*معنى إحالة النص الدستوري إلى القانون*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن إحالة النص الدستوري لتنظيم الرسوم إلى القانون من حيث تحصيلها وجبايتها أو صرفها لا يعني ان المقصود بالاحالة هو القانون الذي يستحدث الرسوم أو قانون بعينه، فالسلطة التشريعية لها السلطة التقديرية اي سلطة الملائمة للقانون الذي ينبغي أن ينظم الرسوم أو غيرها من المواضيع التي تحيل النصوص الدستورية تنظيمها إلى القانون، فعندما يحيل النص الدستوري تنظيم موضوع معين إلى القانون، فإن ذلك لا يعني ان الدستور قد احال التنظيم إلى قانون بعينه، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1-6-2004م في الدعوى الدستورية رقم (60/99م)، وقد ورد في الدعوى بعدم الدستورية أن: ((القانون المدعى عدم دستوريته قد نص في المادة (17) منه على أن: (تحدد اللائحة التنفيذية للقانون قواعد وإجراءات التحصيل والصرف للرسوم التي انشئت في المادة (13) فقرة (أ) مخالفاً بذلك المادة (15) من الدستور التي تقضي بأن يحدد القانون القواعد الأساسية لجباية الأموال العامة وإجراءات صرفها) وجاء في رد وزارة الشئون القانونية (فما ورد في المادة (15) من الدستور التي تنص على ان: يحدد القانون القواعد الأساسية لجباية الأموال العامة وإجراءات صرفها – فيمكن طبقاً لهذا النص الدستوري ان تحدد القواعد الأساسية لجباية الاموال العامة وإجراءات صرفها في قانون آخر كالقانون المالي، فلم يشترط الدستور في المادة (15) ان ترد القواعد الأساسية لجباية الأموال العامة وإجراءات صرفها في قانون معين) أما الحكم محل تعليقنا، وهو حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا فقد ورد ضمن أسبابه : (ان لفظ القانون الوارد في نصوص الدستور لا يقصد به قانوناً معيناً بذاته وإنما يقصد به الأداة التي يجب ان يتم بها تقرير أمر ما- أي عدم جواز تقرير هذا الأمر بأداة تشريعية أدنى من القانون كاللائحة أو القرار مثلاً – وعليه فإذا لم يحدد الدستور القانون المقصود، فإن ذلك لا يعني أن المقصود قانون بعينه، وتكفي الإشارة هنا إلى قانون تحصيل الأموال العامة، ومن ثم فلا وجود لأي شائبة لعدم الدستورية في المادة سالفة الذكر)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: طبيعة الدستور والإحالة إلى القوانين:*
➖➖➖➖➖
*▪️يتضمن الدستور المبادئ والأسس والأحكام العامة التي تكفل الحقوق والحريات وتبين مقومات وأسس الدولة وسلطاتها واختصاصاتها بصفة مجملة وعامة ، وعلى هذا الأساس فإن الدستور لا يتضمن التنظيمات التفصيلية للحقوق والمبادئ والسلطات المذكورة في النصوص الدستورية العامة المجملة التي ترد في الدستور، ولذلك فالنصوص الدستورية العامة تحيل إلى القانون تنظيم هذه المسائل والمواضيع التفصيلية – ومن هذا المنطلق نجد أن غالبية النصوص الدستورية لا تخلو من عبارة الإحالة إلى القوانين كعبارة (بحسب ما يبينه القانون) أو ما شابهه ذلك، وعلى هذا الأساس فإن إحالة الدستور إلى القانون أمر طبيعي، لان الدستور لايتضمن الأحكام والمسائل التفصيلية.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: المقصود بالقانون الذي يحيل إليه الدستور:*
➖➖➖➖➖
*▪️سبق القول ان غالبية النصوص الدستورية لا تخلو من الإحالة إلى القانون، والغالب أيضاً أن النص الدستوري لايذكر اسم القانون المحال إليه، لان الحقوق والمبادئ والأسس الواردة في النصوص الدستورية تنظمها قوانين كثيرة بحسب نوع القوانين، مثل تنظيم جباية الرسوم التي تناولها الحكم محل تعليقنا، فهناك قانون استحدث هذه الرسوم وهو القانون المدعى عدم دستوريته الذي تنظمه قوانين كثيرة، فقد تضمن هذا القانون بعض إجراءات جباية الجهة المختصة بالرسوم بالإضافة إلى ذلك فقد تضمن القانون المالي وقانون تحصيل الأموال العامة وقواعد تنظيم الموازنة العامة للدولة وغيرها تضمنت إجراءات تحصيل الرسوم وجبايتها وكيفية توريدها واوجه صرفها، وعلى ذلك فلا يقصد بالقانون المحال إليه قانون بعينه، كما لا يقصد به حصرا القانون الذي يستحدث الرسم كقانون المجلس الطبي أو قانون الرسوم القضائية.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: المقصود بإحالة الدستور إلى القانون:*
➖➖➖➖➖
*▪️المقصود بهذه الإحالة: ان الدستور قد حصر تنظيم الموضوع المحال إلى القانون حصره في القانون كأداة ووسيلة تشريعية وحيدة دون غيرها من الادوات التشريعية الأخرى كاللائحة والمنشور والتعميم ، فمقتضى الإحالة إلى القانون أنه لا يجوز تنظيم الموضوع بأداة تشريعية أدنى من القانون، فالدستور عندما يحيل تنظيم موضوع معين إلى القانون، فأنه يجب ان يتم هذا التنظيم في قانون وليس أدنى منه ، فلا يجوز ان يتم تنظيم الموضوع بوسيلة تشريعية أدنى من القانون كاللائحة التنفيذية أو التنظيمية أو القرار الإداري أو المنشور أو غير ذلك، لان القانون يصدر من السلطة التشريعية المختصة بالتشريع التي لا تكون لها مصلحة مباشرة في تشريع الرسوم والجبايات وغيرها بخلاف السلطة التنفيذية عندما تسن اللوائح والقرارات التنظيمية والتنفيذية، فتشريع الرسوم وغيرها من المسائل عن طريق القانون فيه ضمانات تكفل عدم الإنحراف في تحصيل الرسوم وصرفها، فضلاً عن ان تقرير الرسوم وتنظيمها بقانون يجسد مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ، فالتشريع لا يكون محايداً ابداً إذا قامت بسنه السلطة التنفيذية وفي الوقت ذاته تتولى تنفيذه، فإذا كان من غير المقبول قانوناً ان يقوم الأمين الشرعي بتحرير العقود التي يكون فيها الأمين طرفاً فيها أو اقاربه حسبما ينص عليه قانون التوثيق فأنه من غير المقبول من باب أولى ان تشرع السلطة التنفيذية لنفسها، ولذلك فإن اللوائح التنفيذية أو التنظيمية أو القرارات يجب ان تقتصر على المواضع التي يحيل اليها القانون الخاص، فالدستور يحيل إلى القانون والقانون يحيل إلى اللائحة ، غير ان إحالة القانون إلى اللائحة ينبغي أن يكون في أضيق نطاق لكبح جماح السلطة التنفيذية عن الجمع بين سلطتي التشريع والتنفيذ، والأمانة العلمية تقتضي القول بأن هناك خلل خطير في اليمن في هذه المسألة، فاللوائح والقرارات والمنشورات والتعميمات والتوجيهات الإدارية الصادرة عن السلطة التنفيذية هي التي يتم في الواقع تطبيقها أكثر من القوانين!!!، والله اعلم.*