الخبرة أمام محكمة الاستئناف

*الخبرة أمام محكمة الاستئناف*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️للخبرة في درجة الاستئناف إشكاليات عدة تتعلق بمبدأ التقاضي على درجتين وكذا فيما يتعلق بكيفية تعامل الاستئناف مع تقارير الخبراء المقدمة إلى محكمة أول درجة، وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى جانب من هذه الإشكاليات، حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية في المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-11-2018م في الطعن رقم (60321)، الذي تضمن في أسبابه: ((وعليه فقد تبين من أسباب الحكم الاستئنافي المطعون فيه أنه اعتمد على إفادة العدل المختار من المطعون ضده الذي وصفه الحكم بأنه متقدم بالسن وعارف بحال المنطقة والظروف المحيطة بمحل النزاع، غير أن الحكم لم ينسب للشعبة الاستعانة ندب ذلك العدل كما في أحكام المادة (167) إثبات، في حين ان الحكم الابتدائي الملغي من الشعبة قد تضمن أن محكمة أول درجة قد عاينت محل النزاع واتفقا في المعاينة عدلا الطرفين على ان الحق في جانب الطاعن، ومع ذلك فلم يناقش الحكم الاستئنافي هذا التناقض ومن غير ان يناقش الحكم تقرير المعاينة المتضمن رأي العدلين المختارين من الطرفين ، ومن غير ان يبين الحكم سبب اعتماده على إفادة عدل المطعون ضده، والحكم الاستئنافي إذا ذهب إلى خلاف ما ذهبت إليه محكمة أول درجة، فعلى الحكم الاستئنافي في هذه الحالة تفنيد ما جاء في أسباب الحكم الابتدائي)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: تعيين الخبراء أمام محكمة الاستئناف:*
➖➖➖➖➖

*▪️من المبادئ الحاكمة للتقاضي مبدأ التقاضي على درجتين الذي يمنح الخصوم حق عرض قضاياهم أمام درجتين من درجات التقاضي الموضوعي لاستدراك أي خلل أو قصور أو خطأ، وعلاوة على مبدأ التقاضي على درجتين فإن من المبادئ الحاكمة للتقاضي أيضا مبدأ المواجهة الذي يجب على القاضي ان يلتزم به ويكفل احترام الخصوم له، ويعني مبدأ المواجهة ان تتم مواجهة الخصوم أمام درجتي التقاضي في جلسات علنية بكافة إجراءات التقاضي بما فيها الأدلة على ان يكون ذلك في متسع من الوقت يمكن الخصوم من دراسة تلك الأدلة وإبداء أوجه دفاعهم، وعلى خلفية مبدأ التقاضي على درجتين ومبدأ المواجهة نلاحظ ان محاكم الاستئناف تتهيب كثيراً عندما تلجأ إلى تعيين الخبراء لأول مرة أمام محكمة الاستئناف أو عند إعادة أعمال الخبرة أمام محكمة الاستئناف، لان قانون الإثبات قد كفل للخصوم حق الإعتراض على ندب أو تكليف الخبراء كما كفل للخصوم حق إبداء الملاحظات على التقارير المرفوعة من الخبراء أمام درجتي التقاضي، فلايتحقق ذلك الغرض إذا استعانت محكمة الاستئناف بأعمال الخبرة لأول مرة من غير ان تكون محكمة أول درجة قد استعانت قبل ذلك بأعمال الخبرة، ولذلك نلتمس الف عذر للحكم الاستئنافي الذي فضل الأخذ برأي أحد الخبراء المنتدبين أمام محكمة أول درجة، وإن كان الحكم الاستئنافي لم يبين سبب إختياره لرأي أحد الخبراء واخطأ حينما لم يبرر التناقض فيما يتعلق بإتفاق الخبيرين عند المعاينة ثم قيام الخبير الذي اعتمد الحكم الاستئنافي على إفادته بتغيير رأيه أمام محكمة الاستئناف.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: اعتماد محكمة الاستئناف على تقارير الخبراء المقدمة أمام محكمة أول درجة:*
➖➖➖➖➖

*▪️السبيل الأفضل أن تعتمد محكمة الاستئناف على تقارير الخبراء المقدمة أمام محكمة أول درجة وان تستانس محكمة الاستئناف باعتراضات الخصوم وملاحظاتهم على تقارير الخبراء المقدمة أمام محكمة أول درجة عملا بمبدأ الأثر الناقل للاستئناف، وعندئذ تملك محكمة الاستئناف وفقاً للقانون بأن تاخذ بتقرير منها ويحق لها ان تجمع بين بعض النتائج من تقرير وبعضها من تقرير آخر، وفي كل الأحوال فإن محكمة الاستئناف ملزمة ببيان أسباب أخذها بتقرير بعينه أو جمعها بين تقريرين، وهذا السبيل هو أفضل السبل واسلمها حيث لا يفوت على الخصوم مناقشة التقارير أمام درجتي التقاضي ، ويفهم من مطالعة الحكم محل تعليقنا أنه قد المح إلى أنه كان ينبغي على الحكم الاستئنافي سلوك هذا السبيل، حيث أشار الحكم محل تعليقنا إلى أنه كان ينبغي على الحكم الاستئنافي الترجيح بين التقريرين المقدمين أمام محكمة أول درجة ومحضر المعاينة وان يكون هذا الترجيح وفقا للمعايير المقبولة وليس الاكتفاء بالقول ان الخبير متقدم بالسن أو عارف بأحوال المنطقة وان كانت هذه معايير ثانوية، ولذلك ينبغي الترجيح إعتمادا على المعايير الرئيسة وهى التي لها أصل في الأوراق مثل التقرير المقدم أمام محكمة أول درجة الموافق لنتائج المعاينة أو التقرير المتوافق مع أقوال الشهود وغير ذلك من المرجحات الرئيسية، ولا بأس من ذكر المرجحات الثانوية المشار إليها بعد ذكر المرجحات الرئيسية.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: نسبة الإستعانة بالخبير إلى محكمة الاستئناف(الندب أو التكليف):*
➖➖➖➖➖

*▪️سبقت الإشارة إلى تهيب قضاة محاكم الاستئناف من ندب الخبراء لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، حيث تكتفي محكمة الاستئناف بالترجيح بين التقارير المتضاربة المقدمة أمام محكمة أول درجة أو اختيار خبير مرجح لدراسة التقارير السابقة والترجيح بينها، وعلى هذه الخلفية فقد استعانت محكمة الاستئناف بالخبير الذي كان مختاراً من أحد الخصوم في المرحلة الابتدائية، ولكن الحكم الاستئنافي لم ينسب إلى الشعبة الاستعانة ندب ذلك الخبير حيث لم يظهر للمحكمة العليا ما إذا كانت الشعبة الاستئنافية قد ندبت الخبير الذي سبق لأحد الخصوم اختياره عدلا عنه أمام محكمة أول درجة، وظهر أيضا ان تقرير ذلك الخبير أمام محكمة الاستئناف مغاير لما افاد به الخبير نفسه عند قيام المحكمة الابتدائية بمعاينة محل النزاع، والله اعلم.*