التصالح بشأن الولاية الخاصة على الوقف*

*التصالح بشأن الولاية الخاصة على الوقف*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن التصالح بشأن أموال الوقف المقرر في المادة (671) مدني لا يسري على النزاع بشأن الخلاف على الولاية الخاصة على الوقف الخاص، أما قانون الوقف الشرعي فقد اجاز التصالح بشأن الولاية الخاصة على الوقف حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19-1-2013م في الطعن رقم (46678)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((كان إطلاع الدائرة على مشتملات الملف، ومن خلاله تبين أن الطاعن يعيب على الحكم الاستئنافي المطعون فيه عدم تطبيقه للمادة (671) مدني، حيث قال الطاعن: أن المشرع حسم مسألة تصالح متولي الوقف مع خصوم الوقف في حالة ما يكون مال الوقف المتنازع عليه ثابتاً وقطعياً بالأدلة فلا يجوز الصلح على الوقف ويكون الصلح في هذه الحالة باطلا، واجاز المشرع للمتولي التصالح بشأن الوقف إذا توفرت إحدى الحالتين المذكورتين في النص السابق...إلخ، والدائرة تجد أن ما اثاره الطاعن بشأن تطبيق المادة (671) مدني  إستدلال في غير محله، لأن أحكام هذه المادة يتعلق بشأن الصلح على أموال الوقف، والمحكمة أقرت النظارة بموجب وقفية الواقف)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: التصالح على الوقف بموجب المادة (671) مدني:*
➖➖➖➖➖

*▪️كان النقاش في الحكم محل تعليقنا بشأن إمكانية تطبيق المادة (671) مدني التي نظمت التصالح بشأن الوقف، حيث نصت هذه المادة على أنه: (لا يصح الصلح ممن لا يملك التبرع كالصبي المأذون له وولي الصغير وناظر الوقف ومن إليهم إلا في حالتين: -1- إذا كان مدعياً لمن يمثله وكان المدعى عليه منكراً ولا بينة للمدعي فله أن يتصالح عن بعض الحق ولا تبرأ ذمة الغريم من الباقي -2- إذا كان من يمثله مدعى عليه ولدى المدعي بينة وحكم بثبوت الحق فيصالح عنه بما أمكنه)، فهذا النص قرر أن الأصل عدم جواز الصلح بشأن أموال الوقف، لأن متولي الوقف أو ناظر الوقف لا يملك رقبة الوقف، فولايته قاصرة على إدارة أموال الوقف والمحافظة عليها والدفاع عنها ، إضافة إلى أن الصلح يتضمن معنى الاسقاط من قبل المصالح، وفي هذا المعنى نصت المادة (668) مدني على أن: (الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً، وذلك بأن يتنازل كل منهما عن جزء من إدعائه)، ولذلك فالأصل أنه لا يجوز لمتولي الوقف أن يتنازل أو يسقط أي جزء من الوقف، لأنه ليس مالكاً للوقف وإنما ولايته قاصرة على إدارة مال الوقف، ولكن يرد على هذا الأصل الاستثناء المقرر في المادة (671) مدني السابق ذكرها، التي اجازت على سبيل الاستثناء التصالح بشأن مال الوقف عندما تنعدم الأدلة عند متولي الوقف وتكون أدلة خصم الوقف قوية يترجح معها أن يكون الحكم القضائي لصالح خصم الوقف، فعندئذ يجوز التصالح ويتم التصالح على وفق إجراءات التصالح المحددة في القانون المدني وقانون المرافعات.*
 
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: إمكانية التصالح بشأن إدارة أموال الوقف (الولاية على الوقف):*
➖➖➖➖➖

*▪️
*سعى الطاعن في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا إلى تطبيق المادة (671) مدني على القضية على أساس ان هذا النص ينطبق على الخلاف بشأن الولاية على الوقف، لأن النص من وجهة نظر الطاعن عام يتناول أي خلاف بشأن الوقف سواء تعلق هذا الخلاف بمال الوقف ذاته أو ولايته، وذكر الطاعن أن مال الوقف في خطر عظيم، لأن متولي الوقف عاجز عن القيام بأمر الوقف وان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم الاستئنافي قد قبل تصالح ذرية الواقف على الولاية الخاصة على وقف مورثهم ونقل الولاية من  المتولي السابق إلى غيره، مع انه غير صالح للولاية حسبما ذكر الطاعن، في حين قضى الحكم محل تعليقنا بأن نص المادة (671) مدني لا يصلح تطبيقه فيما يتعلق بالنزاع أو الخلاف على الولاية الخاصة على الوقف الخاص، لأن الواقف نفسه قد حسم هذه المسألة فقد حدد في وقفيته المتولي للوقف وشروط المتولي وإجراءات إنتقال الولاية إلى غيره، وان الحكم قد التزم بنص الواقف وشروطه فيما يتعلق بالاستناد إلى التصالح على نقل  الولاية إلى  المطعون ضده، وإستناداً إلى ذلك فقد قضت محكمة أول درجة بصحة ولاية المتولي للوقف الخاص بموجب الصلح الذي تم بين ذرية الواقف الذي تم على وفق شروط  الواقف والإجراءات المحددة في وقفية الواقف.*
*ومن وجهة نظرنا فان قضاء الحكم محل تعليقنا سديد، لأن نص المادة (671) مدني لا ينطبق على النزاع على الولاية على الوقف، لأن الوقفية هي التي عينت الولاية على الوقف وشروطها وكيفية إنتقالها وإجراءات ذلك، وان لم تتضمن الوقفية ذلك فإن قانون الوقف قد نظم الولاية على الوقف بصفة عامة بما في ذلك الوقف الخيري الخاص، حيث اجازت المادة (49) من قانون الوقف لمتولي الوقف أن يسند الولاية إلى غيره، حيث نصت هذه المادة في نهايتها على أنه: (يجوز لذي الولاية الخاصة إسناد الولاية لمن يرى فيه الصلاح بغير عوض) ومفهوم هذا النص أنه يجوز لولي الوقف الخاص أن يصالح على الولاية على الوقف وان ينقلها إلى من هو أصلح منه، أما المادة (50) من قانون الوقف فقد كانت أكثر صراحة في هذا الشأن، حيث نصت على أن: (التنازل عن الولاية إذا كان بعوض باطل، ويبطل التنازل ويعود الوقف لذي الولاية العامة) ومؤدى هذه المادة أنه: يجوز التصالح بشأن الولاية على الوقف الخاص شريطة أن يكون من غير مقابل، وقد سبق لنا القول بأن الصلح معناه التنازل، وصفوة القول: أن  الأصل بالنسبة للصلح على مال الوقف غير جائز الا في الحالتين المحددتين في المادة(671 ) مدني السابق ذكرها، اما الصلح بشأن الولاية الخاصة على الوقف الخاص فقد اجاز قانون الوقف الصلح بشأنها بحسب الضوابط المحددة في المادتين(49 و51) من قانون الوقف السابق ذكرهما، والله اعلم.*