*الخطأ الطباعي في القانون ومدى جواز الطعن بقرارات نقل القضاة وندبهم*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن قضاء المحكمة العليا في اليمن قد استقر على عدم جواز الطعن في قرارات نقل القضاة وندبهم، لان كلمة( عند) في عبارة (وذلك عند النقل والندب) الواردة في المادة (101) من قانون السلطة القضائية هي عبارة عن خطأ طباعي ظاهر، فالصحيح انها( عدا ) وليس( عند )، وعلى هذا الفهم تكون العبارة الصحيحة هي: (عدا النقل والندب) وليس: (عند النقل والندب)، وبناء على ذلك تكون قرارات نقل القضاة وندبهم محصنة من الطعن فيها أمام الدائرة ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-4-2013م في الطعن رقم (50479)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((حيث أن قضاء هذه الدائرة قد استقر على أن قانون السلطة القضائية قد استثنى قرارات النقل والندب من إختصاص الدائرة وان لفظ (عند) الوارد في المطبوعات القانونية ضمن المادة (101) من قانون السلطة القضائية هو (عدا) ولم يستجد ما يوجب على الدائرة العدول عن اجتهادها السابق بأن نص المادة (101) من قانون السلطة القضائية هو (تختص الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا دون غيرها بالفصل في الطلبات التي يقدمها رجال القضاء بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شئونهم وذلك عدا النقل والندب متى كان الطلب منصباً على عيب الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو خطأ في تطبيقها أو إساءة إستعمال السلطة، كما تختص تلك الدائرة دون غيرها بالفصل في طلبات التعويض عن تلك القرارات والفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لرجال القضاء أو لورثتهم، ولا يجوز أن يجلس للفصل في هذه المسائل من كان عضواً في المجلس الأعلى للقضاء إذا كان قد اشترك في القرار الذي رفع الطلب بسببه) فهذا النص يقصد عدا النقل والندب وليس عند النقل والندب، وتستند الدائرة في قضائها إلى الآتي:*
*1- نص المادة (101) من قانون السلطة القضائية اليمني مستمد من قانون السلطة القضائية المصري الذي اطرد على استثناء قرارات النقل والندب من الطعن عليها حتى تاريخ 16-مايو-1982م حين اصدرت المحكمة الدستورية العليا المصرية حكماً في القضية المقيدة بجدولها برقم (10) لسنة 1 قضائية دستورية قضى فيما قضى به بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (83) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار لقانون رقم (46) لسنة 1972م والمعدل بالقانون رقم (49) لسنة 1973م فيما تضمنه من عدم جواز الطعن في قرارات النقل والندب لرجال القضاء والنيابة العامة أمام الدائرة المختصة بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شئونهم، فالمشرع المصري إحتراماً منه لحكم المحكمة الدستورية العليا المصرية المشار إليه قام بتعديل قانون السلطة القضائية بتاريخ 29-يونيو-2006م بموجب القانون رقم (142) لسنة 2006م تم بموجبه تعديل المادة التي استثنت قرارات النقل والندب من الطعن عليها ليجعل جميع القرارات خاضعة لرقابة القضاء.*
*2- ان الوقوف على قصد المشرع اليمني يفضي إلى القول بأن كلمة (عند) الواردة في المطبوعات القانونية طبعت خطأ، إذ أن المقصود بها هو كلمة (عدا) وذلك للآتي:*
*أ- النقل والندب هما من الأمور المتعلقة بسير أداء القضاء ولا يتعلق بحقوق ومصائر رجال القضاء كالترقية والتعيين والنقل النوعي، فلا يقبل في المنطق والعقل ان يحصر المشرع إختصاص الدائرة بالفصل في القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بسير أداء القضاء كالنقل والندب ويستثنى من إختصاص الدائرة الفصل في القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بحقوقهم ومصائرهم، فلا يستقيم الأمر إلا إذا كان للفظ الوارد في نص المادة (101) هو عدا وليس عند.*
*ب- أن المشرع لو اراد ان يجعل جميع القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شئون القضاة غير محصنة من الطعن عليها بدعوى الإلغاء لما احتاج إلى القول: وذلك عند النقل والندب ولا إلى القول عدا النقل والندب.*
*ج- أنه لا يمكن تعطيل المنطق والعقل في مواجهة لفظ ثبت بما لا يدع مجالاً للشك خطأ وروده، ولما سبق فإن الدائرة تتمسك بإجتهادها السابق وتقرر قبول دفع المدعى عليه، والقضاء بعدم إختصاصها بنظر الدعوى) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الحكم بأن كلمة (عند) خطأ طباعي في المادة (101) من قانون السلطة القضائية:*
➖➖➖➖➖
*▪️استنتج الحكم محل تعليقنا من عدة قرائن ان كلمة (عند) في المادة (101) هي خطأ طباعي في المطبوعات القانونية وان الكلمة الصحيحة هي (عدا) وليس (عند) حسبما ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا، وقد توصل الحكم إلى هذه النتيجة من خلال قرائن كثيرة أهمها ان صيغة النص تفيد ان قرارات النقل والندب مستثناة من الطعن فيها، وكذا أستند الحكم إلى المصدر التاريخي لقانون السلطة القضائية اليمني وهو نظيره المصري قبل تعديله الذي كان تضمن الكلمة الصحيحة (عدا) قرارات النقل والندب، وقد توصل الحكم من خلال المقدمات التي ساقها في أسبابه إلى النتيجة التي توصل إليها في حكمه بأن كلمة (عند) خطأ طباعية، وان الكلمة الصحيحة هي (عدا) حسبما هو مبين في أسباب الحكم محل تعليقنا السابق ذكرها.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: السلطة المختصة بالتقرير بوجود خطأ طباعي في القانون وإجراءات تصحيحه:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن كلمة (عند) خطأ طباعية، لان الطاعن بقرار نقله تمسك أمام الدائرة بالمادة( 101) التي تضمنت الخطا الطباعي، فعندئذ لم يكن هناك أمام الدائرة مندوحة سوى التقرير بأن كلمة (عند) خطأ طباعي، اما في غير ذلك فإن هناك إجراءات قانونية يجب اتباعها في تصحيح الخطا الطباعي، وهناك دراسة تم اعدادها من فريق الخبراء التابع لجامعة الدول العربية عام 2009 المكون من (أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين اليمن ق. تهاني الجبالي مصر. ق. د. ليلي عازوري لبنان. د. علي الهادي العراق. ق. مبارك الحجي البحرين وآخرين) حيث خلصت هذه الدراسة إلى أن : السلطة التشريعية أو مجلس النواب هو الجهة التي تتولى صياغة النسخة النهائية للقانون بعد موافقة المجلس عليه حيث يتم رفع هذه النسخة إلى رئيس الجمهورية لإصدار القانون، فيقوم رئيس الجمهورية بالتوقيع عليها ثم يقوم بإرسالها إلى وزارة الشئون القانونية التي تقوم بقيد هذه النسخة في السجل الخاص بالقوانين لدى الوزارة حيث يتم تدوين رقم القانون وتاريخ صدوره، وبعد ذلك تتم طباعة القانون من واقع نسخة القانون الأصلية التي قام بالتوقيع عليها رئيس الجمهورية وبعدئذ يتم نشر القانون في الجريدة الرسمية، وعلى هذا الأساس فإذا حدث خطأ طباعي اثناء طباعة وزارة الشئون القانونية لنسخة القانون فأن الوزارة هي التي تتولى التقرير أو التصريح بوجود خطأ طباعي حدث منها عند طباعتها للقانون من واقع النسخة الأصلية للقانون الموقع عليها من قبل رئيس الجمهورية، أما إذا وقع الخطأ الطباعي في النسخة الأصلية للقانون التي قام بالتوقيع عليها رئيس الجمهورية فإن وزارة الشئون القانونية لا تختص بالتصريح أو القرار بوجود خطأ طباعي في القانون، لأنها لم تقم بإعداد النسخة الأصلية للقانون المحالة إليها من قبل رئيس الجمهورية، كما أن رئاسة الجمهورية لا تملك التصريح أو القرار بوجود الخطأ الطباعي في القانون، لأن رئيس الجمهورية لا يملك التعديل في نسخة القانون الأصلية المرفوعة إليه من مجلس النواب. وإنما الذي يتولى التصريح والإقرار أو القرار بوجود الخطأ المادي وتصحيح في هذه الحالة هو مجلس النواب الذي اعد النسخة الأصلية ورفعها لرئيس الجمهورية مثلما تم تصويب الخطأ الطباعي في القانون رقم (20) لسنة 2021م بإنشاء سلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة وتصويب الخطأ الطباعي في قانون الغاء معهد دبي العقاري عام 2020 وتصويب المرسوم القطري بإنشاء المحلس الأعلى للبيئة وغير ذلك من قرارات تصويب الأخطاء الطباعية التي صدرت في دول عربية عدة (إجراءات تصحيح الأخطاء الطباعية في القوانين العربية، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص4) علماً بأن الأخطاء الطباعية في القوانين العربية كثيرة فليست هذه الإشكالية قاصرة على اليمن، بل ان الاخطاء الطباعية في القوانين اليمنية نادرة حيث توجد أخطاء طباعية قليلة في قانون أراضي وعقارات الدولة وقانون الأحوال الشخصية وقانون الجرائم والعقوبات وقانون الإجراءات وغيرها، علماً بأن غالبية الأخطاء الطباعية في القوانين اليمنية تحدث نتيجة طباعة القوانين بنظر جهات غير وزارة الشئون القانونية.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: استثناء قرارات النقل والندب من الطعن فيها أمام الدائرة الإدارية:*
➖➖➖➖➖
*▪️نصت المادة (101) من قانون السلطة القضائية على أن: كل تظلمات القضاة وكافة الدعاوى المتعلقة بحقوقهم وشئونهم تختص بنظرها الدائرة الإدارية بإستثناء قرارات نقل وندب القضاة على أساس أن كلمة (عند) خطأ طباعي وان الكلمة الصحيحة هي (عدا)، وقد صرح الحكم محل تعليقنا بأن قضاء الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا قد استقر على تفسير كلمة (عند) بأنها خطأ طباعي ، وان قرارات نقل القضاة وندبهم لاتختص بها الدائرة الإدارية، والله اعلم.*