التسليم في بيع المرابحة المصرفية - في القانون اليمني

*التسليم في بيع المرابحة المصرفية*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️من الإشكاليات الفقهية الواقعية تسليم المبيع في بيع المرابحة المصرفية، لان المصارف الإسلامية لزبائنها سلع ليست بحوزة البنك والفقه الإسلامي يمنع بيع الإنسان للشئ قبل قبضه ، وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى هذه المسألة، حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-11-2017م في الطعن رقم (59329)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وبرجوع الدائرة إلى الأوراق المرفقة بملف النزاع تجد الدائرة أن الطاعن حرر إستلاماً بالسيارة موضوع النزاع مع جميع وثائقها وتوابعها، كما يظهر من محرر الإستلام المؤرخ المرفق بملف النزاع صورة منه، وقد أقر به الطاعن أمام المحكمة الابتدائية كما تلى محرر الإستلام تسديد الطاعن للقسط الأول الشهري من ثمن السيارة بتاريخ... وذلك مبلغ... وإستمرار الطاعن في سداد بقية الاقساط الشهرية بعد ذلك، إذ أنه سدد القسط السابع عشر بتاريخ... وسدد جزءاً من القسط الثامن عشر بالتاريخ نفسه حسبما هو ثابت في كشف البنك المرفق ضمن أوراق النزاع، وقد لاحظت الدائرة ان الطاعن حالياً ذكر في دعواه أنه سدد من الاقساط الشهرية مبلغ....، وقد قضت الشعبة في حكمها المطعون فيه بإلغاء الحكم الابتدائي لثبوت إستلام الطاعن للسيارة للأسباب المذكورة في حكمها، ولذلك فانها لم تخالف القانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: بيع المرابحة الفقهية (البسيطة) وبيع المرابحة المصرفية للآمر بالشراء:*
➖➖➖➖➖

*▪️اجاز الفقه الإسلامي بيع المرابحة الفقهية الفردية (البسيطة)،وهو من عقود الأمانة حيث يقوم البائع بالإفصاح للمشتري عن الثمن الحقيقي للسلعة الذي شراها به ثم يطلب البائع من المشتري أن يزيده عن ذلك الثمن مبلغ معين مرابحة، ولذلك أطلق الفقه على هذا المبيع بيع المرابحة حينما تكون السلعة موجودة بالفعل عند البائع وبحوزته، أما إذا لم تكن السلعة بحوزة البائع فإن البيع يسمى في هذه الحالة (المرابحة للآمر بالشراء) حيث يطلب المشتري من شخص ليست لديه السلعة التي يحتاجها يطلب منه شراء السلعة إما لقلة خبرة المشتري بعملية الشراء أو السلعة أو عدم قدرته السفر إلى مكان السلعة أو عدم قدرته المالية على دفع قيمتها فورا، ولذلك يطلب المشتري من الشخص الخبير أو القادر ان يقوم بشراء السلعة له من مالكها بسعر معلوم ثم يقوم ذلك الشخص بإعادة بيعها إلى المشتري الطالب أو (الآمر بالشراء)، ثم يقوم المشتري الآمر بالشراء بمرابحة البائع له (المأمور) وذلك بمبلغ زائد عن الثمن الذي دفعه لمالكها، وبتطبيق هذا المفهوم على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن الطاعن المشتري للسيارة من البنك المطعون ضده لم يكن الطاعن قادراً على دفع قيمة السيارة دفعة واحدة، فذهب إلى البنك الإسلامي وطلب منه ان يشتري له السيارة على ان يدفع الطاعن المشتري القيمة إلى البنك الإسلامي على اقساط بالإضافة إلى مبلغ زيادة عن المبلغ الذي دفعه البنك مقابل قيام البنك بدفع ثمن السيارة دفعة واحدة وتقسيطه ثمن السيارة على الطاعن المشتري لها.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: إشكالية تسليم البنك الإسلامي للسلعة إلى المشتري الآمر بالشراء:*
➖➖➖➖➖

*▪️كان غالب الجدل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا يدور بشأن مدى التسليم الفعلي للسيارة من قبل البنك المأمور بالشراء مرابحة وبين المشتري لها الآمر بالشراء، وهذه إشكالية فقهية بالنسبة لصيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية، لان السلعة في هذه الصيغة المصرفية لا تكون أصلاً بحوزة المصرف الإسلامي، حيث يقوم المصرف بشراء السلعة من الغير لحساب الزبون بعد إتفاق المصرف مع الراغب بشرائها (الآمر بالشراء)، وفي حالات كثيرة لا يقوم البنك بقبض السلعة قبل إعادة بيعها للراغب بشرائها، ولذلك يحاول بعض الفقهاء المعاصرين ايجاد مخرج لهذه الإشكالية عن طريق ما يسمى بالقبض الحكمي للسلعة الذي لا يكون قبضاً حقيقياً، ولذلك فهذه الإشكالية مثار انتقاد الكثيرين لهذه الصيغة المعمول بها في المصارف الإسلامية (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص272).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: التسليم الحكمي للسلعة من قبل البنك:*
➖➖➖➖➖

*▪️كان الحكم محل تعليقنا قد أشار إلى الأدلة التي تدل على أن البنك الإسلامي كان قد قام بتسليم السيارة حقيقة وليس حكما إلى المشتري (الآمر بالشراء) ومن ذلك سداد المشتري لاقساط السيارة إلى البنك وكذا سند استلام المشتري للسيارة ووثائقها، فهذه الادلة تدل على تسليم البنك السيارة حقيقة إلى المشتري غير أن البنك لم يقم بنقل ملكية السيارة إلى المشتري في الوثائق المعدة لنقل ملكية السيارات، لان المشتري لم يكن قد سدد كل اقساط قيمة السيارة، وقد استدل الحكم محل تعليقنا بأن البنك الإسلامي كان قد حاز السيارة عن طريق نقل ملكيتها إليه في الوثائق المعدة لذلك ثم قام البنك بعد ذلك بتسليم وثائق السيارة إلى المشتري، ولو لم يقبض البنك السيارة بالفعل، فحيازة البنك لوثائق ملكية السيارة يكون بمثابة القبض الحكمي من قبل البنك، فالبنك قد قبض السيارة حكما ثم باعها مرابحة إلى المشتري الآمر بالشراء، وقد قام البنك بعد ذلك بتسليم السيارة حقيقة وليس حكما إلى المشتري الآمر بالشراء، وبذلك فقد تم التسليم للسيارة إلى المشتري الذي كان ينازع بأن البنك رفض استكمال إجراءات نقل السيارة من البنك إلى المشتري ، هذا من وجهة الحكم الاستئنافي الذي أقره حكم المحكمة العليا محل تعليقنا، في حين أن الحكم الابتدائي كان قد ذهب إلى أن التسليم للسيارة لم يتم من قبل البنك، لان السيارة ما زالت مسجلة باسم البنك لدى الجهات المختصة، وكذا في الوثائق الرسمية، وهذه هي الأدلة المعدة قانوناً لإثبات ملكية السيارة ولإثبات إنتقال ملكيتها من شخص إلى اخر، ومن وجهة نظر الحكم الابتدائي فإن تسليم البنك السيارة إلى المشتري كان مختلا، والله اعلم.*