*حلف اليمين بغير الصيغة المحددة من طالب اليمين*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️اليمين وإن كانت من وسائل الإثبات المقررة في قانون الإثبات إلا إن اليمين لها بعدها الإيماني والعقدي، فاليمين تنطلق من هذين البعدين، ومن هذا المنطلق كانت اليمين حاسمة للنزاع، فطالب اليمين يعتقد جازما عندما يطلب اليمين ان الحالف إذا لم يكن باراً بيمينه فإن الله يتولى عقوبته في الدنيا قبل الآخرة، ولذلك يتهيب الكثيرون من حلف اليمين لحسم الحقوق، فضلاً عن أنه من القواعد المستقرة أن: (اليمين على نية المستحلف) أي طالب اليمين، فاليمين متعلقة بالنيات، ومن هذا المنطلق فقد قضى الحكم محل تعليقنا أنه يجب أن تكون صيغة اليمين معلومة ومفهومة بالنسبة للمستحلف طالب اليمين وبالنسبة للحالف، كما قضى الحكم بأنه يجب على الحالف أن يحلف اليمين بالصيغة التي يطلبها المستحلف اذا لم يشوبها مايخالف الشريعة والقانون والآداب العامة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-3-2017م في الطعن رقم (58465)، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((فقد نعى الطاعن أن اليمين الحاسمة التي طلبها الطاعن كانت بشأن ان الأرباح المتفق عليها التي يطالب بها المطعون ضده تحسب له من إجمالي الأرباح التي يحققها الجهاز الطبي المشترك من غير ان يخصم من تلك الأرباح نسبة إهلاك الجهاز والنسبة المقررة للطبيب، وإن الطاعن ردها على المطعون ضده الذي حلفها بصيغة أخرى، حيث قال أنه: سيحلف على أنه مشارك بالجهاز وأنه دفع مبلغ..... مساهمته في ذلك الجهاز – أي ان المطعون ضده قد حلف اليمين بغير الصيغة المتفق عليها، وهو ما حدا بالشعبة إلى إستفسار اطراف الخصومة حول اليمين التي مضى فيها المطعون ضده انها كانت حول الاهلاك والصيانة، فإستخلصت الشعبة من ذلك أنه لا تناكر حول اليمين التي حلف بها المطعون ضده الذي ردت إليه اليمين، وأنه قد كسب دعواه بأن لايتحمل إهلاكاً ولا صيانة، وهو إستخلاص لا سند له من الواقع والقانون، ويخالف قانون الإثبات الذي نظم قواعد وإجراءات الإثبات باليمين وردها مما يكون معه النعي كافياً لنقض الحكم المطعون فيه دون حاجة لبحث باقي الأسباب)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الوجوه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ماهية صيغة اليمين والجهة التي تحدد الصيغة:*
➖➖➖➖➖
*▪️صيغة اليمين: هي الكلمات التي يتلفظ بها الحالف عند حلفه اليمين، وتتضمن هذه الصيغة الشيء المطلوب الحلف عليه نفياً وإثباتاً، ولذلك ينبغي على الحالف ان يحلف بالصيغة المحددة له والمطلوبة منه. وتختلف الجهة التي تحدد الصيغة بحسب نوع اليمين، فإذا كانت اليمين حاسمة أو مردودة، فإن الخصم الذي يطلبها أو يردها هو الذي يحدد صيغتها – وإن كانت اليمين متممة أو يقرر القاضي توجيهها للخصم فإن القاضي هو الذي يحدد صيغتها، وفي كلٍ الأحوال يجب على الخصم ان يحلف اليمين بالصيغة المحددة والمطلوبة سواء أكان الطالب لها الخصم أم القاضي طالما ان هذه الصيغة لاتخاف الشريعة أو الآداب العامة، إضافة إلى أن وقوف المحكمة على صيغة اليمين يكون من خلال الصيغة التي تلفظ بها الحالف عند حلفه اليمين وليس عن طريق السؤال للطرفين بعد حلف اليمين عن مضمون اليمين وصيغتها ومدى اتفاق الصيغة مع الواقعة المشهود عليها،حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: صيغة اليمين ونية المستحلف طالب اليمين وجواز تعديل المحكمة الصيغة:*
➖➖➖➖➖
*▪️تتعلق صيغة اليمين في جانب منها بقاعدة اليمين على نية المستحلف، فمن حق طالب اليمين ان يحدد صيغة اليمين، لأنه الذي يريد حسم النزاع باليمين الحاسمة أو المردودة، ولأنه الأعلم بالشيء المحلوف عليه تفصيلاً، ومع أن للمستحلف طالب اليمين أن يحدد صيغة اليمين الحاسمة أو المردودة، إلا أن المحكمة يحق لها أن تعدل في صيغة اليمين وفقاً للمادة (140) إثبات حيث يحق للمحكمة ان تعدل صيغة اليمين إذا كان لذلك مقتضى، كما لو طلب الخصم من خصمه ان يحلف بغير الله أوعلى واقعة مخالفة للشرع والآداب العامة أو يحلف على رؤوس أولاده، وفي الوقت ذاته فإن للمحكمة أن تمنع توجيه اليمين إذا كان لذلك مقتضى، كما لو كان الشيء المطلوب الحلف عليه قد ثبت بأدلة أخرى، غير أن المحكمة بعد إقرارها لصيغة اليمين المحددة من طالب اليمين لا تملك أن تعدل صياغتها، إضافة إلى أن المحكمة لاتملك تعديل الصيغة اذا لم تشوبها مخالفة للشرع والآداب العامة، ومن جانب اخر لا يحق للحالف أن يحلف بغير الصيغة المحددة من طالب اليمين المقرة من المحكمة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: جزاء حلف اليمين بغير الصيغة المحددة من طالب اليمين المقرة من المحكمة:*
➖➖➖➖➖
*▪️إذا حلف الحالف اليمين بغير الصيغة المحددة من طالب اليمين والمقرة من المحكمة فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن جزاء ذلك هو: بطلان الحكم الذي أستند إلى هذه اليمين سيما إذا كانت الصيغة قد تضمنت الفعل أو القول أو الشيء المحلوف عليه، لان الحلف بغير الصيغة المحددة من طالب اليمين والمقرة من المحكمة إما إن تكون اليمين على غير الشيء الذي طلب المستحلف الحلف عليه مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، وإما أن يكون الحالف قد استبعد عبارات التغليظ التي وضعها طالب اليمين الجائزة شرعاً التي لولاها ما طلب الطالب اليمين، ويذهب فريق من الفقه الإسلامي إلى عدم جواز مخالفة الحالف للصيغة المحددة من قبل طالب اليمين، وإن اليمين التي تؤدى بالمخالفة لتلك الصيغة تكون مهدورة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذا القول هو الراجح (موسوعة الفقه الإسلامي، أحكام اليمين، 70/462). ونحن نذهب إلى إختيار هذا القول الذي يذهب إلى عدم جواز الحلف بغير الصيغة المحددة من قبل طالب اليمين اذا لم تتضمن صبغتها مايخالف الشرع والقانون والآداب العامة، والله اعلم.*