*لا يقبل الطلب العارض إذا ترتب عليه إرجاء الفصل في الدعوى الأصلية*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن الطلب العارض لا يقبل إذا ترتب عليه إرجاء الفصل في الدعوى الأصلية التي تكون صالحة للفصل فيها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-4-2014م في الطعن رقم (54635)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((أما من حيث الموضوع فإن الدائرة بعد الإطلاع على الأوراق مشتملات الملف تجد أن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه مخالفته للمادة (288) مرافعات، حيث ذكر الطاعن في العريضة: أنه كان الواجب على محكمة الاستئناف إلغاء الحكم الابتدائي وإعادة القضية إلى المحكمة الابتدائية للفصل في الطلب العارض، وذكر الطاعن بطلان الحكم الاستئنافي لتأييده الحكم الابتدائي الباطل، وحيث أن ما اثاره الطاعن في غير محله، فليس له سند في الأوراق والقانون، ذلك أن الطلب العارض المقدم من الطاعن أمام محكمة أول درجة في مواجهة الدعوى الأصلية المرفوعة ضده من المدّعى قد أوضحت محكمة أول درجة بشأن ذلك الطلب العارض ما فيه الكفاية حسب ماهو ثابت في أسباب حكمها التي تضمنت أن لصاحب الطلب العارض الحق بتقديم دعوى مستقلة إن أراد ذلك أمام المحكمة المختصة، وهو ما أكدته الشعبة الاستئنافية في أسباب حكمها المطعون فيه وفي منطوق حكمها بعد أن اوضحت انها لا تنظر إلا فيما فصلت فيه المحكمة الابتدائية، فلا وجه لطلب المستأنف من الشعبة النظر في طلبه العارض، ومن ثم فان الشعبة الاستئنافية تكون قد اصابت فيما قضت به في منطوق حكمها المطعون فيه من التأييد للحكم الابتدائي، وبررت لذلك بأسباب سائغة وعلى سند من الأوراق والقانون، ولذلك فلا تأثير للطعن لخلوه من أية حالة من حالاته المنصوص عليها في القانون، الأمر الذي يتعين معه رفض الطعن موضوعاً)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: السند القانوني للحكم بعدم إرجاء الفصل في الدعوى الأصلية بسبب تقديم الطلب العارض:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بعدم جواز إرجاء الحكم في الدعوى الأصلية إذا كانت صالحة للفصل فيها بسبب تقديم الطلب العارض، وسند الحكم محل تعليقنا في ذلك المادة (203) مرافعات التي نصت على أنه: (ولا يترتب على الطلبات العارضة أو التدخل إرجاء الحكم في الدعوى الأصلية متى كانت صالحة للحكم فيها) فقد كان المدعي المطعون ضده كان قد تقدم بدعوى ضد الطاعن أمام المحكمة الابتدائية طالباً من المحكمة الزام الطاعن بسداد نصيبه من إيجار العين المؤجرة للطاعن، وفي مواجهة هذه الدعوى الأصلية أقر الطاعن بأنه مستأجر للعين وأنه لم يدفع حصة المدعي من إيجار العين المؤجرة له، غير أن الطاعن ذكر بعد عدة جلسات أنه لم يدفع حصة المطعون ضده من الإيجار، لان المطعون ضده مستأجر منه دكان وأن المطعون ضده لم يسدد له إيجارات ذلك الدكان منذ أكثر من عشرة اشهر ولهذا السبب فقد امتنع الطاعن عن دفع حصة المطعون ضده من الإيجارات، وبعد عدة جلسات أخرى تقدم الطاعن بطلب عارض مفاده: أنه يطالب من المحكمة إلزام المطعون ضده بإخلاء الدكان المؤجر له، حيث فصلت محكمة أول درجة في الدعوى الأصلية والزمت الطاعن بسداد الإيجار المستحق عليه للمطعون ضده، وقضى الحكم ذاته برفض الطلب العارض المقدم من الطاعن، لأنه لم يقم بإخطار المطعون ضده بسداد الإيجارات المستحقة له بذمة الطاعن بإعتبار ذلك الإخطار من متطلبات دعوى الاخلاء حسبما هو مقرر في قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ولذلك فإن الطلب العارض بالإخلاء ليس صالحاً للفصل فيه، واردف الحكم الابتدائي :انه بوسع الطاعن أن يرفع دعوى إخلاء مستقلة، لأن الدعوى الأصلية المرفوعة من المطعون ضده صالحة للحكم بعد أن أقر الطاعن نفسه بأنه لم يدفع إيجارات 15 شهراً إلى المطعون ضده.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: وقت تقديم الطلب العارض:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا برفض الطلب العارض الذي تم تقديمه في الوقت الذي صارت فيه الدعوى الأصلية صالحة للحكم فيها، لأن قبول الطلب العارض في هذا الوقت سيؤدي حتماً إلى إرجاء الحكم في الدعوى الأصلية، وذلك يخالف المادة (203) مرافعات السابق ذكرها، حيث سيترتب على نظر المحكمة للطلب العارض مواجهة الخصم الآخر بالطلب والاستماع إلى أدلة المتقدم بالطلب العارض وأدلة المدعى عليه بالطلب العارض، وذلك كله يقتضي من المحكمة إجراء التحقيق والبحث والدراسة لمذكرات ومرافعات الخصوم المتعلقة بالطلب العارض، وذلك كله سيترتب عليه إرجاء الحكم في الدعوى الأصلية الصالحة للحكم فيها.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: الطلبات العارضة والتقاضي الكيدي:*
➖➖➖➖➖
*▪️لا ريب أن للطلبات العارضة دواعيها القانونية حسبما هو مقرر في قانون المرافعات الذي نظم الطلبات العارضة وحددها بالنسبة للمدعي والمدعى عليه وبين إجراءاتها، إلا أنه ليس خافياً على أحد أن سوء إستعمال الطلبات العارضة واجهة من واجهات التقاضي الكيدي، حيث يعمد بعض الخصوم إلى اشغال خصومهم اثناء سير إجراءات نظر الدعوى الأصلية بطلبات عارضة ليس سند في الواقع أو القانون، ومرافعات الخصوم أمام المحاكم تشهد على ذلك، فلا تخلو غالبية مرافعات الخصوم من الطلبات العارضة الكيدية التي لا يستهدف منها طالبها إلا تعقيد القضية وتركيبها من عدة دعاوى وطلبات ودفوع، حيث يتعذر على القاضي الفصل في القضية المركبة من دعاوى عدة خاصة ان الطلبات العارضة المذكورة في المادتين (198 و199) مرافعات يفهم من صيغتهما أن الطلبات العارضة المذكورة فيها على سبيل المثال وليس الحصر، فضلاً عن أن مفهوم الطلبات العارضة المذكورة في المادتين المشار اليهما واسع وفضفاض يتيح للخصوم سوء استعمال الطلبات العارضة، ولذلك نجد أن غالبية القضايا تتحول من دعوى واحدة بسيطة إلى دعاوى عدة مركبة إضافة إلى الدفوع فتتركب القضايا وتتعقد.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: الطلبات العارضة وظاهرة العدالة المتأخرة:*
➖➖➖➖➖
*▪️ذكرنا في الوجه السابق أن الطلبات العارضة التي ينحرف بعض الخصوم في استعمالها مثل الحراسة القضائية ومنع السفر والمقاصة وطلبات التعويض وغيرها من الطلبات التي ليس لها سند التي لايهدف منها مقدم الطلب العارض الا تعطيل الفصل في الدعوى الأصلية وتعقيد القضية وتركيبها، وعلى هذا الأساس فإن سوء استعمال الطلبات العارضة سبب من أسباب بطء إجراءات التقاضي، وعائق من أهم عوائق تحقيق العدالة الناجزة، كما أنها عائق من عوائق وضع سقوف زمنية لإجراءات التقاضي، لأن الطلبات العارضة من اسمها تطرأ فتخل بالسقوف المقررة والمحددة للفصل في القضايا.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الخامس: لا يجوز لمحكمة الاستئناف الفصل في الطلب العارض الذي لم تفصل فيه المحكمة الإبتدائية*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بذلك حسبما هو ظاهر بأسباب الحكم، لان محكمة أول درجة لم تفصل في هذا الطلب، ومحكمة الاستئناف مقيدة بموجب المادة(٢٨٨ ) مرافعات في الفصل في حدود المسائل التي فصل فيها الحكم الابتدائي،فطالما ان محكمة أول درجة لم تفصل في الطلب العارض فلايجوز لمحكمة الاستئناف الفصل فيه، إضافة إلى ان الفقرة(د ) من المادة(٢٨٨ ) مرافعات قد صرحت بأنه لايجوز للخصوم ان يقدموا طلبات جديدة أمام محكمة الاستئناف ، ويتاسس تقيد محكمة الاستئناف على أساس مبدأ التقاضي على درجتين، فلو جاز لمحكمة الاستئناف ان تفصل فيما لم يفصل فيه الحكم الابتدائي لترتب على ذلك حرمان الخصوم من درجة من درجات التقاضي، والله اعلم.*