إعادة تنظيم القانون الجديد للمنشآت الطبية السابقة للقانون

*إعادة تنظيم القانون الجديد للمنشآت الطبية السابقة للقانون*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️هناك منشآت طبية وتعليمية وغيرها يتم الإذن والترخيص لها وفقاً لقانون سابق ثم يصدر قانون لاحق يضع شروط جديدة للترخيص، فينص القانون الجديد على أنه: يجب على المنشآت المرخص لها قبل صدور القانون الجديد ان تستوفي الشروط والمتطلبات التي يحددها القانون الجديد، وعندئذ تثور في اذهان البعض مسألة عدم رجعية القانون الجديد على المنشآت المرخص لها قبل صدور القانون الجديد، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن القانون الجديد لا يخالف مبدأ عدم رجعية القانون حينما يفرض على المنشآت السابق الترخيص بموجب القانون القديم يفرض عليها الإلتزام بشروط ومتطلبات جديدة يجب على المنشآت القديمة استيفاؤها خلال مدة يحددها القانون الجديد، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1-6-2004م في الدعوى الدستورية رقم (60/99م)، وقد جاء ضمن أسباب حكم الدائرة الدستورية: ((وفي شأن زعم المدعي عدم دستورية المادة (37) من قانون مزاولة المهن الطبية التي نصت على أنه د(على المنشآت الطبية والصحية الخاصة القائمة والمشمولة بأحكام هذا القانون تعديل اوضاعها بما يتفق مع أحكام القانون فنياً خلال سنة وهندسياً خلال ثلاث سنوات من تاريخ صدوره) وذلك بالمخالفة للمادة (104) من الدستور التي تنص على أنه: (لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يترتب أثر على ما وقع قبل صدورها ومع ذلك يجوز في غير المواد الضريبية والجزائية النص في القانون على خلاف ذلك وبموافقة ثلثي اعضاء المجلس) والقانون المدعى بعدم دستوريته لم يحصل على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب، وجاء في تعقيب المدعى نفسه ان مفهوم هذا النص يدل ان القانون المدعى عدم دستوريته قد تم تطبيقه بأثر رجعي على المستوصفات القديمة فيما يتعلق بالشروط والمتطلبات الفنية والهندسة للمستوصفات ، وان تطبيق القانون بأثر رجعي في مثل تلك الحالات يعني ان من اراد البقاء من تلك المستوصفات القائمة في المدن ان ينتقل إلى الارياف أو المدن التي لا تتواجد فيها مستشفيات، فتطبيق القانون بأثر رجعي قد مس وأضر واعتدى على ما أصبحت حقوقاً مكتسبة للمنشآت الطبية والصحية الخاصة القائمة...إلخ،: هذا وبالإطلاع على ما قدمه الطاعن على القانون المذكور نجد أن مبعثه فهم المدعي للقانون المدعى عدم دستوريته، فهذا الفهم لايوافق ماورد في القانون المشار إليه، فالمادة (43) من ذلك القانون قد نصت على ان: (يعمل بالقانون من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية) هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فقد نصت المادة (37) من ذلك القانون على أنه يجب على المنشآت الطبية والصحية القائمة تعديل اوضاعها بما يتفق مع أحكام هذا القانون فنياً خلال سنة وهندسياً خلال ثلاث سنوات لتحقيق الشروط المنصوص عليها في القانون المشار إليه، وهي ماياتي: على المستوصف العمل بماياتي: - ان يقوم بتقديم الخدمات التشخيصية والعلاجية – ان لا يقل عدد الأسرة فيه عن عشرة –  ان يديره فنياً طبيب اختصاصي أو طبيب ممارس - ان يكون مستوفياً لكافة الشروط الفنية الصحية المحددة في اللائحة – ان يقتصر انتشارها على الأرياف والمدن التي لا تتوفر فيها مستشفيات – ، وعليه : يتبين ان دعوى عدم الدستورية  مرتكزة على ان المدعي قد فهم ان القانون محل الطعن قد تضمن مساساً بالمستوصفات المرخص لها القائمة في المدن التي فيها مستشفيات قبل صدور هذا القانون – ان ارادت البقاء – ان تنتقل إلى الأرياف أو المدن التي ليس بها مستشفيات نزولاً عند حكم المادة (37) من القانون التي أوجبت على المنشآت الطبية والصحية الخاصة القائمة والمشمولة بأحكام هذا القانون تعديل أوضاعها بما يتفق مع أحكام هذا القانون فنياً خلال سنة وهندسياً خلال ثلاث سنوات من تاريخ صدوره، فالقانون لم يتضمن ما يعد مساساً وإضرار بالمستوصفات المشار إليها، فالقانون شرع أصلاً لتنظيم المنشآت الطبية والصحية الخاصة، ومنها المستوصفات التي تنشأ في ظل سريانه، كما أن المادة (37) لم تتضمن حكماً يقضي بما يعد مساساً بالمستوصفات المشار إليها في فترة ما قبل نفاذ هذا القانون، أما بعد نفاذ القانون فلم يوجب عليها القانون سوى تعديل أوضاعها بما يتفق مع أحكامه فنياً (من حيث الشروط الفنية خلال سنة) وهندسياً (من حيث الشروط الهندسية) خلال ثلاث سنوات من تاريخ صدوره، فمن لم يستجب منها إلى ذلك يكون تحت طائلة المسائلة، فكل ذلك يتفق مع مبدأ الأثر الفوري للقوانين، إذ لا يتصور إستمرار هذه المنشآت بحالتها التي هي عليه وبالمخالفة للشروط الفنية والهندسية المنصوص عليها في هذا القانون، وعليه: فإن منح المشرع مهلة السنة والثلاث السنوات لتعديل الأوضاع لا يمكن حمله على أنه تطبيق للقانون بأثر رجعي)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ماهية الأثر الفوري للقانون وعدم رجعيته:*
➖➖➖➖➖

*▪️كان الجانب الغالب من الجدل القانوني في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قد كان بشأن الأثر الفوري للقانون وعدم رجعيته، وهذا  المبدأ مبدأ دستوري منصوص عليه في المادة (104) من الدستور، التي نصت على أنه: (لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب أثر على ما وقع قبل إصدارها ومع ذلك يجوز في غير المواد الضريبية والجزائية النص في القانون على خلاف ذلك وبموافقة ثلثي اعضاء المجلس)، والظاهر من خلال إستقراء هذا النص أن الأصل العام هو الأثر الفوري للقانون وعدم رجعيته، ولكن النص الدستوري المشار إليه قد تضمن استثناءا واسعا من مبدأ الأثر الفوري للقانون، حيث اجاز نص المادة (104) من الدستور السابق ذكرها اجاز ان يتم النص في أي قانون على عدم سريان القانون بأثر رجعي وذلك بشرطين: الأول: ان لا يكون النص الرجعي متعلقا بالضرائب اوالجزاءات، والشرط الثاني: ان ينال النص الرجعي عند التصويت عليه من قبل مجلس النواب أغلبية ثلثي اعضاء المجلس وليس أغلبية الحاضرين منهم فقط ، كما يظهر من سياق النص السابق ذكره ان مقتضى الأثر الفوري للقانون ان نصوص القانون تكون نافذة وواجبة التطبيق والعمل بموجبها بعد ثلاثين يوماً من تاريخ نشرها وفقاً للمادة (103) من الدستور، وقد سبق لنا القول في تعليق سابق بأن ما ورد في المادة (103) من الدستور هو الواجب التطبيق على النص القانوني الذي يرد في القانون المتضمن عبارة (يعمل به من تاريخ صدوره).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: إعادة التنظيم في قانون جديد لا يخل بمبدأ الأثر الفوري وعدم رجعية القانون:*
➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن صدور قانون جديد ينظم موضوع معين سبق تنظيمه في قانون سابق لا يخل بمبدأ الأثر الفوري للقانون وعدم رجعيته، فالقانون الجديد حينما ينظم موضوع معين إنما ينظمه بدءا من تاريخ صدور القانون الجديد أو العمل بالقانون الجديد، فلا يمتد هذا التنظيم الجديد إلى الفترة السابقة على صدور القانون الجديد، فمثلاً المستوصفات داخل المدن الرئيسية حينما نظمها القانون الجديد المدعى بعدم دستوريته  لم يفرض على المستوصفات القديمة متطلبات أو شروط خلال الفترة السابقة على صدوره ولم يسائلها عن ذلك، وإنما فرض عليها الشروط الصحية من تاريخ صدوره مثلها في ذلك مثل المستوصفات الجديدة التي يتم انشاؤها بعد صدور القانون، فلم يتضمن القانون نصوصا تنص انه كان يجب على المستوصفات في الفترة السابقة على صدور القانون ان تصنع كذا او تترك كذا ، وهذا الأمر يسري على الجامعات والمعاهد الخاصة العاملة قبل صدور قانون الجامعات وغير ذلك من المنشآت.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: إعادة التنظيم وتطوير القانون:*
➖➖➖➖➖

*▪️وظيفة القانون تنظيم إستعمال الدولة والمواطنين لحقوقهم ومصالحهم حتى لا تتصادم حقوق المواطنين وتتعارض أو يطغي أو يبغي بعضهم على بعض ، ولذلك ينبغي ان يواكب القانون التطور الإجتماعي والإقتصادي والسياسية في الدولة، كما يجب ان يعبر القانون عن الهموم والتطلعات المشروعة لغالبية الشعب، وعلى هذا الأساس لا يجوز التمسك بالتنظيمات القديمة ورخص المنشآت القديمة بدعوى الحقوق المكتسبة مثلما تمسك المدعي في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: إعادة التنظيم وملائمة التشريع:*
➖➖➖➖➖

*▪️من وظائف الدولة المعاصرة معالجة الإشكاليات والإختلالات التي تظهر بعد سريان ونفاذ القانون السابق، ومن ذلك وضع معايير جديدة وراقية لتقديم الخدمات  الملائمة المناسبة للمواطنين في المجالات المختلفة كالخدمات الطبية والتعليمية وغيرها، حيث  تقوم الدولة بتضمين هذه المعايير والمواصفات في القوانين المختلفة المنظمة  لهذه الخدمات، فالدولة هي المعنية بإختيار المعايير والأساليب والطرق المناسبة لتقديم الخدمات لأفراد المجتمع وفرضها على الجهات التي تقدم تلك الخدمات بنص القانون ، ولا شك ان ذلك من قبيل ملائمة التشريع التي تقدره السلطة التشريعي، والله اعلم.*