*تقديم الموكل لمحاميه كافة بيانات ومستندات القضية منذ بدايتها*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأنه ينبغي على الخصم الموكل ان يقدم لمحاميه كافة البيانات والمستندات الخاصة بالقضية التي يترافع فيها المحامي حتى يتمكن المحامي في بداية القضية من دراسة القضية دراسة وافية وتقدير المركز القانوني لموكله تقديرا صحيحا منذ البداية، وبيان جوانب القوة والضعف في مركز موكله، وتحديد أوجه دفاعه ودفوعه حتى يتم عرضها وبحثها ومناقشتها أمام محكمتي الموضوع بدلاً من إثارة هذه المسائل أمام المحكمة العليا لاحقاً، حيث لا يجدي ذلك نفعا، فضلا عن أن إحتفاظ الموكل ببعض المستندات مع وجودها وعلمه بها ينم عن سوء نيته في التقاضي، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16-9-2014م في الطعن رقم (55320)، الذي ورد ضمن أسبابه: (أن هناك في قانون المرافعات فصل خاص بالمبادئ الحاكمة في القضاء والتقاضي ومنها أن الأصل في التقاضي أن يكون على درجتين حسبما هو مقرر في المادة (22) مرافعات) ومفاد ذلك: أنه ينبغي على الخصوم بيان وقائع الإدعاء والدفاع أمام محكمة أول درجة وعلى المدعي إثبات ما انكره المدعى عليه وتسمع أدلته وشهوده، وأمام محكمة ثاني درجة حددت المادة (188) مرافعات ما يتعلق بنظر خصومة الاستئناف إدعاءً ودفاعاً كمحكمة موضوع، ومما سبق فان طلب الطاعن أن تنظر المحكمة العليا في وقائع موضوعية جديدة لا يوافق النصوص الحاكمة لخصومة الطعن بالنقض، فكان الأحرى بالطاعن أن يضع أمام محاميه منذ بداية النزاع كل تفاصيل التعامل مع البنك المطعون ضده ليتولى الدفاع وتقديم الأدلة التي تثبت دفاعه أن كان مؤثراً، وهذا ما يفترض في التاجر الحصيف ليكون التقاضي قائماً على حسن النية، لا أن يأتي بعد مضي حوالي أحد عشر عاماً من عمر القضية ليطرح وقائع موضوعية جديدة)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: عرض الخصم لكافة البيانات والمستندات والمعلومات والأدلة على محاميه منذ بداية القضية حتى يتسنى للمحامي دراسة القضية دراسة وافية وتحديد مركز الخصم وغير ذلك من المسائل:*
➖➖➖➖➖
*▪️من المقولات الشائعة عند المحامين أن القضية تبدأ قبل أن تكون قضية، لان الوقوف على المستندات والبيانات ذات الصلة ودراستها المتضمنة نتائج الدراسة وتوصيات المحامي هي التي تجعل الخصم ومحاميه يتخذا القرارات المصيرية بشأن قيام القضية أو عدمه، من خلال الوقوف منذ البداية على بيانات ومستندات القضية ومدى كفايتها وصلاحيتها لقيام القضية، وهذا يستلزم ان يقدم الخصم أو يفصح لمحاميه عن البيانات والمعلومات والأدلة والوقائع المتعلقة بالنزاع حتى يقدم المحامي لموكله الاستشارة القانونية الصائبة بشأن القضية بما ذلك ذلك حسمها من قبل القضاء أو التصالح بشأنها أو سكوت الخصم عن حقه اذا كان ذلك سيكلفه اكثر من الحق، ومن خلال هذه الدراسة يستطيع المحامي ان يستشرف طبيعة القضية وتعقيداتها والجهد المتوقع ان يبذله فيها ومن خلال ذلك يستطيع المحامي ان يقدر اتعابه تقديرا صحيحا، وبناء على ذلك فإن للمحامي دور مهم في دراسة مستندات القضية وتكييفها وتحديد الوصف القانوني الأولي لها وبيان النصوص القانونية ذات الصلة بها، والتثبت من مدى كفايتها وبيان أوجه القوة والضعف في مراكز الخصوم، وما إذا كان من مصلحة الخصم تسوية الخلاف عن طريق الصلح، وهذه المهمة التي يباشرها المحامي مهمة وطنية جليلة تضمن استيفاء الأدلة والإجراءات قبل اتصال القضاء بالدعاوى، كما أنها تسهم في توعية الخصوم بتسوية الخلاف خارج نطاق القضاء، فمن خلال دراسة المحامي لكافة بيانات القضية منذ البداية يستطيع المحامي ان يحدد المراكز القانونية للخصوم وبيان افضلية تسوية الخلافات عن طريق الصلح بين الخصوم، ومع أهمية هذه المرحلة الأولية في تحديد معالم القضية من قبل المحامي، إلا ان المحامي لا يستطيع تحديد معالم القضية والمراكز القانونية للخصوم فيها والإجراءات والمستندات والأدلة المطلوب استيفاؤها إلا إذا كان الخصم موكله قد أمد المحامي وافصح له بكافة البيانات والمستندات ذات الصلة بالقضية التي يدرسها المحامي، والواقع العملي يشهد أن غالبية الخصوم في اليمن يحجمون عن تزويد محاميهم بكافة المستندات والمعلومات والبيانات ذات الصلة بالنزاع، ولذلك تكون دراسة المحامي لملف القضية قاصرة على قدر أو بحسب الوثائق والبيانات التي وقف عليها المحامي المقدمة من موكله، ولذلك تستهل تقارير دراسة المحامين لملفات القضايا بعبارة (وبحسب المستندات المقدمة لنا من قبلكم) والباعث على إحجام الخصوم عن تزويد المحامين بالمستندات والبيانات منذ البداية يرجع في غالب الاحيان إلى سوء تقدير الخصم أو سوء نيته في التقاضي ورغبته في الإنتقام من خصمه أو مشاغلته(إساءة إستعمال حق التقاضي)ولكن الباعث الغالب لهذه الظاهرة في اليمن هو التماهي بين الذكاء والشطارة والمغالطة، فالخصم يعتقد اعتقاداً جازماً أن قول الحق وتقديم الادلة منذ البداية ينم عن ضعف الموقف وضعف الشخصية، ويسود الاعتقاد بأن المغالط هو الذكي، وهذه ثقافة مقيتة حسبما عبر عنها الحكم محل تعليقنا بانها تخالف مبدأ حسن النية في التقاضي وهو من المبادئ الحاكمة للقضاء والتقاضي.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: مزايا تقديم الخصم جميع المستندات والبيانات ذات الصلة بالنزاع منذ البداية:*
➖➖➖➖➖
*▪️أشار الحكم محل تعليقنا بأنه كان يجب على الخصم ان يقدم إلى محاميه كافة المستندات والأدلة والبيانات ويبين له عن كيفية تعامل الخصم مع البنك منذ بداية القضية حتى يقدم له المحامي الاستشارة اللازمة فيما يتعلق بموقفه ومركزه في القضية واحتمالات الحكم القضائي له أو عليه بحسب المستندات والبيانات المتوفرة حتى يكون الخصم على بينة من أمره منذ البداية وكذا حتى يتمكن الخصم ومحاميه من تقديم وإبداء أوجه الدفاع ووالدفوع أمام محكمتي الموضوع التي تتولى دراستها وبحثها والتحقيق فيها ومناقشتها في متسع من الوقت ومن ثم تحقيق مبدأ المواجهة عن طريق مواجهة الخصم الاخر بكافة الادلة والبراهين وغيرها منذ البداية حتي يظهر للخصم الأخر موقفه ومركزه الحقيقي في القضية منذ البداية حيث يسهم ذلك في حسم القضايا بسرعة ، إضافة إلى أن المواجهة بكافة المستندات والأدلة منذ البداية يمكن الخصوم من إعداد وتقديم دفاعهم ودفوعهم ، علاوة على أن تقديم الخصم لكافة الأدلة والبيانات يمكن الخصم ومحاميه من تحديد معالم ونطاق القضية منذ البداية، وهذا الأمر مفيد للقاضي والمحامي والخصم وللعدالة في آن واحد ، فضلاً عن أن هذه الطريقة تسهم في الإسراع في إنجاز القضايا وتحقيق العدالة الناجزة، فعندما يتحقق نطاق القضية بالنسبة للقاضي والخصوم والمحامين منذ البداية فأنه يسهل عليهم البت والفصل في القضايا بسرعة، حيث تقل طالبات تصحيح الدعاوى والطلبات العارضة والاضافية، وكذا تقل الدفوع، كما أن هذه العملية تسهم في تحديد وحصر نقاط الخلاف بين الخصوم، وكذا فإن هذه الطريقة تجعل المحامي يقدر اتعابه تقديرا صحيحا، فيحول ذلك دون خلاف المحامي مع موكله على الاتعاب، والله اعلم.*