*نفي المسئولية الطبية بشهادة الشهود*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️الغالب في إثبات المسئولية الطبية أو نفيها ان يتم ذلك عن طريق الخبرة الطبية، لأن الغالب في الأعمال الطبية أن تكون آثارها على المريض أو المصاب خفية لا تشاهدها أعين المشاهدين، ولكن في بعض الحالات يمكن الاستدلال على أسباب الوفيات أو الاصابات من خلال اقوال أو افعال وتصرفات ظاهرة يشاهدها الشهود، مثل رفض أو اعتراض أقارب المريض أو المصاب على إجراء العملية الجراحية العاجلة في الوقت المناسب، فيؤدي ذلك الاعتراض إلى تفاقم حالته المرضية، فعندئذ يكون بالإمكان نفي مسئولية المستشفى عن عدم القيام بالتدخل الجراحي العاجل للمصاب عن طريق شهادة الشهود، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-5-2014م في الطعن رقم (54519)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((والدائرة بعد رجوعها إلى أوليات القضية مشتملات الملف وجدت أن الطاعن قد نعى على الحكم المطعون فيه البطلان لثبوت واقعة الإهمال والتقصير من قبل إدارة المستشفى نحو مصابهم مما سبب له مضاعفات صحية سببت لهم اعباء مالية كبيرة لعلاجها، وان هذه المضاعفات ثابتة في تقرير نقابة الاطباء المؤرخ... وشهادة الاطباء وخصوصاً الطبيب... و....إلخ، والدائرة تجد أن هذه المناعي ليست صحيحة ولا تجد سندها في الأوراق والقانون، فتقرير نقابة الاطباء والصيادلة اليمنيين وان كان قد ذكر بأن المضاعفات التي حدثت بالمريض كانت نتيجة لتأخر إجراء العملية الجراحية، إلا أن التقرير لم يجزم بالقطع واليقين بأن ذلك كان بسبب إهمال وتقصير إدارة المستشفى المدعى عليه بل ذكر أنه يوجد تضارب في الأقوال عن الجهة المتسببة بذلك، فقد وجد في ملف المريض ان الطبيب المعالج لم يتمكن من إجراء العملية نتيجة لرفض اقارب المريض إجراء أي تدخل جراحي بينما اقارب المريض ينفون ذلك، وقد اثبت المستشفى أن اهالي المريض هم الذين رفضوا إجراء العملية، وذلك بشهادة الشاهدين.... و.... اللذين تضمنت شهادتهما ان اقارب المريض قالوا : انهم لن يوقعوا بالموافقة على العملية إلا بعد أن يحضر أخو المصاب الذي لم يحضر إلا الساعة الثامنة والنصف مساء، وعند حضوره طلب نقل اخيه إلى المستشفى العسكري وانزلوه إلى سيارة الاسعاف، ولا ينال من شهادتيهما انهما كانا يعملان لدى المستشفى المدعى عليه، لأن العبرة في تحقق الشروط اللازم توفرها في الشاهد هي بحالته حين أداء الشهادة وفقاً للمادة (28) من قانون الإثبات، فالثابت أن الشاهدين المذكورين قد تركا العمل لدى المستشفى المدعى عليه قبل ثلاث سنوات من تاريخ أدائهم للشهادة مما يجعل شهادتهما مقبولة في هذه القضية، لذلك يكون ما نسب إلى المستشفى من التقصير والإهمال غير مؤيد بدليل معوّل عليه، بل أنه ثبت خلاف ذلك فقد ثبت ان المستشفى المدعى عليه قد قام بواجبه المهني تجاه المصاب كما جاء في تقرير نقابة الاطباء والصيادلة اليمنيين المؤرخ.... الذي تضمن ان المريض..... وصل إلى المستشفى حوالي الساعة الثانية والنصف ظهراً بتاريخ..... إلى قسم الطوارئ على أثر اصابته بطلقة نارية في الفخذ، وبعد ان أجرى اطباء الطوارئ ما يلزم للمريض تم ترقيده في قسم العناية المركزة وتم استدعاء الدكتور.... اخصائي جراحة العظام، الذي لاحظ اثناء مشاهدته للأشعة التي اجريت للمريض اثناء وصوله إلى قسم الطوارئ ان هناك كسر مفتوح في الثلث الاسفل من عظم الفخذ الأيسر، وقد قرر في حينه إجراء عملية جراحية للمريض في حينه إلا أن أقارب المريض رفضوا إجراء أية عملية حسبما افاد الدكتور المشار إليه، أما ما حصل للمريض من فشل كلوي فقد ذكر الشاهد الدكتور.... ان ذلك يحدث وتتم معالجته بطرق مختلفة من ضمنها الغسيل، حيث تم نقل المصاب إلى مستشفى الثورة لعمل الغسيل في اليوم الثالث وبدأت الكلى تعمل ويدر البول، ثم طلب أهل المريض سفره للخارج واعلمهم الشاهد بأنها خسارة كبيرة عليهم وحالة المصاب جيدة وما سيعملوا له في الخارج سيتم عمله هنا، ولكنهم أصروا فأخبرهم بأنه لا يستطيع منعهم، وحيث أن الأمر كما ذكر فإن الطاعنين يكونوا قد فشلوا في إثبات أن المضاعفات التي لحقت بمورثهم كانت بسبب إهمال وتقصير المستشفى المطعون ضده لعدم قيامهم بإثبات أنهم قاموا بالتوقيع على نموذج الموافقة على إجراء العملية لمورثهم داخل المستشفى المدعى عليه الأمر الذي يجعل قضاء الحكم الاستئنافي المطعون فيه موافقاً للقانون)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: مجال إثبات المسئولية الطبية ونفيها عن طريق الشهادة:*
➖➖➖➖➖
*▪️من المسلم به ان إثبات المسئولية الطبية ونفيها له خصوصيته، لأن تأثير الأعمال الطبية في المريض خفية لا تدركها اعين المشاهدين في الغالب، ولذلك تكون أعمال الخبرة الطبية هي الوسيلة الغالبة في إثبات المسئولية الطبية أو نفيها (خصوصية المسئولية المدنية في مجال الدواء، د. شحاته غريب ص58)، غير أن الشهادة لها مجالها في إثبات المسئولية الطبية أو نفيها، حيث يكون مجال الإثبات بالشهادة الاقوال والأفعال والوقائع المادية التي يمكن للشاهد مشاهدتها أو الأقوال التي يسمعها الشاهد، مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، حيث شهد الشاهدان أن أقارب المصاب اعترضوا على قيام المستشفى بإجراء العملية الجراحية للمصاب عند اسعافه إلى المستشفى الساعة 2:30 بعد الظهر حيث رفضوا ذلك حتى يحضر اخوه الذي لم يحضر إلى المستشفى إلا الثامنة والنصف من مساء اليوم ذاته، فواقعة الرفض تمت عن طريق أقوال تلفظ بها أقارب المصاب، فذلك مما يمكن ادراكه بالمشاهدة وسماع أقوال هؤلاء الأقارب، وكذا رفض أقارب المصاب التوقيع على نموذج الموافقة على إجراء العملية، فواقعة الإمتناع والرفض تم إثباتها عن طريق شهادة الشهود ، ولذلك فقد أستند الحكم محل تعليقنا إلى أقوال الشهود.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: شهادات الاطباء ومعاونيهم والعاملين في المستشفى للمستشفى وعليها، وشهادات الاطباء على بعضهم:*
➖➖➖➖➖
*▪️ناقش الحكم محل تعليقنا هذه المسألة، وبعد المناقشة قبل الحكم شهادة شاهدي المستشفى المدعى عليه مع انهما عند تحملهما الشهادة كانا يعملا في ذلك المستشفى، وقد قبل الحكم شهادتيهما لأنهما قد تركا العمل بالمستشفى قبل ثلاث سنوات من تاريخ ادلائهما بشهادتيهما، وسند الحكم في ذلك: أن العبرة بوقت اداء الشهادة وليس وقت تحمل الشهادة، فبعد ترك الشاهدين العمل بالمستشفى جاز الاستدلال بشهادتيهما، لأنهما عند ادلائهما بالشهادة لم يعد لهما مصلحة بالمستشفى المشهود له، فشهادتيهما لا تجلب لهما نفعاً ولا تدفع عنهما ضرراً، وسند الحكم محل تعليقنا في ذلك أن المادة (27) إثبات قد نصت على أنه: (يشترط في الشاهد: -د- أن لا يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً –و- أن لا يشهد على فعل نفسه مع مضنة التهمة)، إضافة إلى أن المحظور ان يشهد الشاهد للمستشفى اثناء عمله فيها لانه (شهادة العامل لصاحب العمل أو الخادم لمخدومه لاتكون مقبولة) اما بعد ترك الطبيب العمل في المستشفى فإن شهادته تكون مقبولة للمستشفى، لان المادة (28) إثبات قد نصت على أن: (العبرة في تحقق الشروط اللازم توفرها في الشاهد هي بحالته حين اداء الشهادة)، وعلى أساس ما قضى به الحكم محل تعليقنا وما نص عليه قانون الإثبات: فتقبل شهادة الطبيب ومعاونيه للمستشفى بعد تركهما للعمل في المستشفى كما تقبل شهادة الطبيب على المستشفى حتى لو كان ما زال يعمل في المستشفى، لانه لايكون في هذه الحالة متهما في شهادته، ولانه من الجائز في الشريعة والقانون ان يشهد العامل على رب عمله والقريب على قريبه عملا بقوله تعالى (وشهد شاهد من أهلها).*
*أما بالنسبة لشهادات الاطباء ومعاونيهم على بعضهم بعضاً، فهي جائزة حتى إذا كان جميعهم متهمون، وفقاً للمادة (36) إثبات التي نصت على أنه: (تقبل شهادة المثل على مثله إذا ظن القاضي صدقها إلا أن يشتهر الشاهد بشهادة الزور أو حلف الفجور).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: الترجيح بين الشهادات في المسئولية الطبية:*
➖➖➖➖➖
*▪️من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا، نجد أن الحكم قد رجح بين الشهادات المتعارضة، فقد تمسك المدعون على المستشفى بشهاده شاهدين على أن المستشفى اهمل المريض فلم يقم بأي تدخل جراحي منذ اسعافه إلى المستشفى وقت الظهر حتى التاسعة ليلاً – وان ذلك الاهمال كان سبباً في تفاقم حالته المرضية، في حين أن المستشفى المدعى عليه استشهد أيضاً بشاهدين على أن سبب توقف المستشفى عن إجراء العملية الجراحية للمصاب في الوقت المناسب لا يرجع إلى إهمال المستشفى وإنما كان ذلك بسبب رفض أقارب المصاب ومنعهم للمستشفى من القيام بواجبه في إجراء العملية الجراحية للمصاب في الوقت المناسب، وقد رجح الحكم شهادة شاهدي المستشفى، لأن شهادتهما قد اثبتت واقعة رفض ومنع أقارب المصاب للمستشفى من إجراء التدخل الجراحي، في حين كانت شهادة شاهدي المدعين على المستشفى قد ذهبت إلى أن المستشفى لم يقم بواجبه في إجراء العملية الجراحية في الوقت المناسب، غير أن تلك الشهادات لم تبين سبب احجام المستشفى عن التدخل الجراحي في الوقت المناسب.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: ترجيح الشهادات عن طريق وسائل الإثبات الأخرى:*
➖➖➖➖➖
*▪️من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد أنه قد استدل بصفة أساسية بالشهادات لنفي مسئولية المستشفى غير أنه رجح شهادة الشاهدين اللذين استدل بهما المستشفى على شهادة شاهدي المدعين على المستشفى لصراحة شهاد شاهدي المستشفى فيما يتعلق بسبب عدم إجراء العملية الجراحية في الوقت المناسب ، وأيضاً رجح الحكم محل تعليقنا شهادة شاهدي المستشفى عن طريق التقرير الطبي الذي اعده اتحاد الاطباء والصيادلة اليمنيين، وكذا استدل الحكم بالتقارير الطبية الموجودة بملف المصاب في المستشفى التي كانت ترصد حالته المرضية وتفاقمهما منذ اسعافه إلى المستشفى والتي تضمنت الملاحظة: بأن أقارب المريض منعوا المستشفى من التدخل الجراحي وإجراء العملية الإسعافية، وكذا تم ترجيح شهادة شهود المستشفى عن طريق خلو نموذج الموافقة على إجراء العملية من توقيعات أقارب المصاب بما يفيد موافقتهم على إجراء العملية المريض، والله اعلم.*