*حكم الطعن بعدم دستورية النظام الأساسي لنقابة المحامين*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️رقابة المحكمة العليا على دستورية التشريعات قاصرة على التشريعات الأساسية والعادية والفرعية الصادرة عن الجهات الرسمية (الدولة) لضمان إعمال وتطبيق مبدأ سمو الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات، ولذلك فلا تمتد الرقابة القضائية على دستورية التشريعات إلى التشريعات الصادرة من النقابات المهنية ولو كانت تهدف إلى تنظيم مهن واعمال فئات ذات نفع عام، ومن هذا المنطلق لا تمتد رقابة القضاء الدستورية إلى النظام الأساسي لنقابة المحامين، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-1-2014م في الطعن المقيد لدى المحكمة العليا برقم (54038)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((ان الرقابة القضائية على دستورية التشريعات مبناها مراقبة التشريعات أياً كان نوعها أصلية كالقوانين أو فرعية كاللوائح أو القرارات أو الأنظمة من انتهاكها للدستور، وهي رقابة الشرعية التي يكون محلها التشريعات الصادرة من سلطة عامة تتمتع بالعمومية والتجريد، ويترتب على ذلك انحسار ما دون ذلك من رقابة الدستورية أمام الدائرة الدستورية، كأعمال أشخاص القانون الخاص كالنقابات والمنظمات والمؤسسات التي يكون مجال رقابتها أمام القضاء العادي، فهي إلى رقابة المشروعية أقرب، وقطب الرحى في إثارة هذه المسألة مرده إلى المادة رقم (123) من النظام الأساسي لنقابة المحامين التي تنص على أنه: (لا يجوز للمحامي أن يقبل الوكالة في أية قضية مرفوعة ضد زميله أو أن يرفعها ضده أو يترافع فيها إلا بعد استئذان النقيب أو رئيس مجلس الفرع الذي يتبعه الزميل مالم يأذن له زميله بالترافع ضده)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الوضعية القانونية للنظام الأساسي لنقابة المحامين اليمنيين:*
➖➖➖➖➖
*▪️صدر النظام الأساسي لنقابة المحامين بمقتضى المادة (112) من قانون المحاماة التي نصت على أن: (يصدر النظام الأساسي للنقابة بأغلبية أعضاء الجمعية العمومية ولا يجوز أن يتضمن نصوص أو أحكام تتعارض مع أحكام الدستور وهذا القانون) وإستناداً إلى هذا النص فقد انتخبت الجمعية العمومية للمؤتمر العام لنقابة المحامين1997 لجنة من المحامين لصياغة النظام الأساسي مكونة من الأخوة (أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، الأستاذ إسماعيل المداني، الأستاذ سليمان عقلان، الأستاذة راقية حميدان، الدكتورة الهام العاقل) حيث قامت تلك اللجنة بصياغة النظام الأساسي مستفيدة من النظم المماثلة لنقابات المحامين في الدول العربية، ثم تم عرض مشروع النظام على الجمعية العمومية التي أقرته، وقد اشتمل النظام الأساسي على بيان وتفصيل الأحكام والنصوص المجملة في قانون المحاماة كالتسميات والتعاريف والمبادئ والأهداف ومكونات النقابة كالجمعية العامة ومجلس النقابة وإجراءات القيد في جداول المحامين وشروطه وإجراءاته وتراخيص مزاولة المهنة وفروع النقابة والجمعية العمومية للفرع ومجلس فرع النقابة وحقوق وواجبات المحامين والمجالس التأديبية والمخالفات والعقوبات المقررة عليها وإختصاصات مجلس التأديب والطعن في قرارات النقابة وهيئاتها ومالية النقابة، وغير ذلك من التفاصيل، ومن ذلك يظهر أن النظام الأساسي للنقابة قد صدر بموجب القانون حيث احال القانون إلى الجمعية العمومية لنقابة المحامين إصداره، كما أن قانون المحاماة ذاته قد اشترط أن لا يخالف النظام الأساسي الدستور أو قانون المحاماة، ونخلص من ذلك إلى أن النظام الأساسي لنقابة المحامين يكون بمثابة لائحة تنفيذية للقانون إلا أنه لم يصدر من جهة حكومية أو شخص من أشخاص القانون العام حسب تعبير الحكم محل تعليقنا.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: الزامية النظام الأساسي لنقابة المحامين للمحامين والجهات كافة:*
➖➖➖➖➖
*▪️سبق القول أن النظام الأساسي لنقابة المحامين قد صدر بمقتضى قانون المحاماة الذي أحال إلى الجمعية العمومية لنقابة المحامين إصدار النظام، ولذلك فإن النظام الأساسي لنقابة المحامين ملزم للكافة ويستمد الزاميته من النص القانوني الوارد في قانون المحاماة الذي أحال إلى الجمعية العمومية إصداره، ولذلك فالنظام يتضمن قواعد عامة مجردة وملزمة سندها قانون المحاماة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: صلة النظام الأساسي لنقابة المحامين بالعمل القضائي:*
➖➖➖➖➖
*▪️وردت ضمن النظام الأساسي لنقابة المحامين قواعد تفصيلية للقواعد العامة الواردة في قانون المحاماة التي تتضمن تنظيم أعمال المحامين اثناء ترافعهم أمام القضاء، ولذلك فإن قانون المحاماة والنظام الأساسي لنقابة المحامين ينظما جانباً من إجراءات التقاضي، ولذلك استحق المحامي أن يطلق عليه اسم (القاضي الواقف).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: الرقابة الدستورية للمحكمة العليا لا تمتد إلى النظام الأساسي لنقابة المحامين:*
➖➖➖➖➖
*▪️هذا ما قضى به الحكم محل تعليقنا حسبما سبق بيانه عند عرضنا لأسباب الحكم، وسند الحكم في ذلك أن النظام الأساسي لنقابة المحامين لم يصدر من شخص من أشخاص القانون العام، مع أن الرقابة الدستورية يتسع نطاقها للرقابة على القوانين واللوائح والقرارات التنظيمية التي تصدر من الدولة والجهات التابعة للدولة أو الحكومة، في حين أن الجمعية العمومية لنقابة المحامين التي أصدرت النظام الأساسي لنقابة المحامين ليست من الجهات التابعة للحكومة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الخامس: ترافع المحامي ضد زميله:*
➖➖➖➖➖
*▪️كان الطعن المرفوع إلى المحكمة العليا في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان مرفوعا من محكمة إستئناف إحدى المحافظات، وقد تعلق بالمادة (118) من النظام الأساسي لنقابة المحامين التي حظرت على المحامي ان يترافع ضد زميله إلا بموافقة الزميل أو اذن النقيب، حيث أدعى الطاعن أن هذا النص يخالف الدستور الذي منح المواطن حق التقاضي مطلقا ، وان النص المشار إليه الوارد في النظام الأساسي قد قيد حق التقاضي وهو حق دستوري ، والواقع ان هذا النص( 118 ) من النظام قد ورد ضمن النصوص الهادفة إلى حماية مسلك المحامي المهني الرفيع ويحمي زملاء مهنة المحاماه من الضغائن والاحقاد التي يسببها ترافعهم ضد بعضهم من غير قيد أو ضابط، ولذلك قيد النظام الأساسي ترافع المحامين على بعضهم باذن النقيب الذي يسدي النصح للمحامي قبل أن يأذن له ، فهذا النص ليس قيداً على حق التقاضي وإنما هو وسيلة لسد ذريعة إنفلات مهنة المحاماة ومانع لإذكاء الصراع وتاجيجه بين المحامين الزملاء الذي يقومون بمهنة عظيمة وجليلة وواجب مقدس، لأن مهنة المحاماة ليست كغيرها من المهن، فعلى المحامي ان يحسن التعامل مع زميله وان يحسن مخاطبته ، سيما أننا نلاحظ في بعض المرافعات أن بعض المحامين يترك موضوع القضية التي يترافع فيها ويكيل السباب والشتم لزميله ، فهذا المسلك أعظم خطرا من ترافع المحامي ضد زميله، والله اعلم.*