*قبول إستقالة الموظف يمنعه من المطالبة بتسوية حقوقه السابقة*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن قبول الجهة لاستقالة الموظف أو طلبه التقاعد المبكر يمنع الموظف من المطالبة بتسوية وضعه الوظيفي أو ترقيته أو منحه علاوات سابقة على قبول الإستقالة أولم تكن موجودة بالفعل عند إستقالته، لان هذه المطالبات مترتبة على بقاء رابطة أو علاقة الموظف بالوظيفة التي استقال منها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24-2-2014م في الطعن رقم (53760)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث أن قرار إحالة المدعي للتقاعد تم بناءً على طلبه، فلا يكون المجلس قد اخطأ في قبول طلب الموظف التقاعد بناءً على رغبته ، وحيث ان طلب الاستقالة إذا لم يرد به أي إشتراط اوتمسك بالحقوق السابقة الناتجة عن رابطة الوظيفة التي كانت قائمة قبل تقديمه الاستقالة، لذلك فإن طلبه العلاوات والترقيات يكون قد جاء بعد إنتهاء صلة المستقيل بالوظيفة، فيكون هذا الطلب في غير محله، لأن قبول الاستقالة انهى رابطة التوظيف بإرادة المستقيل الصحيحة وعلى أساس حالة المستقيل عند تقديم الاستقالة، وحيث أن طلب التقاعد المبكر قبل حلول أجله يأخذ حكم الاستقالة، وحيث أن المدعي تقدم بإرادته بطلب إحالته للتقاعد قبل حلول أجل التقاعد ولم يتمسك أو يشترط ما يطالب به، مما يعني أنه طلب انهاء رابطة الوظيفة على أساس حالته عند تقديم طلب احالته المبكرة للتقاعد بإرادة صحيحة منه، فليس للموظف بعد ذلك وقد انتهت علاقته بالوظيفة ان يعيب على قرار إحالته للتقاعد المبكر بناءً على طلبه عدم منحه العلاوات والترقيات التي لم يتمسك بها ويشترطها في طلبه إحالته للتقاعد المبكر)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ملخص القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا:*
➖➖➖➖➖
*▪️ملخصها: أن الموظف اراد التقاعد المبكر من العمل قبل حلول أجل بلوغه سن التقاعد أو بلوغه سن الخدمة العامة، حيث تقدم أمام الجهة بطلب إحالته للتعاقد المبكر فقبلت الجهة ذلك ، وبعد إعلان الموظف بقبول الجهة إحالته الذي يعد بمثابة استقالة قام الموظف المستقيل بمطالبة الجهة التي كان يعمل بها بتسوية وضعه الوظيفي والترقيات والعلاوات المستحقة له عن السنوات السابقة لإستقالته، وقد قضى الحكم محل تعليقنا: بأنه لا يحق لهذا الموظف مطالبة الجهة التي كان يعمل بها بالعلاوات أو الترقيات لأنها لاتمنح الا للموظف الذي لازال على رأس عمله ومازالت رابطة الوظيفة قائمة فيما بينه وبين الجهة التي يعمل فيها، اما الموظف بعد قبول إستقالته فلايحق له ذلك، لان رابطته أو علاقته بجهة وظيفته لم تعد قائمة فقد انتهت بتقديمه طلب استقالته المطلقة غير المشروطة أو المقيدة بتحفظه واحتفاظه بحقوقه في تسوية وضعه وترقياته وعلاواته السابقة ، فهو قد استقال من الجهة مطلقاً دون أن يحتفظ بحقه في مطالبة الجهة بتسوية وضعه الوظيفي وترقياته وعلاواته السابقة على تقديم الاستقالة، ولذلك لا يحق له المطالبة بتلك الحقوق بعد قبول الجهة لتلك الاستقالة، لان هذه الحقوق لم تكن موجودة في تاريخ تقديمه طلب الاستقالة، فحقوقه في هذه الحالة تتحدد بالحقوق التي كانت موجودة بالفعل في تاريخ تقديم إستقالته.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: الوضعية القانونية للاستقالة:*
➖➖➖➖➖
*▪️الاستقالة تختلف عن (الإقالة)، فالإقالة هي عزل الموظف من الوظيفة التي يشغلها من جانب الإدارة للأسباب المقررة قانونا، في حين ان الاستقالة طلب الموظف من الجهة التي يعمل بها الموافقة على رغبته بترك عمله لديها، فالاستقالة عبارة عن خطاب مكتوب يتضمن إفصاح الموظف عن رغبته بترك الوظيفة، وتتضمن الاستقالة طلب الموظف من الجهة التي يعمل بها الموافقة على تركه للوظيفة، وفي هذا المعنى نصت المادة (120) من قانون الخدمة المدنية على أنه: (أ- للموظف ان يستقيل من وظيفته بطلب متى يرى، يقدمه إلى السلطة المختصة مع إشعار لمدة شهر واحد) وبحسب المادة (120) أيضاً لا يجوز للجهة قبول الاستقالة إلا بعد مضي أسبوعين على تاريخ تقديمها، وبعد مضي هذه المدة يجب على الجهة قبول الاستقالة خلال الـ15 يوماً اللاحقة، فإذا انقضت مدة الـ30 يوماً من تاريخ تقديم الاستقالة من غير أن تفصح الجهة عن قبولها للاستقالة فإن الاستقالة تكون مقبولة بإنتهاء مدة الـ30 يوماً من تاريخ تقديم الاستقالة، ومن خلال ما تقدم يظهر أن الاستقالة وسيلة لترك الموظف لوظيفته بمحض ارادته ورغبته، وفي الوقت ذاته فإن الاستقالة طريقة لانتهاء خدمة الموظف المستقيل في الخدمة العامة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: آثار إستقالة الموظف بالنسبة له:*
➖➖➖➖➖
*▪️لا يترتب على مجرد تقديم الاستقالة أي أثر حيث يحق للموظف العدول عن الاستقالة خلال الـ15 يوماً الأولى التالية لتاريخ تقديم طلب استقالته، أما إذا قبلت الجهة الاستقالة أو انقضت مدة الـ30 يوماً، فإن الاستقالة تكون مقبولة، فيترتب على ذلك إنتهاء خدمة الموظف لدى الجهة، بإعتبار الاستقالة أحدى طرق إنتهاء خدمة الموظف، وعند إنتهاء خدمة الموظف بالاستقالة تسري عليه أحكام قانون التأمينات والمعاشات حسبما نصت عليه المادة (118) من قانون الخدمة المدنية، وبناءً على ذلك لا تسقط الحقوق الثابتة السابقة بذمة الجهة التي استقال منها التي ترتبت للموظف اثناء خدمته وهي تلك الحقوق التي ثبتت للموظف اثناء خدمته بصفة قطعية وهي التي مقررة وموجودة في تاريخ تقديم طلب إستقالة الموظف كمرتبات الموظف المستقيل ومكافأته والأجور والمكافآت، أما المطالبات بحقوق متعلقة بوجود أو إستمرار رابطة الوظيفة فيما بين المستقيل والجهة التي كان يعمل بها قبل إستقالته وهي الحقوق المترتبة على إستمرار علاقة أو رابطة الوظيفة بين الموظف والجهة الإدارية كالعلاوات والترقيات السابقة التي لم يتم تنفيذها اثناء خدمته ولم تكن موجودة عند طلب الاستقالة ، فلا يحق له مطالبة الجهة بها بعد قبولها لاستقالته حسبما قضى الحكم محل تعليقنا طالما انه لم يحتفظ بها في خطاب استقالته.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: الاستقالة المطلقة والاستقالة المشروطة:*
➖➖➖➖➖
*▪️الاستقالة المطلقة: هي التي يفصح فيها الموظف عن رغبته بتركه الوظيفة العامة من غير قيد أو شرط، وهي التي قصدها الحكم محل تعليقنا وأشار بأنه يترتب على قبولها عدم جواز مطالبة الموظف المستقيل بحقوقه الإدارية ذات الصلة بقيام واستمرار رابطة الوظيفة كمطالباته بتسوية وضعه أو ترقيته أو منحه علاوات عن سنوات ماضية، لأن قبول الجهة لطلب الاستقالة يقطع رابطة الوظيفة فيما الجهة الإدارية والموظف، ولان الموظف بتقديمه طلب الاستقالة يكون قد افصح عن تركه للوظيفة على أساس الحقوق الثابتة له الموجودة في تاريخ تقديمه طلب الاستقالة وليس من بينها المطالبات بحقوق لم تكن موجودة في تاريخ الاستقالة كمطالباته بالتسويات والترقيات والعلاوت السابقة التي لم تكن موجودة في تاريخ الاستقالة، فتقديم الموظف لطلب الاستقالة المطلقة يمنعه من المطالبة بالحقوق التي لم تكن موجودة وقت الاستقالة، لان حقوق المستقيل تتحدد بحدود حقوقه التي كانت موجودة ساعة تقديمه الاستقالة مالم يحتفظ بحقوقه التي لم تكن موجودة عند تقديمه طلب الاستقالة، أي أن الموظف في حالة الاستقالة المطلقة قد انهى علاقته الوظيفية حين قبلت الجهة طلبه فلم يعد موظفاً حتى يطالب بحقوقه الوظيفية السابقة كالتسويات والترقيات والعلاوات التي لاتمنح الا للموظف الذي لازالت علاقته مع الوظيفة قائمة، وهذا هو المقصود بالاستقالة المطلقة ، أما الاستقالة المشروطة :فهي الاستقالة التي يشترط فيها الموظف الإحتفاظ بمطالباته السابقة للجهة بالوفاء بحقوقه الوظيفية التي تكن موجودة عند طلبه الاستقالة كتسوية وضعه الوظيفي أو ترقياته أو علاواته السابقة، ففي حالة الاستقالة المشروطة لا تسقط مطالبات الموظف بالترقيات والعلاوت... الخ، لأن الموظف المستقيل قد احتفظ بها وذكر انه محتفظ بالمطالبة بها ونص على ذلك في خطاب الاستقالة، والله اعلم.*