المنازعة بشأن مصادرة خطاب الضمان تجارية وليس إدارية

*المنازعة بشأن مصادرة خطاب الضمان تجارية وليس إدارية*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️تقوم الجهات الحكومية المختلفة بمصادرة خطابات الضمان المصرفية التي تصدرها البنوك والمصارف لصالح الجهات الحكومية ضماناً لتنفيذ المشاريع التابعة للجهات الحكومية اوحسن تنفيذ تلك المشاريع، وبسبب مصادرة الجهات الحكومية لخطابات الضمان تحدث منازعات بين الجهات الحكومية وبين المقاولين أو الموردين أو المتعهدين بشأن مدى قانونية مصادرة قيمة خطاب الضمان ، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن المنازعة التي تثيرها مصادرة الحكومية لقيمة خطاب الضمان تكون منازعة تجارية وليس إدارية اذا طالب المدعى في دعواه بقيمة خطاب الضمان وادعى احقيته في ذلك حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24-7-2018م في الطعن رقم (61276)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث تبين للدائرة ان الدعوى المستعجلة رفعت أمام المحكمة الإدارية الابتدائية من قبل المدعية شركة.... ضد المدعى عليها وزارة....، حيث طالبت الشركة المدعية بصورة مستعجلة الحكم على الوزارة المدعى عليها بتسليم قيمة خطاب ضمان التنفيذ الصادر عن بنك....، لكون الشركة قد انجزت العمل وقامت بالتوريد بالزيادة عن العقد المتفق عليه، ولما كانت المدعية وهي شركة من شركات القطاع الخاص قد نشأت العلاقة بينها وبين وزارة....، بموجب العقد المبرم بينهما وهو عقد توريد مواد غذائية تقوم به الشركة لصالح الوزارة وما نتج عن العقد من خطاب الضمان البنكي موضوع النزاع، ولما كان الأمر كما سبق فإن القضية لا تندرج ضمن اختصاص المحكمة الإدارية، إذ أن الإختصاص النوعي للمحكمة الإدارية قد حدده قرار إنشائها، وهو القرار الصادر من مجلس القضاء الأعلى برقم (177) لسنة 2010م، الذي نص في الفقرة (2) منه على أنه: (مع عدم الإخلال بالإختصاص النوعي للمحاكم الابتدائية المتخصصة تختص المحكمتان الإداريتان الابتدائيتان بالنظر والفصل فيما يلي: -أ- دعاوى إلغاء القرارات الإدارية الصادرة عن السلطات والوحدات الإدارية العامة وفقا للقوانين ذات الصلة –ب- دعاوى التعويض عن: -1- القرارات الإدارية -2- العقود الإدارية...إلخ) وحيث أشارت الشركة المدعية في سياق دعواها إلى أن هناك مذكرة صادرة من وزارة....موجهة إلى بنك... طلبت فيها الوزارة مصادرة خطاب الضمان البنكي محل الدعوى غير انها لم تقصر دعواها على المطالبة بعدم التعويل على تلك المذكرة والإبقاء على الضمان حتى الفصل في دعوى موضوعية يقدمها أياً من الطرفين، حيث ان الدعوى تجاوزت ذلك إلى المطالبة بتسليم الضمان، كما ان الدعوى لم تكن بشأن المطالبة بالتعويض عن قرار إداري أو عقد إداري، وحيث ان الإختصاص النوعي في هذه القضية لم يثره أحد من طرفي الخصومة أو من قبل المحكمة الإدارية والشعبة الاستئنافية إلا أن هذه الدائرة تتصدى لذلك بإعتبار الإختصاص النوعي من النظام العام المتعلق بالولاية، ولذلك فإن الدائرة تقضي بعدم إختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى لإنعقاد الإختصاص بنظرها للمحكمة التجارية الابتدائية بـ..... وفقاً لنصوص المواد (9 و 5 و 17 و 12) تجاري)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: تجارية المنازعة بشأن مصادرة خطاب الضمان:*
➖➖➖➖➖

*▪️خطاب الضمان: هو عبارة عن عملية من عمليات البنوك يقوم البنك بموجبها بإصدار تعهد خطي منه بأنه ملتزم بدفع المبلغ المذكور في خطاب الضمان عند مطالبة من المستفيد من خطاب الضمان وهو طرف ثالث غير البنك وطالب الضمان المقاول أو المتعهد ، ويكون الطرف المستفيد من خطاب الضمان في الغالب الجهة المستفيدة من عقد التوريد أو المقاولة أي تلك الجهة التي يتم التوريد لها أو تنفيذ المشروع لحسابها، حيث يقوم البنك بتنفيذ طلب الجهة المستفيد وصرف قيمة خطاب الضمان إلى المستفيد المذكور في الخطاب دون قيد أو شرط، وقد صرحت المادة (10) تجاري على ان: عمليات البنوك من الأعمال التجارية بصرف النظر عن صفة القائم بها، حسبما ورد في الفقرة (1) من تلك المادة، كما نظم القانون التجاري ضمن عمليات البنوك خطاب الضمان، وذلك في المواد (من 408 حتى 414) حيث تضمنت هذه المواد ماهية خطاب الضمان وكيفية إصداره واطرافه وغطاء الخطاب والتزامات اطرافه ومصادرته وصرف قيمته للمستفيد وغير ذلك، وعلى هذا الأساس فإن موضوع خطاب الضمان من ضمن عمليات البنوك التي نص عليها القانون التجاري صراحة على انها من الأعمال التجارية البحتة، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن إصدار خطاب ومصادرته من الأعمال التجارية بصرف النظر عن الشخص الذي يكون طرفاً فيه حتى لو كانت وزارة من وزارات الحكومة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: إختصاص المحاكم التجارية بمنازعات خطاب الضمان:*
➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن المحاكم التجارية: هي المختصة نوعياً بنظر المنازعات بشأن خطاب الضمان، لان قرار إنشاء المحكمتين الإداريتين الذي حدد إختصاص المحكمتين قد نص صراحة على ان الإختصاص المحدد للمحكمتين الاداريتين لا يخل بالإختصاص المقرر للمحاكم المتخصصة السابق إنشاؤها بما فيها المحاكم التجارية، وبناءً على ذلك فإن إختصاص المحكمة الإدارية في نظر دعاوى إلغاء القرارات الإدارية لا ينصرف إلى قرار الجهة الإدارية بمصادرة خطاب الضمان طالما ان  المدعية على جهة الإدارة لم تقتصر في دعواتها على المطالبة بإلغاء قرار مصادرة خطاب الضمان فقط، وإنما طالبت بتسليمها قيمة خطاب الضمان لاحقيتها فيه ، وقيمة خطاب الضمان محل خلاف بين الشركة والوزارة بشأن الاحقية في قيمة خطاب الضمان، فهذه منازعة تجارية، فضلاً عن ان الشركة المدعية على الوزارة لم تطلب التعويض عن قيام الوزارة بطلب مصادرة خطاب الضمان حتى تكون الدعوى من دعاوى التعويض التي تختص بها المحكمة الإدارية، ومن هذا المنطلق فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن الخصومة ليست إدارية وإنما تجارية.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: الإختصاص بنظر المسائل التجارية من النظام العام:*
➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن الإختصاص النوعي من النظام العام، وإن إختصاص المحاكم التجارية إختصاص نوعي، وأنه لذلك من النظام العام، وأنه يجوز للمحكمة ان تتصدى له من تلقاء ذاتها ، ولو كان ذلك لأول مرة أمام المحكمة العليا، ولذلك فقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر من المحكمة العليا قد تصدى لهذه المسألة وقضى بنقض الحكم الابتدائي لهذا السبب حسبما سبق بيانه، والله اعلم.*