*هيئة التأمينات مسئولة عن دفع مستحقات المتقاعد سواء سددت الجهة الاشتراكات ام لا*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️في حالات كثيرة يفاجئ الموظف المتقاعد عند إحالته للتقاعد أن الجهة التي كان يعمل بها قبل إحالته للتقاعد لم تسدد اقساط التأمين المستحق لهيئة التأمينات أو أن الجهة التي كان يعمل بها لم تحتسب حقوقه التأمينية بصورة صحيحة، وفي هذا الشأن فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن هيئة التأمينات بموجب القانون هي المسئولة والملزمة بتنفيذ قانون التأمينات وإقتضاء حقوق الموظف التأمينية بصورة صحيحة، وعلى هذا الأساس فهيئة التأمينات ملزمة بمنح الموظف المتقاعد معاشه التقاعدي المستحق طبقاً للقانون، طالما ان هيئة التأمينات هي المعنية بتطبيق قانون التأمينات وإقتضاء الأقساط من الجهة من المنبع وجبرا، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-8-2013م في الطعن رقم (51375)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((أن الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات ليس لها أن تتحجج بعدم الوفاء بحق المؤمن عليهم بتقاعس جهة العمل عن توريد اشتراكات جهة العمل أو المؤمن عليهم التي الزمها القانون بتوريدها، فالتأمين المنظم بحسب قانون التأمينات والمعاشات هو تأمين الزامي مصدره القانون لا العقد اقتضاه الصالح العام، فلا يخضع لإرادة الأطراف فليس لهم أن يعدلوا من أحكامه وأية اتفاقيات لم يكن المؤمن عليه طرفاً فيها ليس لها أن تعدل من أحكام القانون، فالقانون هو الذي يحدد التزامات جهات العمل والتزامات هيئة التأمينات والتزامات الخزينة العامة للدولة، لذلك لا يعتد بأية اتفاقيات تتم من خلف ظهر المؤمن عليه تعدل من أحكام القانون، وتؤدي إلى المساس بحقوقه، أن الهيئة ملزمة بأداء حق المؤمن عليه وعليها هي متابعة تحصيل إشتراكات التأمينات إذا تقاعست جهة العمل عن توريدها، وهذا يفسر إلزام القانون البنك المركزي وفروعه بعدم صرف شيكات المرتبات الشهرية للجهات المستفيدة من أحكام القانون مالم يكن مرفقاً بها شيكات إشتراكات التأمينات والمبالغ المقررة وفق أحكام القانون، وإعتبار القانون المبالغ المستحقة للصندوق وفقاً لأحكام القانون من الديون الممتازة في أموال جهات العمل ذات الذمة المالية المستقلة وتستوفي بكاملها قبل أية ديون أخرى (م 74) من قانون التأمينات والمعاشات، ولهذا فقد أجاز القانون لهيئة التأمينات بواسطة القضاء طلب حجز أموال أية جهة ذات ذمة مالية مستقلة لا تلتزم بتسديد المبالغ المستحقة للهيئة المقررة وفق أحكام القانون (م 75) قانون التأمينات والمعاشات) وتحميل الخزانة العامة للدولة أي عجز يظهر في أموال الصندوق يؤدي إلى عدم الوفاء بإلتزاماته (م77 قانون التأمينات والمعاشات)، ولعل ما ورد في المادة (89) من قانون التأمينات الإجتماعية رقم (26) لسنة 1991م ما يوضح طبيعة التأمين الإلزامي لموظفي الدولة أو لعمال القطاعين العام والخاص من حيث أنه متى ثبت الإشتراك في منظومة التأمين التزمت الهيئة أو المؤسسة الراعية لهذا التأمين بأمور تحصيل الإشتراكات من موظفي أو عمال الجهات المختلفة ولو تقاعست تلك الجهات عن توريد إشتراكات المؤمن عليهم، إذ تنص هذه المادة على أنه: على المؤسسة الوفاء بإلتزاماتها المقررة في القانون كاملة بالنسبة للمؤمن عليهم والمستحقين عنهم حتى ولو لم يقم صاحب العمل بالإشتراك فتقدر الحقوق عنهم في المؤسسة فتقدر الحقوق وفقاً لأحكام القانون ما دامت علاقة العمل بين صاحب العمل والعامل ثبتت للمؤسسة، أن الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات ملزمة بمتابعة التحصيل وملزمة في الوقت ذاته بإعطاء المؤمن عليه حقه كاملاً دون توقف على ما إذا قامت جهة العمل أو الخزانة العامة للدولة بتوريد ما الزمها القانون بتوريده للهيئة، فالتأمين المنظم بقانون التأمينات والمعاشات تأمين الزامي لا تقاعدي مصدره القانون، فلا تعفى الهيئة من الوفاء بإلتزاماتها فيه إذا أخل الطرف الآخر بإلتزاماته المقابلة، أن المشرع قد وضع في حسبانه أنه اذا حصل عجز في أموال صندوق التأمينات والمعاشات قد يؤدي إلى عدم الوفاء بإلتزاماته لأي سبب كان فإن الخزينة العامة تتحمل ذلك، فالمشرع لم يرد أن يتحمل المؤمن عليهم نتائج هذا العجز فقرر في المادة (77) من قانون التأمينات والمعاشات أن تتحمل الخزانة العامة للدولة أي عجز في أموال الصندوق يؤدي إلى عدم الوفاء بإلتزاماته)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: التأمين الإلزامي ومقتضياته بحسب ما ورد في الحكم محل تعليقنا:*
➖➖➖➖➖
*▪️صرح الحكم محل تعليقنا بأن التأمين الإجباري أو الإلزامي الذي تتولاه كلٍ من الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات بالنسبة لموظفي الدولة والقطاعين العام والمختلط والمؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية بالنسبة لموظفي القطاع الخاص يقوم على الإلزام والجبر، أي أن الدولة هي التي تفرضه بقوة القانون لمقتضيات تحقيق العدالة الإجتماعية ومكافحة الفقر وتحقيق التضامن والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، فأساس التأمينات التي تفرضها الدولة هو القانون: (قانون التأمينات والمعاشات بالنسبة لموظفي الدولة وقانون التأمينات الاجتماعية بالنسبة لعمال القطاع الخاص) حيث اناطت الدولة بالهيئة العامة للتأمينات والمعاشات تنفيذ وتطبيق التأمينات في أجهزة الدولة والقطاعين العام والمختلط واناطت الدولة بالمؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية تنفيذ وتطبيق نظام التأمينات الإجتماعية الإجبارية في مجال القطاع الخاص، ومؤدى ذلك أن المؤسسة والهيئة هما المسئولتان عن تطبيق وفرض التأمينات بقوة القانون وهما المسئولتان والمعنيتان بتحصيل الإشتراكات والحقوق التأمينية للموظفين والعمال وتبعا لذلك هما الملزمتان بدفع معاش وحقوق الموظف أو العامل المتعاقد ، ومقتضى ذلك أنه يحق للموظف أو العامل الرجوع على الهيئة أو المؤسسة مباشرة للحصول على معاشه التقاعدي أو حقه التأميني.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: مصدر المعاش التقاعدي القانون وليس العقد:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا أن مصدر المعاش التقاعدي للموظف أو العامل هو قانون التأمينات والمعاشات وقانون التأمينات الإجتماعية، وليس عقد التأمين، وفي هذه المسألة تختلف التأمينات والمعاشات والتأمينات الإجتماعية عن التأمين التجاري الذي يتأسس على عقد التأمين المبرم فيما بين شركة التأمين والمؤمن عليه، وعلى هذا الأساس فإن حق الموظف أو العامل في المعاش التقاعدي والحقوق التأمينية الأخرى مصدره القانون الذي يفرض التأمينات ويحدد أقساط التأمين وحالات الإستحقاق وغيرها، وبناءً على ذلك فإن الموظف أو العامل غير معني بأية اتفاقات أو عقود قد تبرمها الجهة التي يعمل لديها مع مؤسسة أو هيئة التأمينات، لأن تلك الإتفاقات تكون حجة على الأطراف الموقعة عليها وليس الموظف أو العامل، وتبعاً لذلك فإن العامل لا يتحمل أية تبعات أو مسئوليات عما ورد في تلك الإتفاقيات حتى لو أنقصت من حقوقه التأمينية، وبما أن التأمينات والمعاشات والتأمينات الإجتماعية إجبارية بقوة القانون فإن الموظف أو العامل لا يملك التنازل مسبقا عن حقه في نظام التأمينات والمعاشات.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: مسئولية هيئة ومؤسسة التأمينات عن تحصيل الإشتراكات وموارد التأمينات:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن هيئة التأمينات والمعاشات ومؤسسة التأمينات الإجتماعية مسئولتان وملزمتان بتحصيل الإشتراكات والموارد اللازمة لتغطية العجز بما يكفل وفائهما بالمعاشات التقاعدية والحقوق التأمينية عند رجوع الموظف أو العامل المتقاعد عليهما، فالموظف أو العامل المتقاعد ليس مسئولاً عن عدم توريد الإشتراكات أو الأقساط التأمينية من الجهة التي كان يعمل بها، كما أن الموظف المتقاعد غير مسئول عن عدم قيام وزارة المالية أو الخزينة العامة بتغطية العجز، لأن ذلك من مسئولية هيئة التأمينات ومؤسسة التأمينات التي اناط بهما قانون التأمينات والمعاشات وقانون التأمينات الإجتماعية اناط بهما فرض وإلزام الجهات المختصة على تطبيق التأمينات بإعتبارها تطبق جبراً على الموظف والجهة في آن واحد.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: وسائل إجبار الجهات المختلفة على تطبيق التأمينات والمعاشات والتأمينات الإجتماعية:*
➖➖➖➖➖
*▪️أشار الحكم محل تعليقنا إلى أن القانون قد منح كل من هيئة التأمينات والمعاشات ومؤسسة التأمينات سلطات واسعة في تحصيل الإشتراكات والموارد المالية اللازمة لتطبيق التأمينات، ومن ذلك الإستقطاع الجبري المباشر من المنبع عند صرف الرواتب والاجور والحجز الإداري على الجهات لتحصيل وإقتضاء الإشتراكات والموارد اللازمة لتطبيق التأمينات بما يحقق الهدف العام في نشر التكافل والتضامن الاجتماعي، ومكافحة البطالة والعوز، فإذا قصرت الهيئة أو المؤسسة في ذلك فلا يتحمل الموظف أو العامل المتقاعد تبعة هذا التقصير.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الخامس: حق العامل أو الموظف المتقاعد في الرجوع مباشرة على هيئة التأمينات ومؤسسة التأمينات للحصول على معاشه التقاعدي وحقوقه التأمينية الأخرى:*
➖➖➖➖➖
*▪️بما أن القانون قد اناط بالمؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية والهيئة العامة للتأمينات الإجتماعية قد اناط بهما تنفيذ وتطبيق نظام التأمينات وفرضه بقوة القانون، ومنح الهيئة والمؤسسة السلطات والإمكانيات اللازمة لتطبيق نظام التأمينات، لذلك يحق للموظف أو العامل المتقاعد أن يرجع مباشرة على المؤسسة أو الهيئة دون غيرهما للحصول على معاشه التقاعدي وغيره من الحقوق التأمينية، وعندئذٍ لا ينبغي للهيئة أو المؤسسة التنصل من ذلك بأية ذريعة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه السادس: الحجية المطلقة للحكم محل تعليقنا:*
➖➖➖➖➖
*▪️بإعتبار الحكم محل تعليقنا حكما إدارياً، فإن له حجيته المطلقة في مواجهة الكافة بما في أي موظف أو عامل متقاعد أو وكذا كافة الجهات بما فيها هيئة التأمينات ومؤسسة التأمينات ، فيجوز لأي موظف أو عامل الإحتجاج بالحكم المشاراليه لمطالبة هيئة أو مؤسسة التأمينات بمعاشه التقاعدي وحقوقه التأمينية الأخرى، والله اعلم.*