إقحام الأوقاف في الخلاف - في اليمن - في القانون اليمني

*إقحام الأوقاف في الخلاف*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️الحكم محل تعليقنا قديم صدر عام 2013م أظهر كيف كان يتم إقحام وزارة الأوقاف في الخلافات بين الخصوم على الأراضي والعقارات الغير مملوكة للوقف. حيث كان يعمد بعض الخصوم ملاك العقارات أو الورثة اوالمستأجرين يعمدوا إلى إقحام وزارة الأوقاف في الخلافات التي تحدث بينهم بشأن عقارات لاناقة للأوقاف فيها ولا جمل، حيث كان الخصم يذهب إلى وزارة الأوقاف ويقوم بإستئجار الأرض محل النزاع من مكاتب وزارة الأوقاف مع ان الأرض محل الخلاف ليست وقفا ومع ذلك فقد كانت الأوقاف ترحب بذلك على أساس القاعدة الذهبية (حفظ عين الوقف) من غير ان تتثبت الوزارة من أن العقار وقف أم لا، و كان إقحام الوزارة بهذه الخلافات المنتشرة في أنحاء البلاد المختلفة كان يكبد الأوقاف خسائر فادحة كالتعويضات ومصاريف التقاضي وغيرها، إضافة إلى تشوية سمعة الأوقاف وإثارة العداوة والكراهية لها في اوساط المواطنين واحجامهم عن التعاون معها، وقد كانت القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا من هذه الشاكلة، ولذلك فقد أرشد الحكم محل تعليقنا وزارة الأوقاف بإتباع الإجراءات القانونية السليمة عندما يقصدها هؤلاء المستأجرون المشاغبون حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-12-2013م في الطعن رقم (52953)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((ومما تتعين الإشارة إليه أن على وزارة الأوقاف أن تتوقف عن المسلك غيرالقانوني ووغيرالشرعي وذلك عند وصول العديد من مستأجري أراضي وعقارات الغير إلى الوزارة واشعارهم للوزارة بأن ما تحت ايديهم من أملاك الغير المؤجرين لهم بأنها وقف، فتقوم الوزارة بإصدار عقود تأجير لهؤلاء دون سند شرعي أو قانوني وما يشكله ذلك من التعرض لأملاك الغير أو الأوقاف الخاصة بطريق غير شرعي وما ينتج عن ذلك من خصومات، وان عليها اللجوء إلى الطرق الشرعية والوسائل القانونية)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ماهية الخلاف الذي يتم إقحام الأوقاف فيه:*
➖➖➖➖➖

*▪️من المعلوم أن هناك ثقافة مغلوطة تسود في المجتمع اليمني لا ينبغي تجاهلها أو انكارها وهي ظاهرة ان المغالطة في الترافع أو الخصام جائزة وانها نوع من الذكاء وليست من الأمور المحظورة في الشرع والقانون، وللأسف أن المجتمع يشجع هذه الظاهرة حيث يتم النظر إلى الخصم الذي يقول الحق في ترافعه ومذكراته أنه لا يجيد فن المرافعة والفهلوة وأن مكانه هو منبر المسجد (حيث الحلال والحرام) وقد قال ذلك أحد الخصوم أمام المحكمة المختصة اثناء ترافعه، وعلى هذه الخلفية الثقافية فان بعض الخصوم يعمدون إلى إقحام الأوقاف في خلافاتهم الشخصية التي لا علاقة لها أو صلة بالوقف والأوقاف، فتجد بعض الخصوم عندما يحصحص الحق في مواجهة خصمه وتنقطع عليه الحجج والذرائع ويعجز عن الوصول أو الحصول على الارض محل النزاع يذهب إلى مكاتب وزارة الأوقاف طلباً منها تأجيره الأرض محل النزاع، وهو يعلم علم اليقين انها ليست من أموال الوقف ولكنه يريد الانتقام من خصمه والنكاية به والاستقواء على خصمه بوزارة الأوقاف التي كانت لا ترد أحداً من الخصوم الذين يدعون أن المال محل النزاع وقف، فتقوم الوزارة بتأجير الخصم تلك الأرض مع ان الوزارة تعلم علم اليقين أن الأرض محل النزاع ليست مقيدة ضمن أموال الأوقاف، حيث كانت الوزارة تقوم بتأجير هذا الخصم اللدد مستندة إلى الذريعة المشهورة (حفظ عين الوقف!!!؟) حتى صارت وزارة الأوقاف وسيلة يتوسل بها الخصوم لتحقيق اغراضهم في الانتقام والنكاية بخصومهم وحرمانهم من أموالهم الخاصة، فعندما يختلف الموقوف عليهم في الوقف الذري أو الوقف الخاص تجد بعضهم يقصد وزارة الأوقاف لاستئجار العين منها على أساس أنها وقف عام نكاية ببقية الورثة الموقوف عليهم، كما أنه في بعض الحالات يختلف الخصوم على عقارات معلومة لهم جميعاً أنها من الأموال الخاصة (الحر)، فيذهب بعضهم إلى وزارة الأوقاف مدعياً أن الأرض محل الخلاف هي وقف عام وانها مشهورة ومعروفة أنها من أموال الوقف، بل ان بعضهم يستدل بإقراره على ان الأرض محل النزاع من أموال الوقف العام بإعتبار المقر مالكا على الشيوع للأرض محل النزاع، والباعث له على ذلك هو الانتقام من بقية الورثة أو الشركاء له في الأرض محل الخلاف، ولا ريب أن هذا الأمر محظور في الشريعة والقانون، فلا تحل أموال المسلمين إلا أن بطيب نفوسهم، غير أنه من الجائز تحويل المال المتنازع عليه بين الخصوم إلى وقف عام كمسجد مثلاً تسند ولايته إلى هيئة الأوقاف، حيث تحدث في بعض الحالات خلافات بين الورثة أو الشركاء أو الخصوم على أرض فيتفق الخصوم المتنازعون على جعل العين أو المال المتنازع عليه وقفاً عاماً تسند ولايته إلى هيئة الأوقاف خروجاً من الخلاف بين الورثة أو الشركاء على المال أو على ولايته، وقد حدث هذا بالفعل في حالات كثيرة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: الآثار المترتبة على إقحام الخصوم للأوقاف في خلافاتهم على الأراضي والعقارات الخاصة بهم:*

➖➖➖➖➖

*▪️تترتب على ذلك آثار سلبية بالغة الخطورة على الأوقاف من أهمها تشوية سمعة وزارة الأوقاف واظهارها بين المواطنين على انها جهة غير نظامية لا تتوفر لديها البيانات والمعلومات عن أموال الوقف وانها من جملة المتهبشين الذين يدعون ملكية أموال الغير من غير دليل ولا برهان، وذلك بدوره يؤدي إحجام المواطنين عن التعاون مع الأوقاف، إضافة إلى أنه يترتب على إقحام الأوقاف صدور أحكام ضد الأوقاف تكون سوابق ملزمة للأوقاف مستقبلاً في خلافاتها المستقبلية، علاوة على أن هذا الاقحام يولد لدى القضاة وغيرهم قناعة مسبقة بأن دعاوى الأوقاف لا تساندها أدلة، فيتعامل القضاء وغيره مع قضايا الأوقاف على هذا الأساس اي ان الأوقاف لاتعتني بقضاياها ولاتتوفر لديها الادلة، وهذا الأمر يفسر كثرة الأحكام التي تصدر ضد الأوقاف، وكذا يترتب على هذا المسلك تكبيد الأوقاف مبالغ طائلة كمصاريف وتعويضات في قضايا ليس للأوقاف فيها ناقة ولا جمل.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: الطرق القانونية لتعامل الأوقاف مع محاولات إقحامها في خلافات الخصوم:*

➖➖➖➖➖

*▪️صرح الحكم محل تعليقنا بأنه ما كان ينبغي لوزارة الأوقاف أن تستجيب لمحاولات الخصوم في إقحامها في خلافاتهم وجعل الأوقاف مطية للوصول إلى أغراض الخصوم غير المشروعة في مصادرة أموال الأخرين وجعلها أوقافاً من غير أن تكون كذلك، وأرشد الحكم محل تعليقنا وزارة الأوقاف بالتعامل مع هذه المحاولات بحسب الطرق المشروعة وبحسب ماهو مقرر في قانون الأوقاف ولائحة تأجير أموال الأوقاف وبحسب طرق الإثبات المقررة في القوانين المختلفة كقانون الإثبات وقانون التوثيق وقانون السجل العقاري، ومقتضى ذلك أنه يجب على وزارة الأوقاف ان تتحقق وتتثبت بما لايدع مجالا للشك من حقيقة طلبات الاستئجار منها عن طريق المستندات المتوفرة لديها بالإضافة إلى تكليف طالب الاجارة بإثبات أن العين التي يريد استئجارها وقفاً أما عن طريق المستندات التي يقدمها طالب الاجارة أو عن طريق إثبات الوقف بالشهرة وبحسب الإجراءات المحددة في قانون الوقف الشرعي،فلا يتم تأجير طالب الايجار إلا بعد التحقق من ذلك وانه لن يترتب على الأوقاف أية تبعات أو مسئوايات أو تعويضات وغير ذلك ، فقد حدث بالفعل داخل نطاق أمانة العاصمة ان أقر أحد الأشخاص بأن العقار الذي بحوزته وقف تابع لوزارة الأوقاف حتى يتخلص من التعويضات المحكوم بها لخصومه السابقين واللاحقين ويحملها وزارة الأوقاف ويقوم باستئجار العقار من الوزارة!!!؟ والله اعلم.*