجنسياتهم وملخص الطلبات ودفوعات الخصوم واقوالهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وأسبابه وتاريخ ومكان إصداره) وصيغة هذا النص تفيد الوجوب، ولذلك يجب على المحكم ان يضمن حكمه هذه البيانات المحددة في النص السابق ذكره، وقد أشار النص إلى أنه يجوز للمحكم أن يلخص دعاوى الخصوم وطلباتهم وردودهم ودفوعهم عند تضمينها في حكم التحكيم، فلا يجب عليه أن يضمنها كما وردت في مذكرات واقوال الخصوم، وهذا الأمر ظاهر في صيغة النص السابق الذي استعمل عبارة: (ملخص الطلبات ودفوعات الخصوم...)، وتلخيص مذكرات وأقوال الخصوم يعني إعادة استقراء مراد الخصوم أو فحوى مذكراتهم واقوالهم واستبعاد العبارات المكررة أو غير المهمة من وجهة نظر من يقوم بالتلخيص، وهذا يعني أن أقوال الخصوم ومذكراتهم تخضع للتقديرات الشخصية للكتبة الذين يلخصوا مذكرات الخصوم وأقوالهم عند صياغة الأحكام، فهولاء الكتبة هم الذين يقرروا تضمين الحكم الفقرات والعبارات التي يروا تضمينها ويتركوا بقية ما ورد في مذكرات وأقوال الخصوم المكررة أو غير الجوهرية(غير مهمة)، ولا شك أن في ذلك تحكم من الكتبة، مع أن حق التقاضي يكفل للخصم ان يقدم أو يقول ما يراه يحقق دفاعه أمام القضاء أو هيئة التحكيم، وقد دفع هذا الأمر المشرع اليمني إلى أن ينص في التعديلات الأخيرة لقانون المرافعات (يناير2021م) إلى وجوب إعداد محصل الشجار (وقائع النزاع/سير إجراءات المحاكمة) وتقديمه للخصوم قبل حجز القضية حتى يطالع الخصوم المحصل ويتأكدوا من أنه قد تضمن كل ما كانوا يريدوا قوله أو تقديمه للقضاء، ونرى ان هذ النص المستحدث في قانون المرافعات قد عالج هذه الإشكالية واشكالية التأخير في اصدار الأحكام، ومن وجهة نظرنا ان هذا النص المستحدث في قانون المرافعات يسري على احكام التحكيم، لأن هذا النص المستحدث متأخر عن المادة (48) تحكيم فضلاً عن أن قانون التحكيم قد نص على وجوب الإلتزام بأحكام قانون المرافعات التي تعد من النظام العام.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: تلخيص وقائع الدعوى في حكم التحكيم عند حسم الخلاف باليمين المردودة:*
➖➖➖➖➖
*▪️بينت المادة (130) إثبات ماهية اليمين المردودة حيث نصت على أن: (رد اليمين هو طلب الخصم الذي وجهت إليه أصلاً يردها إلى خصمه ليحلفها هو بالصيغة التي تقرها المحكمة)، ومن جانب آخر فقد بينت المادة (143) إثبات أثر اليمين المردودة على الدعوى أمام المحكم، حيث نصت هذه المادة على أن: (كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها دون أن يردها عن خصمه وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها خسر الدعوى فإن كان المدعى عليه حكم للمدعي بطلباته وإن كان المدعي حكم برفض دعواه)، ومن خلال إستقراء النصين السابقين نجد أن اليمين المردودة أو الحاسمة دليل كافٍ لحسم النزاع، وإن المادة (143) إثبات السابق ذكرها قد صرحت بأن أداء المدعى عليه لليمين المردودة يجعل المدعي يخسر دعواه، وبما أن القانون قد صرح بأن اليمين المردودة كافية لحسم النزاع، فعندئذٍ لا يلزم المحكم أن يضمن حكمه كل وقائع النزاع على النحو السابق بيانه في المادة (48) تحكيم، بل يكفي أن يذكر في الحكم موضوع الدعوى والواقعة التي حلف عليها المدعى عليه باليمين المردودة وصيغة اليمين ومحضر أداء اليمين الذي يثبت صيغة اليمين ووقت أدائها ومكانه.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: تضمين محصل الحكم الوقائع والأدلة والطلبات الجوهرية التي قام عليها الحكم:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن يلزم أن يتضمن حكم التحكيم الطلبات والوقائع والأدلة وأوجه الدفاع والدفوع التي قام عليها حكم التحكيم، ومعنى ذلك أن لا يلزم ذكر الوقائع التي لم يقم عليها الحكم، غير أن ذلك لا يعني أن يغفل المحكم وقائع أو أدلة أو دفوع جوهرية بذريعة ان الحكم لم يقم عليها، فلا يجوز بأي من الأحوال إغفال الوقائع والأدلة الجوهرية، إلا إذا كان الخلاف قد تم حسمه باليمين الحاسمة أو اليمين المردودة على النحو السابق بيانه، والله اعلم.*