عزل الموظف المحكوم عليه بجريمة مخلة بالشرف والأمانة

*عزل الموظف المحكوم عليه بجريمة مخلة بالشرف والأمانة*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️من شروط شغل الوظيفة العامة ان لا يكون الشخص قد صدر بحقه حكم نهائي لإرتكابه جريمة مخلة بالشرف والأمانة مالم يرد إليه اعتباره، وهذا الشرط ليس شرطاً لقبول الموظف في الوظيفة العامة فحسب بل ان هذا الشرط يجب ان يستمر تحققه في الموظف طوال فترة شغله للوظيفة العامة، ولذلك فإذا صدر على الموظف حكم نهائي أو بات لارتكابه جريمة مخلة بالشرف والامانة فإنه يعزل من الوظيفة لإنتكال أهم شرط من شروط شغل الوظيفة العامة حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-2-2014م في الطعن رقم (53645)، الذي قضى بأنه: ((لم يعد هناك ما يوجب الرد على بقية مناعي الطاعن التي اوردها في بقية أسباب طعنه، إذ انه بعودة الدائرة إلى الأوراق فقد تبين أن الطاعن قد صدر ضده حكم جنائي بعد إحالته من المطعون ضدها إلى النيابة العامة قضى الحكم بإدانته بتزوير محررات رسمية وإستعمالها والاستيلاء على مال عام وحبسه مدة خمسة أعوام – ولذلك فقد اضحى الطاعن بعد ذلك معزولاً بقوة القانون حكماً عملاً بالمادة (238/ب) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية التي نصت على أنه: (إذا حكم على الموظف في جناية مخلة بالشرف أو الأمانة كالرشوة والإختلاس والسرقة والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة أو غيرها من محكمة مختصة اعتبر معزولاً من وظيفته حكماً شريطة اكتسابه الدرجة القطعية) ومن ثم فإن الطعن لم يعد له ثمة محل مما يقتضي معه رفض الطعن)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ماهية الجرائم الماسة بالشرف والأمانة:*
➖➖➖➖➖

*▪️لم يعرف قانون الجرائم والعقوبات هذه الجرائم، في حين ان المادة (238/ب) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية ذكرت أمثلة على هذه الجرائم فيما يتعلق بالجرائم المخلة بالشرف والأمانة في مجال الوظيفة العامة، ولكن هذه المادة لم تحصر هذه الجرائم، كما أنه لم تضع معيارا جامعا لتحديد بقية الجرائم المخلة بالشرف والأمانة التي يرد ذكرها في النص وتمييزها عن غيرها، حيث نصت المادة (238 /ب)على أن: (تنتهي خدمة الموظف بالفصل أو العزل في الحالات الأتية: -ب- إذا حكم على الموظف في جناية مخلة بالشرف والأمانة كالرشوة والإختلاس والسرقة والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة وغيرها من محكمة مختصة أعتبر معزولاً من وظيفته حكماً شريطة اكتساب الحكم الدرجة القطعية)، ويذهب الفقه العربي إلى أنه ليس هناك في الواقع معيار جامع مانع لتمييز هذا النوع من الجرائم عن غيره مما لا يعد مخلا بالشرف أو الأمانة خاصة أن المشرع لم يحدد ماهية تلك الجرائم تاركا تلك المهمة لكل من الفقه والقضاء، ومع أن الفقه والقضاء قد حاولا وضع معيار في هذا الخصوص إلا أنه ليس معيارا حاسما بل هو أقرب إلى التوجيه العام منه إلى المعيار، وعلى هذا الأساس فقد تعددت تعاريف الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، حيث عرف القضاء الإداري المصري هذه الجرائم بأن: الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة هي " تلك التي ينظر اليها المجتمع على أنها كذلك وينظر على فاعليها بعين الإزدراء والاحتقار ويعتبره ضعيف الخلق منحرف الطبع دنيء النفس ساقط المروءة، فالشرف والأمانة ليس لهما مقياس ثابت محدد بل هما صفتان متلازمتان لمجموعة من المبادئ السامية والمثل العليا التي تواضع الناس على إجلالها وإعزازها في ضوء ما تفرضه قواعد الدين ومبادئ الأخلاق والقانون السائدة في المجتمع، وفي هذا السياق عرفت المحكمة الإدارية العليا الجرائم  المخلة بالشرف أو الأمانة بأنها " تلك التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع " ويظهر مما سبق  أنه يصعب وضع قاعدة عامة في هذا المجال يمكن على ضوئها وصف فعل ما بأنه يشكل أو لا يشكل جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ومن ثم يجب أن ينظر إلى كل فعل على حده، على أن يؤخذ في الاعتبار الظروف والأوضاع التي تم فيها هذا الفعل أو الملابسات والبواعث الخاصة به، أو بمعنى أعم وكما تقول المحكمة الإدارية العليا " طبيعة الوظيفة ونوع العمل الذي يؤديه الموظف ونوع الجريمة والظروف التي ارتكبت فيها والأفعال المكونة لها ومدى كشفها عن التأثر بالشهوات وسوء السيرة والحد الذي ينعكس إليه أثرها على العمل .. " الأمر الذي يعني أن المرجع في تقدير ما إذا كانت جريمة ما من الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة أم ليست كذلك إلى السلطة الإدارية المنوط بها تطبيق القانون وهي في هذا التقدير تخضع لرقابة القضاء إن هي أسرفت أو جاوزت الحدود ، وقد أستقر الفقه العربي على ان هناك مجموعة من الجرائم لا يختلف الفقه والقضاء بشأن اعتبارها جرائم مخلة بالشرف أو الأمانة: وهي السرقة – التزوير – هتك العرض – النصب والاحتيال – خيانة الأمانة .. إلخ بل لقد اعتبرت المحكمة الإدارية العليا أن جريمة إصدار شيك بدون رصيد تعد من الجرائم المخلة بالشرف، لأنها ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع كما أن هناك مجموعة أخرى من الجرائم استقر القضاء على عدم اعتبارها جرائم مخلة بالشرف أو الأمانة منها جرائم التبديد التي تقع من المالك للأشياء المحجوز عليها والمعين حارسا عليها –  وتبديد منقولات الزوجية – الحكم بالغرامة في جريمة مشاجرة – جرائم السب حتى وإن كانت تتضمن خدشا لشرف المجني عليه – جرائم بيع سلعة بأكثر من السعر المقرر لها.. إلخ، وتجدر الإشارة الى  أن القانون المصري اشترط في العقوبة الصادرة في الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة – لكي تعتبر مانعا من التعيين في الوظائف العامة أو سببا لعزل الموظف منها – أن تكون عقوبة مقيدة أو سالبة للحرية كالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو السجن أو الحبس أيا كان مقدارها. أما إذا لم يكن كذلك بان كانت عقوبة مالية مثلا كالغرامة أو المصادرة فإن المحكوم عليه لا يحرم من حق الترشيح لشغل إحدى الوظائف العامة ولايعزل منها اما القانون اليمني فلم يشترط ذلك وإنما اشترط ان يكون الحكم في جناية مخلة بالشرف والأمانة مع ان تقسيم قانون الجرائم والعقوبات للجرائم لاوجود للجناية فيه حيث يقسمها إلى جرائم جسيمة وغير جسيمة ، كما يشترط كذلك أن يكون الحكم الصادر بالعقوبة المقيدة للحرية في هذه الحالة حكما نهائياً أو باتا بحسب تعبير المادة( 238 ) من لائحة قانون الخدمة المدنية التي عبرت عن ذلك بأن الحكم قد اكتسب درجة القطعية.*
*إضافة إلى أن القانون المصري اشترط أن يكون الحكم بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة صادرا في جناية أو جنحة، أما إذا كان صادرا في مخالفة فإنه لا يقف عقبة في تولية الوظائف العامة أو سببا للعزل منها ، حتى وإن كانت هذه المخالفة مخلة بالشرف او الأمانة وقضى فيها بعقوبة مقيدة للحرية وذلك بسببين: أولهما: أن المشرع جعل زوال هذا المانع رهنا برد الاعتبار ولا يوجد رد اعتبار في المخالفات. ثانيهما: أن المشرع رتب على وقف تنفيذ العقوبة زوال أثرها بالنسبة للتعيين في الوظائف العامة، ووقف التنفيذ لا يرد على المخالفات، ومن ثم إذا قبل بقيام المانع من التعيين في الوظائف العامة أو الاستمرار فيها في حالة صدور حكم بعقوبة مقيدة للحرية في المخالفات لكان في ذلك مفارقة غريبة إذ بينما ترتب الأحكام الصادرة في تلك المخالفات أثرها والمتمثل في عدم تولية الوظائف العامة بقوة القانون فإن الأحكام الصادرة في الجنايات والجنح وهي جرائم أشد لاترتب هذا الأثر في حالة الحكم بوقف تنفيذها وهو أمر يتنافى مع المنطق القانوني السليم ومايمليه هذا المنطق من ضرورة مراعاة التدرج في الجرائم من حيث مبلغ خطورتها والعقوبات المقررة لها والآثار المترتبة عليها.، طبعا هذا في القانون المصري ، اما القانون اليمني فلم يشترط ذلك.(الجرائم المخلة بالشرف واثرها على الوظيفة العامة – نوفان العجيل العجارمة ص24).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: عزل الموظف المحكوم عليه بجريمة مخلة بالشرف والأمانة في قانون الجرائم والعقوبات:*
➖➖➖➖➖

*▪️عقوبة العزل مقررة في قانون الجرائم والعقوبات ضمن العقوبات التكميلية، وهي مقررة في هذا القانون على سبيل الجواز، كما أن العقوبة شاملة حيث تحرم الموظف المحكوم عليه من تولي الوظيفة وتعزله أن كان شاغلاً لها بالفعل، ، ولا يتم تطبيق هذه العقوبة إلا إذا تم النص عليها في الحكم حسبما هو مقرر في المادتين (100 و 101) من قانون الجرائم والعقوبات، ويطلق بعض الباحثين على عزل الموظف بموجب قانون الجرائم والعقوبات:ب (العزل بحكم قضائي) تمييزاً له عن العزل الذي يقع كأثر للحكم القضائي المقرر في المادة ( 238/ب) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: عزل الموظف المحكوم عليه بجريمة مخلفة بالشرف والأمانة في المادة( 238 /ب) من لائحة قانون الخدمة المدنية:*

➖➖➖➖➖

*▪️كأثر على هذا الحكم حسبما هو مقرر في المادة (238/ب) في اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية التي نصت على أن: (تنتهي خدمة الموظف بالفصل أو العزل في الحالات الأتية: -ب- إذا حكم على الموظف في جناية مخلة بالشرف والأمانة كالرشوة والإختلاس والسرقة والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة وغيرها من محكمة مختصة أعتبر معزولاً من وظيفته حكماً شريطة اكتساب الحكم الدرجة القطعية)، ومن خلال إستقراء هذا النص نلاحظ أن العزل كعقوبة تكميلية على المحكوم عليه في الحكم، أي أن هذا النص يكفي لعزل المحكوم عليه ولو لم يتم النص على العزل في الحكم المشار إليه، وهذا يعني ان العزل يقع في هذه الحالة بموجب هذا النص، ويكون بمثابة تقرير عقوبة تكميلية لم يتم النص عليها في الحكم الصادر بادانة الموظف ، وإنما تقع هذه  العقوبة بحكم القانون حسبما ورد في النص السابق، ومن وجهة نظرنا فإن المقنن اليمني لم يكن موفقاً حينما قام بالنص على العزل في هذه الحالة في متن اللائحة، فقد مكانها الصحيح هو قانون الخدمة العامة وليس لائحته التنفيذية حسبما هو متبع في القوانين الأخرى، ومما يجدر ذكره أن العزل الحكمي كأثر للحكم على الموظف بجريمة مخلة بالشرف والأمانة له أساسه القانوني السليم، حيث أنه من المقرر في النظم القانونية للوظيفة العامة في مختلف الدول أنه يشترط لشغل الشخص في الوظيفة العامة أن لا يكون قد سبق الحكم عليه في جريمة مخلة بالشرف والأمانة – وبناءً على ذلك إذا صدر هذا الحكم على الموظف بعد شغله للوظيفة بالفعل فلا ريب أن صدور الحكم عليه يكون إيذاناً بإنتكال وتخلف شرط بقائه في الوظيفة العامة، فعدم الحكم على الشخص في جريمة مخلة بالشرف والأمانة شرط لشغل الوظيفة وفي الوقت ذاته شرط لبقاء الموظف في الوظيفة العامة، وكذلك نص القانون المصري على نحو مختلف حيث نص على عزل الموظف المحكوم عليه بجريمة مخلة بالشرف والأمانة كاثر لهذا الحكم، فقد نص على ذلك في متن قانون العاملين  وليس في لائحته حيث نصت الفقرة (7) من المادة 95 من قانون العاملين المدنيين بالدولة  نصت على أن تنتهى خدمة العامل لأحد الأسباب الآتية:*
*الحكم عليه بعقوبة جنائية فى أحدى الجرائم المنصوص عليها فى القوانين الخاصة أو بعقوبة مقيدة للحرية فى جريمة مخلة بالشرف أو الامانة ما لم يكن الحكم مع وقف التنفيذ، ومع ذلك فاذا كان الحكم قد صدر عليه لأول مرة فلا يؤدى الى أنهاء الخدمة الا اذا قدرت لجنة شئون العاملين بقرار مسبب من واقع أسباب الحكم وظروف الواقعة أن بقاء العامل يتعارض مع مقتضيات الوظيفة أو طبيعة العمل ويتضح مما سبق أنة يشترط لانهاء خدمة الموظف العام فى هذه الحالة توافر ثلاثة شروط هي:*
*1- صدور حكم على الموظف بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية فى جريمة مخلة للشرف أو الامانة.*
*2- الا يكون الحكم على الموظف مشمولا بوقف التنفيذ.*
*3- الا يكون الحكم قد صدر على الموظف لاول مرة، وعقوبة الجنايات هى الأعدام والاشغال المؤبدة والاشغال الشاقة المؤقتة والسجن، والله اعلم.*