*وجوب توفر المصلحة الشخصية في المدعي بالدعوى الدستورية*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13-5-2014م في الدعوى الدستورية رقم (54159)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وفي معرض المناقشة وحيث ان مقتضى النظر يوجب سبق البحث في الدعوى من حيث الشكل للتحقق من توفر الشروط المقررة قانوناً لقبولها شكلاً من حيث الصفة والمصلحة وإستيفاء الرسم القانوني ومن حيث ان المدعين قد صرحوا في مبتدأ دعواهم ومطلعها بأن صفتهم في رفع الدعوى هي أنهم من مواطني الجمهورية اليمنية، ومن ثم فإن لهما الصفة والمصلحة الحالة الإحتمالية المستقبلية حيث سيتم إقتضاء رسوم قضائية منهما طبقاً للقانون المدعى بعدم الدستورية في أي دعوى أو طلب يرفع منهما بموجب القانون المدعى بعدم دستوريته ، وأيضاً فإن الدعوى رفعت لغاية حماية الشرعية الدستورية فيما يخص حقوق وحريات المواطنين وحماية الدستور الكائن في المرتبة الأولى في التدرج التشريعي والذي لا يجوز ان يأتي عن القوانين أو اللوائح ما يخالفه أو ينتقص من مرتبته ، وحيث أن ممثلي المدعى عليهما وزارة الشئون القانونية قد دفعوا بعدم صفة المدعين في رفع الدعوى وبإنتفاء مصلحتهما في رفعها، وحيث أن هذه الدائرة ملزمة بالفصل في الدفع بحكم مستقل إستناداً إلى المادتين (185 و186) مرافعات وحيث أن المستقر في قضاء هذه الدائرة أنه: يشترط لقبول أي دعوى سواء أكانت عينية أم شخصية أن يكون فيها للمدعي مصلحة قائمة، وفي ذلك نصت المادة (75) مرافعات على أن (لا تقبل أي دعوى أو طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون، ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الإحتياط لدفع ضرر محدق أو الإستيثاق بحق يخشى زوال دليله عند النزاع، وحيث أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة والقائمة والقانونية شرط لقبول الدعوى الدستورية، ولا وجود لنص قانوني يستثني هذه الدعوى من شرط المصلحة بقواعدها وضوابطها الواردة في قانون المرافعات، فإذا كان مدلول المصلحة في الدعوى الدستورية هو أن يكون الحق المطلوب حمايته هو حق كفله الدستور وان القانون المدعى بعدم دستوريته قد اعتدى على ذلك الحق، فالمصلحة في الدعوى الدستورية تتحقق بأن يكون النص المدعى بعدم دستوريته قد أخل بإحدى الحقوق الدستورية التي كفلها الدستور، وحيث أن المدعين لا يدعيا مصلحة شخصية مباشرة وقائمة في رفع الدعوى وإنما يدعيان رفعها للمصلحة العامة بتصريحهما بذلك في مستهل الدعوى – وعند التحقق في الدعوى الدستورية وفقاً للمادة (19/أ) من قانون السلطة القضائية هي دعوى أصلية مبتدأة وعينية يخاصم فيها النص المشوب بشائبة عدم الدستورية، وهو ما يجعل المدعي صاحب صفة ومصلحة مباشرة في الدعوى، مما يستدعي في المدعى ان يكون صاحب صفة ومصلحة مباشرة في الدعوى، ان كون الدعوى بعدم الدستورية دعوى أصلية مبتدأه عينية لا يعني انها دعوى حسب، لا يشترط لرفعها توفر المصلحة الشخصية المباشرة والقائمة، فالمصلحة العامة ليست المصلحة المعتبرة لقبول الدعوى في ظل عدم وجود نص قانوني يبيح رفعها خارج نطاق الشخصية، فيجب لقبول الدعوى بعدم الدستورية ان يكون النص القانوني المدعى فيه قد أخل بأحد الحقوق الدستورية على نحو يلحق ضرراً مباشراً بالمدعي أو ان يكون المدعي من المخاطبين بالنص القانوني المدعى بعدم دستوريته ووقوع الضرر عليه من جراء تطبيق هذا النص من خلال انتهاكه لحق من الحقوق المكفولة له بمقتضى الدستور، فوفقاً لما أستقر عليه قضاء الدائرة فصفة رافع الدعوى كمواطن غير كافية لقبول الدعوى الدستورية بعيداً عن الفائدة التي يحسبها المدعي من الخصومة الدستورية، فلا يكفي ان تكون المصلحة نظرية مجردة لأغراض أكاديمية أو دفاعاً عن قيم مثالية أو لمجرد التعبير عن وجهة نظر شخصية أو لتأكيد مبدأ سيادة القانون في مواجهة صورة من صور الإخلال بمضمونه وإنما لا بد أن تكون المصلحة في رفع الدعوى شخصية ومباشرة وحالة وإلا فإن التقرير بعدم قبولها شكلاً اللازم فيها والأجدر بحقها)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: خصائص شرط المصلحة في الدعوى الدستورية:*
➖➖➖➖➖
*▪يقول المستشار الدكتور خليفة سالم الجهمي في بحثه (شرط المصلحة في الدعوى الدستورية ) ان : القواعد العامة في الخصومة القضائية – أيا كانت – ضرورة توافر شروط معينة لقبول الدعوى ، من ذلك توافر المصلحة في رفعها ، وهذا الشرط ولئن كان يعد من الشروط العامة لكل دعوى بما في ذلك الدعوى الدستورية ، إلا أن الطبيعة الخاصة للدعوى الدستورية باعتبارها تستهدف تحقيق المشروعية الدستورية أضفت على هذا الشرط بعض السمات المميزة التي تتفق مع الطبيعة الذاتية لهذه الدعوى([1]).*
*ويستوجب ذلك على القضاء الدستوري التحقق من توافر شرط المصلحة قبل الولوج في موضوع الدعوى الدستورية لتعلقها بمسألة قبولها ، وهي مسألة سابقة بالضرورة عن الخوض في موضوعها ، فإذا لم تستوف الدعوى شرط المصلحة فإنها تغدو غير مقبولة ويمتنع المضي إلى البحث في موضوعها فيشترط لقبول الدعوى الدستورية،
مايشترط لقبول كل دعوى أن يكون لرافعها مصلحة قائمة يقرها القانون عملا بالأصل المقرر بأنه لا دعوى بدون مصلحة وأن المصلحة هي مناط الدعوى ، وهو ما تنص عليه صراحة قوانين المرافعات المدنية والتجارية في اليمن وليبيا ومصر والكويت والبحرين ، من ذلك ما جاء في المادة الرابعة من قانون المرافعات المدنية والتجارية الليبي بأنه ((لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون…)) ورددته كذلك بنفس الصيغة المادة الثالثة من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري([2]).*
*فالدعوى الدستورية ولئن كانت دعوى لها ذاتيتها الخاصة إلا أن شأنها شأن أي دعوى يتعين لقبولها توافر شرط المصلحة باعتباره شرطا عاما لقبول كل إدعاء أمام القضاء ، فهو بهذه المثابة يعبر عن الفائدة العملية أو النتيجة التي يجنيها رافعها من طلب الحماية القضائية، فالطلب الذي لا يحقق أية فائدة عملية أو نتيجة فعلية للمدعي لا يكون جديرا ببحثه أمام القضاء
ولقد استقر القضاء الدستوري في اليمن ليبيا ومصر والكويت والبحرين على أنه لا يجوز قبول الدعوى الدستورية إلا بتوافر الشروط اللازمة لاتصالها به وفقا للأوضاع المنصوص عليها قانونا ويندرج تحتها شرط المصلحة الشخصية المباشرة([3]).*
*وهو ما ترجمته الدائرة الدستورية اليمنية في حكمها محل تعليقنا وكذا المحكمة العليا الليبية في حكمها الصادر بتاريخ 2008.11.12 في الطعن الدستوري رقم 1/44 ق بقولها (( إنه لا يجوز قبول الدعوى الدستورية إلا بتوافر الشروط اللازم توافرها لاتصالها بالمحكمة العليا وفقا للأوضاع المنصوص عليها في القانون رقم 6/1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا وعلى الأخص شرط المصلحة الشخصية المباشرة الوارد بالبند ( أولا ) من المادة الثالثة والعشرين من القانون المذكور))([4]).*
*وتتميز الدعوى الدستورية عن غيرها من الدعاوى الأخرى في مجال شرط المصلحة المطلوب لقبولها، بأن الحق الذي تحميه هو حق يكفله الدستور ، والاعتداء الواقع عليه هو عمل للمشرع يتجسد في نصوص القانون أو اللائحة المطعون بعدم دستوريتها ، وبوقوع الاعتداء تنشأ المصلحة التي تخول صاحب الحق اتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية ، ولكن لا يكفي لتوافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية مجرد إنكار أحد الحقوق المنصوص عليها في الدستور أو وجود خلاف حول مضمون هذا الحق ، بل يجب أن يكون النص التشريعي المطعون فيه بتطبيقه على المدعي قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو يلحق به ضررا مباشرا([5]).*
*وهو ما تجسده خصائص شرط المصلحة في الدعوى الدستورية.*
*وهذه الخصائص ولئن كانت تتمثل عموما في أي دعوى بأن تكون قانونية وكذلك شخصية ومباشرة فضلا عن كونها حالة وقائمة ، فإن لهذه الخصائص في الدعوى الدستورية سمات معينة تتفق مع الطبيعة الذاتية لهذه الدعوى وهو ما يجعل لها معنى محددا وخاصا نتناوله فيما يلي:*
*1) المصلحة القانونية:*
*المصلحة المعتبرة لقبول الدعوى الدستورية هي المصلحة التي يقرها ويحميها الدستور والقانون وهي لا تكون كذلك إلا إذا كان صاحبها يستند إلى مركز قانوني أو حق ذاتي يحميه الدستور ، ذلك أن وظيفة القضاء الدستوري هي حماية المشروعية الدستورية وبالتالي حماية الحقوق والمراكز القانونية التي كفلها الدستور.*
*فالمصلحة القانونية بهذه المثابة هي المصلحة التي تقرها وتصونها قواعد الدستور يستوي بعد ذلك أن تكون مادية أو أدبية([6]) وتخلف هذه الخاصية في شرط المصلحة من شأنه جعل الدعوى الدستورية غير مقبولة لقيامها على مصلحة لا تقرها ولا تحميها أحكام الدستور.*
*2) المصلحة الشخصية المباشرة:*
*تتحقق خاصية المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية بأن يكون النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته من شأنه أن يلحق ضررا مباشرا بالمدعي إذا طبق عليه([7]) فإذا لم يكن النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته غير قابل للتطبيق على المدعي أصلا أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان قد أفاد من مزاياه ، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه ، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية([8]).*
*وهكذا فإن شخصية المصلحة تتجلى في أن يكون رافع الدعوى في حالة قانونية خاصة بالنسبة للتشريع المطعون بعدم دستوريته من شأنها أن تجعله يؤثر فيها تأثيرا مباشرا ، أي أن يكون التشريع المذكور قد مس حق المدعي أو مركزه القانوني بصورة مستقلة ومتميزة ، فلا يكفي أن يكون مجرد فرد عادي وإنما يلزم أن يكون في وضع خاص بالنسبة للتشريع المطعون بعدم دستوريته ، وهو ما يسبغ على المصلحة في الدعوى الدستورية الطابع الشخصي وينأى بها عن أن تكون دعوى حسبة([9]) وذلك منعا لإثقال كاهل القضاء بمنازعات غير جدية لا يترتب عليها أي نتائج ملموسة في الواقع القانوني.*
*كما أن المصلحة المباشرة تتمثل في أن يكون التشريع المطعون بعدم دستوريته قد أثر تأثيرا مباشرا في المركز القانوني للمدعي بحيث يكون معلوما أنه سينال فائدة مادية أو أدبية جراء الحكم بعدم دستورية التشريع المطعون فيه ، وإلا فقدت الدعوى الدستورية عنصرا لازما من خصائص المصلحة المعتبرة لقبولها.*
*وعليه فلا تكون المصلحة الشخصية المباشرة غير مصلحة المدعي في المحصلة النهائية للخصومة الدستورية التي يفترض أصلا ألا تكون ثمارها لغيره ، ويقتضي ذلك التمييز بين أضرار لها من عمومها واتساعها وتجردها ما يربطها بالمواطنين في مجموع فئاتهم ، وبين ضرر خاص لا يتعلق بغير شخص معين أو بأشخاص بذواتهم ولا يصيبهم إلا في مصالحهم الذاتية أو الفردية التي تعكسها طلباتهم الشخصية المحددة عناصرها ، ولا يجوز بالتالي أن تقبل الخصومة الدستورية ما لم تكن مصلحة المدعي فيها مختلفة عن مصالح المواطنين في مجموعهم ، إذ أن اندماج مصلحته في مصالحهم يفقدها شخصيتها وذاتيتها وهي عنصر لازم لبيان حدود الخصومة الدستورية التي يطرحها المدعي في نطاق مصلحته الشخصية المباشرة مفصلا بوقائعها النصوص التشريعية المطعون عليها وصلتها بالأضرار الواقعية التي سببتها له([10])*
*ولعل هذا هو ما عبرت عنه المحكمة الدستورية العليا المصرية في حكمها الصادر بتاريخ 1994.05.07 في الدعوى الدستورية رقم 1/15 ق بقولها (( إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – إنما يتحدد على ضوء عنصرين أوليين يحددان مضمونها ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه وإن كان استقلالهما عن بعضهما البعض لا ينفي تكاملهما وبدونهما مجتمعين لا يجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية القوانين واللوائح ، أولهما: أن يقيم المدعي – وفي حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي المطعون عليه – الدليل على أن ضررا واقعيا – اقتصاديا أو غيره – قد لحق به ، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرا مستقلا بعناصره ممكنا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية وليس ضررا متوهما أو نظريا أو مجهلا ، بما مؤداه أن الرقابة على الدستورية يجب أن تكون موطئا لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية آثارها القانونية ، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفعها ، ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه ، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعي أصلا ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان قد أفاد من مزاياه ، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه ، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية ، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها ))([11]).*
*وهو ما رددته من بعدها المحكمة العليا الليبية في حكمها الصادر بتاريخ 2008.11.12 في الطعن الدستوري رقم 1/44 ق الذي جاء فيه أنه (( لا يكفي لتحقق المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية أن يكون النص التشريعي المطعون فيه مخالفا للقواعد الدستورية بل يجب توافر عنصرين يحددان هذه المصلحة ، أولهما: أن يدلل الطاعن على أن تطبيق النص عليه قد الحق به ضررا مباشرا مستقلا بعناصره ممكنا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية وليس ضررا متوهما أو نظريا مجهلا ، بما مؤداه أن الرقابة الدستورية يجب أن تكون ملاذا لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وإيقاف آثارها القانونية ، وثانيهما: أن يكون مرجع الضرر هو النص التشريعي المطعون فيه ، فإذا لم يكن النص قد طبق على الطاعن ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان قد أفاد من مزاياه ، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه ، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية لأن إبطال النص التشريعي في أي من هذه الصور لا يحقق للطاعن فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبل رفعها) ([12]).*
*وهذا ما ترجمته كذلك المحكمة الدستورية البحرينية في حكمها الصادر بتاريخ 2008.11.24 في القضية رقم د/2/6 لسنة 4 ق ومما جاء فيه ((أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية في الدعوى الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة ، وهذا الشرط يرسم حدود ولاية المحكمة الدستورية فلا تمتد ولايتها لغير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي وبالقدر اللازم للفصل فيه ، كما أن مؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الخصوم الذي أضيروا من جراء تطبيق النص المطعون عليه ، سواء كان هذا الضرر وشيكا يتهددهم أم كان قد وقع فعلا ، ويتعين أن يكون هذا الضرر منفصلا عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور ، مستقلا بالعناصر التي يقوم عليها ، ممكنا تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته ، عائدا في مصدره إلى النص المطعون عليه ، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلا على من أدعى مخالفته للدستور ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه أو كان قد أفاد من مزاياه أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه ، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة ، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها))([13]).*
*وللاعتبارات المتقدمة فإن المصلحة النظرية المجردة لا تكفي لقبول الدعوى الدستورية ، ومن ثم فإن شرط المصلحة لا يتوافر إذا كان المدعي يستهدف من دعواه الدستورية تقرير حكم الدستور مجردا في موضوع معين لأغراض أكاديمية أو أيديولوجية أو دفاعا عن قيم مثالية يرجى تثبيتها ، أو كنوع من التعبير في الفراغ عن وجهة نظر شخصية أو لتوكيد مبدأ سيادة القانون في مواجهة صور من الإخلال بمضمونه لا صلة للمدعي بها ، أو لإرساء مفهوم معين في شأن مسألة لم يترتب عليها ضرر بالمدعي ولو كانت تثير اهتماما عاما ، إذ لا يتصور أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم في الشئون التي تعنيهم بوجه عام أو أن تكون نافذة يعرضون من خلالها ألوانا من الصراع بعيدا عن مصالحهم الشخصية المباشرة أو شكلا للحوار حول حقائق علمية يطرحونها لإثباتها أو نفيها أو دفاعا عن مصالح بذواتها لا شأن للنص المطعون عليه بها([14]).*
*3) المصلحة القائمة:*
*لا يكفي لتوافر شرط المصلحة في الدعوى أن تكون قانونية فحسب ، وإنما يلزم فوق ذلك أن تكون هذه المصلحة قائمة ، والمقصود بالمصلحة القائمة أن يكون المساس بالحق أو الإخلال بالمركز القانوني قد حدث فعلا سواء بإنكاره أو التشكيك فيه بما يترتب على ذلك من نتائج ضارة.*
*فإذا لم يحدث اعتداء على الحق أو المركز القانوني بأي صورة من الصور فمعنى ذلك أنه لا حاجة لطلب الحماية القضائية لانتفاء محلها أو موجبها ، وإذا حدث اعتداء على الحق أو المركز القانوني بالفعل إلا أنه لم يسفر عن وقوع ضرر في حينه ، فهنا تكون قد تولدت مصلحة قائمة ولكنها ليست حالة وإنما مستقبلة ومن ثم فإن طلب الحماية القضائية لا يكون قد حان وقته بعد ما لم يكن وشيك الوقوع.*
*ويمكن أن يستفاد ذلك مما قضت به المحكمة الدستورية العليا المصرية في حكمها الصادر بتاريخ 1989.05.21 في الدعوى الدستورية رقم 11/8 ق والذي جاء فيه (( وحيث إن المدعي يطعن كذلك بعدم دستورية المادة ( 50 ) من قانون حماية القيم من العيب الصادر بالقانون رقم 95/1980 والتي تنص على أن: يكون الحكم الصادر من المحكمة العليا للقيم نهائيا ولا يجوز الطعن فيه بأي وجه من الوجوه عدا إعادة النظر ، وينعى المدعي على هذه المادة بأن الدعاوى التي كانت تدخل أصلا في اختصاص القضاء العادي واختصت بها محكمة القيم إعمالا للقرار بقانون رقم 141/1981 كان يجوز الطعن على الأحكام الصادرة فيها بطريق النقض ، وأنه إذ قصرت المادة ( 50 ) من القانون رقم 95/1980 المشار إليه الطعن على إعادة النظر فإنها تكون قد حرمت المتقاضين من أحد طرق الطعن وخالفت بذلك المواد ( 40 ) ، ( 68 ) ، ( 69 ) ، ( 165 ) ، ( 167 ) من الدستور ، وحيث إنه من لمقرر – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها ، ومناط ذلك أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية وأن يكون من شأن الحكم في المسألة الدستورية أن يؤثر فيما أبدي من طلبات في دعوى الموضوع ، وإذ كان المدعي يستهدف من دعواه الدستورية إجازة الطعن بطرق النقض في الأحكام الصادرة من المحكمة العليا للقيم ، وكان الثابت أن الدعوى الموضوعية لا زالت متداولة أمام محكمة القيم بدرجتها الأولى– ويجوز الطعن في الأحكام الصادرة منها أمام المحكمة العليا للقيم – ومن ثم وإلى هذا الحد من دعوى الموضوع فإنه لا مصلحة للمدعي في إثارة حق الطعن لدى درجات أعلى من التقاضي ويتعين بالتالي القضاء بعدم قبول الدعوى في هذا الشق ))([15]).*
*ويثور السؤال حول مدى اعتبار شرط المصلحة في الدعوى الدستورية قائما عند تعديل أو إلغاء النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته أثناء سير الخصومة أمام القضاء الدستوري؟*
*يستخلص من أحكام القضاء الدستوري في الإجابة على هذا السؤال أن تعديل أو إلغاء النص التشريعي المطعون فيه بعدم الدستورية لا يحول –كقاعدة عامة- دون توافر المصلحة القائمة في الدعوى الدستورية واستمرار القضاء الدستوري بنظرها والفصل فيها بالنسبة للأشخاص الذين طبق عليهم ذاك النص خلال فترة نفاذه وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بحقهم([16]).*
*وهذا ما قضت به المحكمة الدستورية العليا المصرية في حكمها الصادر بتاريخ 1983.06.11 في الدعوى الدستورية رقم 47/3 ق بأنه (( وإن كانت المادة الأولى من القانون رقم 17/1983 بشأن إصدار قانون المحاماة قد نصت على إلغاء القانون رقم 125/1981 – المعدل بالقانون رقم 109/1982 – المطعون فيه ، إلا أن الإلغاء التشريعي لهذا القانون – الذي لم يرتد أثره إلى الماضي – لا يحول دون النظر والفصل في الطعن بعدم الدستورية من قبل من طبق عليهم خلال فترة نفاذه وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة لهم وبالتالي توافرت لهم مصلحة شخصية في الطعن بعدم دستوريته )) ([17]) وهو ما رددته من بعدها المحكمة العليا الليبية في حكمها الصادر بتاريخ 2013.12.23 في الطعن الدستوري رقم 4/60 ق([18]) وكذلك المحكمة الدستورية البحرينية في حكمها الصادر بتاريخ 2015.01.28 في القضية رقم د/1/2014 لسنة 12 ق([19]) ، ([20]).*
*ويرد على هذه القاعدة العامة بعض الاستثناءات والتي يمكن اعتبارها خروجا عنها في حالات معينة مما تنتفي أو تزول بشأنها المصلحة القائمة في الدعوى الدستورية([21]) وتتجلى هذه الحالات فيما يأت:*
*1. حالة إلغاء أو تعديل النص المطعون فيه بأثر رجعي:*
*ومن تطبيقات هذه الحالة في قضاء المحكمة الدستورية العليا المصرية
ما جاء في حكمها الصادر بتاريخ 1985.03.02 في الدعوى الدستورية رقم 1/1 ق بأنه (( لما كان مقتضى إعمال القرار بقانون رقم 77/1963 بأثر مباشر من تاريخ نشره – بعد إلغاء الأثر الرجعي الذي كانت تنص عليه المادة الثالثة منه – حيث كان يرتد بتاريخ تأميم الشركات والمنشآت الواردة به إلى تاريخ العمل بالقرار بقانون رقم117/1961 ، ومن ثم تكون مصلحة المدعي في الطعن بعدم دستورية هذه المادة – بعد تعديلها على الوجه المتقدم – غير قائمة الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى))([22]).*
*1. حالة إلغاء أو تعديل النص المطعون فيه بما يحقق مصلحة المدعي:*
*ومن تطبيقات هذه الحالة في قضاء المحكمة العليا الليبية ما أوردته في حكمها الصادر بتاريخ 2005.05.19 في الطعن الدستوري رقم 2/44 ق بأنه (( لما كان ما يستهدفه المتهمون من دعواهم الموضوعية هو عدم تطبيق أحكام القانون رقم 13/25 لمخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بثبوت جريمتي السرقة والحرابة المعاقب عليهما حدا ، وكان المشرع قد أصدر القانون رقم 10/1369 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 13/25 ونص على تطبيق أحكام قانون العقوبات على جرائم السرقة المعاقب عليهما حدا التي وقعت قبل نفاذه وبذلك أضحى القانون الواجب التطبيق على المتهمين هو قانون العقوبات ، فإن هدفهم من الدفع بعدم دستورية القانون رقم 13/25 فيما يتعلق بأدلة ثبوت جريمتي السرقة والحرابة يكون قد تحقق وتكون مصلحتهم غير قائمة بعد أن أصبحت غير مرتبطة بطلباتهم الموضوعية التي كانت معروضة على محكمة الموضوع ، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بعدم دستورية القانون رقم 13/25 السالف الذكر))([23]).*
*1. حالة تعديل أو إلغاء النص المطعون فيه المتعلق بإجراءات التقاضي:*
*وتطبيقا لهذه الحالة قررت المحكمة الدستورية العليا المصرية في حكمها الصادر بتاريخ 1981.12.05 في الدعوى الدستورية رقم 8/2 ق بأنه (( لما كانت الفقرة ( 12 ) من المادة ( 8 ) من القانون رقم 40/1977 بنظام الأحزاب السياسية المعدلة بالقرار بقانون رقم 36/1979 والتي أشركت أعضاء من مجلس الشعب في تشكيل الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا – المطعون بعدم دستوريتها – قد عدلت بعد رفع الدعوى بالقانون رقم 30/1981 الذي استبدل بهذا التشكيل تشكيلا جديدا يضم إلى أعضاء المحكمة عددا مماثلا من الشخصيات العامة بدلا من أعضاء مجلس الشعب ، وكان هذا التعديل قد أحدث أثره فور نفاذ القانون رقم 30/1980 باعتباره – في هذا الخصوص- من القوانين المنظمة لإجراءات التقاضي والتي تسري بأثر فوري على ما لم يكن قد فصل فيه من دعاوى أو تم من إجراءات قبل تاريخ العمل بها إعمالا لحكم المادة الأولى من قانون المرافعات فحل بذلك التشكيل الجديد محل التشكيل الملغي موضوع الطعن ، ومن ثم تكون مصلحة المدعي في دعواه الراهنة قد زالت وتكون الخصومة الماثلة قد أصبحت غير ذات موضوع ))([24]).*
*ولكن ما مدى كفاية المصلحة المحتملة لقبول الدعوى الدستورية([25]) تتجه أحكام القضاء الدستوري المقارن إلى كفاية المصلحة المحتملة لقبول الدعوى الدستورية ، إذ ليس بلازم أن تكون المصلحة في الدعوى الدستورية قائمة بكل عناصرها وقت المنازعة في النصوص التشريعية المطعون عليها ، وإنما يكفي أن تكون تلك المصلحة محتملة تقوم على توقي ضرر لا شبهة في إمكان تحديده بأن كان ما يشكله من تهديد وشيك الوقوع – على الأقل – وبعبارة أخرى فإنه لا يلزم أن يصل ذلك الضرر إلى درجة اليقين من جهة ثبوته ، بل يكفي أن يكون وقوعه محتملا وتعيينه ممكنا ، ولكن لا يكفي أن يكون هذا الضرر تصوريا محضا([26]) أو منتحلا أو متوهما أو عاما غير محدد بضرر معين.*
*وهذا ما عبرت عنه المحكمة العليا الأمريكية في حكمها الصادر في قضية فروذنجهام ضد ميلون عام 1923 بقولها (( إنه لا يقبل من الطاعن في دستورية القانون أن يكتفي بالتدليل على قيام التعارض بينه وبين نص من نصوص الدستور ، بل يجب عليه فوق ذلك أن يثبت أن القانون قد سبب له ضررا شخصيا مباشرا أو يوشك أن يسبب له هذا الضرر ، ولا يكفي في ذلك أن يثبت أنه مهدد على نحو عام غير محدد بضرر يشاركه فيه عامة الناس))([27]).*
*وهو ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا المصرية من ذلك ما جاء في حكمها الصادر بتاريخ 1996.08.06 في الدعوى الدستورية رقم 37/15 ق بأن (( المصلحة الشخصية المباشرة لا يشترط أن تكون قائمة يقرها القانون ، وإنما يكفي أن يكون محتملا تحققها ، ذلك أنه من غير المنطقي أن يحمل الشخص على إرجاء دعواه الدستورية حتى تتحقق الأضرار التي تهدده بكاملها وإنما يجوز دائما أن يتخذ دعواه هذه طريقا إلى توقي وقوعها ))([28]) وأكدته كذلك في حكمها الصادر بتاريخ 1997.01.04 في الدعوى الدستورية رقم 47/17 ق بقولها (( إن شرط المصلحة الشخصية المباشرة مؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين أضيروا من جراء سريان النصوص المطعون عليها في شأنهم ، سواء كان ما أصابهم من ضرر بسببها قائما أم كان وشيكا يتهددهم))([29]).*
*ويقول المستشار خليفة الجهمي انه في تقديره الخاص أن فرص إعمال المصلحة المحتملة تتضاءل في نطاق الدعوى الدستورية المرفوعة بطريقي الدفع الفرعي والإحالة وذلك لارتباط تحريكهما بدعوى موضوعية تثير نزاعا قائما إزاء وقائع حدثت وإلا فلا مجال لإثارة المسألة الدستورية حيالها([30]) ومع ذلك فإن المصلحة المحتملة تجد لها فرصة أوفر في التطبيق عند تحريك الرقابة على دستورية القوانين بطريق الدعوى الأصلية المباشرة ، بحسبانها تتغيا تقرير حكم الدستور في شأن التشريع المطعون فيه مجردا عن أي طلبات موضوعية ، وهو ما جسدته المحكمة العليا الليبية في حكمها الصادر بتاريخ 2012.06.14 في الطعن الدستوري رقم 5/59 ق بقولها (( إن للمصلحة في الطعن الدستوري مفهوما خاصا ، فهي تتحقق في جانب الطاعن متى القانون موضوع الطعن واجب التطبيق عليه ، ولا تنتفي مصلحته في الطعن على أي قانون إلا إذا كان تطبيقه ينحصر في فئة لا ينتمي إليها ، وينبني على ذلك أنه بموجب نص المادة ( 23/1 ) من قانون المحكمة العليا يجوز لكل فرد أن يطعن بدعوى مباشرة بعدم دستورية القانون منذ صدوره إذا كان من بين المشمولين بتطبيق أحكامه ، ولا يسوغ القول بأن عليه أن ينتظر إلى أن يتم تطبيق القانون عليه ، لأن في ذلك إهدار للهدف الذي توخاه المشرع من نص المادة المشار إليها ، وهو فسح المجال لتصحيح ما يلحق بالقانون من عوار دستوري(المستشار خليفة الجهمي، شرط المصلحة في الدعوى الدستورية ص٢ ومابعدها))([31]).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجة الثاني:
وقت توافر المصلحة في الدعوى الدستورية وصور انتفائها:*
➖➖➖➖➖
*▪️يقول المستشار الدكتور خليفة الجهمي في بحثه الموسوم (شرط المصلحة في الدعوى الدستورية ص٩): ان الوقت المعول عليه لتوافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية هو الوقت الذي ترفع فيه الدعوى مع وجوب استمرار وجوده حتى الفصل فيها ، فإذا لم يتوافر شرط المصلحة عند قيام المدعي برفع الدعوى الدستورية ، فإن دعواه تكون غير مقبولة ، وإذا زال شرط المصلحة بالنسبة للمدعي قبل الفصل في دعواه الدستورية فإن الخصومة في الدعوى تعتبر منتهية([43]).*
*وهذا ما جسدته المحكمة الدستورية العليا المصرية في حكمها الصادر بتاريخ 1995.10.21 في الدعوى الدستورية رقم 9/15 ق والذي جاء فيه أنه (( من المتعين أن تظل المصلحة الشخصية المباشرة قائمة حتى الفصل في الدعوى الدستورية ، فإذا انتفت منذ رفعها أو زالت قبل الفصل فيها وجب ألا تخوض المحكمة الدستورية العليا في موضوعها))([44]).*
*وهو ما أكدته في حكمها الصادر بتاريخ 2006.06.11 في الدعوى الدستورية رقم 13/23 ق بأنه ((لا يكفي توافر شرط المصلحة عند رفع الدعوى الدستورية أو عند إحالتها إليها من محكمة الموضوع ، وإنما يتعين أن تظل هذه المصلحة قائمة حتى الفصل في الدعوى الدستورية ، بحيث إذا زالت المصلحة بعد رفع الدعوى وقبل الفصل فيها فلا سبيل إلى التطرق إلى موضوعها))([45]) ويبدو أن المحكمة العليا الليبية تأخذ بالرأي العكسي إذ يستفاد مما جاء في حكمها الصادر بتاريخ 1970.01.11 في الطعن الدستوري رقم 1/12 ق أنه يكفى أن يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة متوافرا وقت رفع الدعوى الدستورية بصرف النظر عن استمراره حتى صدور حكم فيها([46]).*
*– صور انتفاء المصلحة في الدعوى الدستورية:*
*إذا توافرت المصلحة في الدعوى الدستورية عند رفعها ثم تخلفت قبل أن يصدر القضاء الدستوري حكمه فيها ، فإنه يترتب على ذلك عدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة ، وبالتالي فإن شرط المصلحة في الدعوى الدستورية ينتفي في صور معينة أثناء سير الخصومة ، ويمكن إجمال هذه الصور فيما يأتي:*
*1. انتهاء الدعوى الموضوعية قبل الفصل في الدعوى الدستورية:*
*بالنظر إلى الارتباط الوثيق بين الدعوى الموضوعية والدعوى الدستورية عند تحريك الرقابة الدستورية بطريقي الدفع والإحالة ، فإن الدعوى الدستورية تتأثر بعد رفعها بما يعتري الخصومة في الدعوى الموضوعية من أسباب انتهائها ، سواء بالترك أو التنازل أو بصدور حكم نهائي فيها ، إذ يترتب على انتهاء الدعوى الموضوعية لأي من الأسباب المذكورة زوال مصلحة المدعي في الفصل في مدى دستورية النصوص التشريعية التي تستند إليها طلباته الموضوعية بما مؤداه الحكم بعدم قبول الدعوى الدستورية([47]).*
*ومن تطبيقات ذلك في قضاء المحكمة الدستورية العليا المصرية ما أوردته في حكمها الصادر بتاريخ 1983.12.03 في الدعوى الدستورية رقم 31/2 ق بأنه (( لما كان النزول عن الحق المدعى به عملا قانونيا يتم بالإرادة المنفردة وينتج أثره في إسقاطه ، وبالتالي فإنه يترتب على تنازل المدعيين عن طلب الفوائد القانونية انتفاء مصلحتهما في الفصل في مدى دستورية المادة ( 226 ) من القانون المدني الخاصة بالفوائد القانونية ، إذ لم يعد ذلك لازما للفصل في الدعوى الموضوعية ، ولما كان ما تقدم فإنه يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى ))([48]).*
*وهو ما قررته أيضا المحكمة الدستورية الكويتية في حكمها الصادر بتاريخ 2002.05.28 في الطعن رقم 3/2002 الذي جاء فيه ((أنه لما كان الثابت أن محكمة الدرجة الأولى قد قضت ببطلان عقدي التأسيس رقمي … فيما ورد بالبندين الخامس من العقد الأول والسابع من العقد الثاني بشأن تعيين المديرين وبطلان عزل المدعين كمديرين للشركة وتسليمها لهم لإدارتها استجابة لطلبات المدعين الموضوعية ، وذلك لمخالفة المقضي ببطلانه لنص المادة ( 202 ) من قانون الشركات – المدفوع بعدم دستوريتها – وقد تأيد هذا الحكم استئنافيا ، ومن ثم يكون الحكم الصادر في النزاع الموضوعي محل المخالفة الدستورية مدار الطعن الماثل وقد أصبح نهائيا حائزا للحجية ، وبه غدا اللجوء إلى المسألة الدستورية أمرا غير لازم إذ لا أثر للحكم في المسألة الدستورية على الفصل في الطلب الموضوعي بعد أن تم الفصل فيه بحكم نهائي حائز للحجية))([49]).*
*1. سابقة الحكم بعدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه:*
*أشرنا فيما سلف إلى أن قيام المشرع بإلغاء أو تعديل النص التشريعي ليس من شأنه أن يحول دون الطعن فيه بعدم الدستورية ممن طبق عليه خلال فترة نفاذه طالما لم يكن لهذا الإلغاء أو التعديل أثر رجعي يرتد إلى الماضي ، غير أن الأمر على خلاف ذلك في حالة قيام القضاء الدستوري بالحكم بعدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه حيث ينعدم كل أثر له من تاريخ
صدوره ، إذ أنه نتيجة لما تتمتع به الأحكام القضائية بعدم الدستورية من حجية مطلقة وعدم اقتصار آثارها على الخصوم في الدعاوى التي صدرت فيها فحسب وإنما إنصرافها كذلك إلى الكافة والتزام جميع سلطات الدولة بإعمال مقتضاها([50]) فإن مؤدى ذلك ولازمه انتفاء أي مصلحة للطعن عليها بعدم الدستورية مجددا.*
*وهذا ما جرت عليه أحكام القضاء الدستوري من ذلك ما أوردته المحكمة الدستورية العليا المصرية في حكمها الصادر بتاريخ 1987.06.06 في الدعوى الدستورية رقم 77/3 ق بأنه (( لما كان المستهدف من هذه الدعوى هو الفصل في مدى دستورية القرار بقانون رقم 141/1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة وفي مدى دستورية المادتين الثانية والسادسة منه ، وقد سبق لهذه المحكمة أن أصدرت حكمها المتقدم ( والقاضي بعدم الدستورية ) وكان قضاؤها في هذا له حجية مطلقة حسمت الخصومة الدستورية بشأن هذه الطعون حسما قاطعا مانعا من نظر أي طعن مماثل يثور من جديد ، فإن المصلحة في الدعوى الماثلة تكون منتفية وبالتالي يتعين الحكم بعدم قبولها))([51]).*
*ورددته كذلك -بصيغة أخرى- في حكمها الصادر بتاريخ 1993.12.06 في الدعوى الدستورية رقم 4/12 ق بقولها (( وحيث إن قضاء هذه المحكمة – فيما فصل فيه في الدعويين المتقدم بيانهما – إنما يحوز حجية مطلقة تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه من جديد على هذه المحكمة لمراجعته ، ذلك أن الخصومة في الدعوي الدستورية – وهي بطبيعتها من الدعاوي العينية – إنما توجه إلى النصوص التشريعية المدعي مخالفتها للدستور ، ولا يعتبر قضاء المحكمة في شأن استيفاء النص التشريعي للأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور ، أو بتوافقه أو بتعارضه مع الأحكام الموضوعية في الدستور ، منصرفاً فحسب إلى الخصوم في الدعوي التي صدر فيها ، بل متعدياً إلى الكافة ومنسحباً إلى كل سلطة في الدولة ، بما يردهم عن التحلل منه أو مجاوزة مضمونه ، ومتى كان ذلك فإن المصلحة في الدعوي الماثلة تكون منتفية ويتعين – من ثم – الحكم بعدم قبولها ))([52]).*
*وينتقد جانب من الفقه الدستوري([53]) ما تسير عليه المحكمة الدستورية العليا المصرية في قضائها بعدم قبول الدعوى لزوال المصلحة – في كل الأحوال- بسبب سبق صدور حكم بعدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه ، ويرى أن الأدق هو التفرقة بين ما إذا كان الحكم السابق بعدم الدستورية قد صدر بعد رفع الدعوى الدستورية وبين ما إذا كان قد صدر قبل رفعها إذ يتعين في الحالة الأولى الحكم بانتهاء الخصومة في الدعوى لثبوت المصلحة ابتداء عند رفعها ، أما في الحالة الأخيرة – وهي صدور الحكم السابق بعدم الدستورية بعد رفعها – فإنه ينبغي الحكم بعدم قبول الدعوى الذي يفترض عدم توافر شروط قبولها ابتداء.*
*وتذهب المحكمة العليا الليبية إلى اعتبار سبق صدور حكم بعدم الدستورية مناطا للقضاء بانتهاء الخصومة في الطعن بعدم دستورية نفس النص التشريعي وذلك في جميع الأحوال – أي سواء أكانت الدعوى قد رفعت قبل صدور الحكم السابق بعدم الدستورية أم رفعت بعده – وهذا ما قررته في أكثر من حكم لها نذكر منها ما جاء في حكمها الصادر بتاريخ 2010.10.10 في الطعن الدستوري رقم 4/56 ق بأنه (( وحيث إن الطاعن أقام الدعوى الماثلة –بتاريخ 2009.04.14 – طالبا الحكم بعدم دستورية نص المادة ( 93 ) من القانون رقم 6/2006 بشأن نظام القضاء فيما تضمنه من عدم جواز الطعن بأي طريق في الحكم الصادر من المجلس الأعلى للهيئات القضائية في الدعوى التأديبية ، ولما كانت المحكمة العليا بدوائرها مجتمعة قد سبق لها القضاء بعدم دستورية هذا النص في الطعنين الدستوريين رقمي 5/55 ق ، 1/56 ق في 2009.11.11 وقضاؤها هذا حجة على الكافة وحجيته مطلقة يحسم الخصومة بشأن دستورية النص المطعون فيه حسما قاطعا مانعا لنظر أي طعن يثور بشأنه مجددا بما يرتبه من انتهاء الخصومة في الطعن ))([54]).*
*1. طروء تغيير على أوضاع وصفات أطراف الدعوى الموضوعية:*
*يستتبع التغيير الذي يطرأ على أوضاع وصفات بعض أطراف الدعوى الموضوعية التي أثيرت بمناسبتها المسألة الدستورية أثناء سير الخصومة انتفاء المصلحة في الدعوى الدستورية لضرورة استمرارها حتى الفصل فيها.*
*وتطبيقا لذلك قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية في حكمها الصادر بتاريخ 1992.02.01 في الدعوى الدستورية رقم 25/6 ق بأن (( صفة المدعى عليهم في الدعوى الموضوعية – كأفراد بالقوات المسلحة قد انفكت عنهم – قبل الفصل في الدعوى الماثلة إما بالوفاة أو بالإحالة إلى التقاعد ، وكان من المقرر أن شرط المصلحة في الدعوى لا يكفي أن يتوافر عند رفعها بل يتعين أن يظل قائما حتى الفصل نهائيا فيها ، فإنه أيا كان وجه الرأي في شأن دستورية النص التشريعي المطعون فيه – فإنه وقد أضحى غير متعلق بالمدعى عليهم – صار غير سار في حقهم ليعود الأمر في شأن إعلانهم إلى القواعد العامة وذلك بأن يتم الإعلان إما لأشخاصهم أو في مواطنهم شأنهم في ذلك شأن غيرهم من المواطنين الذين لا يشملهم تنظيم خاص بالنسبة للإعلان ، إذ كان ذلك وكان ما قصد إليه المدعون من الطعن على البند السادس المشار إليه هو ألا يعامل المدعى عليهم معاملة خاصة في شأن الإعلان يمتازون بها عن سواهم ، وهو ما تحقق بعد زوال صفتهم العسكرية وإعلانهم بالتالي وفقا للقواعد العامة ، فإن مصلحة المدعين في الطعن على البند السادس السالف البيان تغدو محض مصلحة نظرية الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى ))([55]).*
*– طبيعة الدفع بعدم توافر المصلحة في الدعوى الدستورية :*
*يندرج الدفع بانتفاء شرط المصلحة في الدعوى الدستورية ضمن طائفة الدفوع بعدم القبول باعتباره يوجه إلى الشروط اللازم توافرها لقبول الدعوى([56]) وليس أدل على ذلك مما نص عليه قانون المرافعات المدنية والتجارية في الدول محل الدراسة بصيغة متقاربة – بحسبانه الشريعة العامة في الإجراءات – بأنه (( لا تقبل الطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم فيها مصلحة شخصية مباشرة )) ومن ثم فإن الدفع بعدم توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية لا يسقط بالتكلم في الموضوع ، ويجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى ، ولو لأول مرة أمام القضاء الدستوري الذي له أن يثيره من تلقاء نفسه لتعلقه بالنظام العام .(شرط المصلحة في الدعوى الدستورية، للمستشار الدكتور خليفة سالم الجهمي، ص١١)*