*عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى أصل الحق*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️قاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى أصل الحق سهلة كنظرية ولكن في التطبيق القضائي يحدث الخلط بين الدعويين حتى في القضاء المتقدم حسبما تشير إليه رسائل الماجستير والدكتوراه الصادرة حديثاً في الغرب بشأن هذا الموضوع، ولذك نجد أنه من المفيد للغاية عرض موقف القضاء اليمني وتطبيقه لقاعدة عدم جواز الجميع بين دعوى الحيازة ودعوى أصل الحق، وذلك من خلال التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-1-2014م في الطعن رقم (51418)، الذي ورد ضمن أسبابه أنه: ((بعد مطالعة الأوراق وسماع تقرير القاضي وبعد المداولة: فإن قانون المرافعات في المادة (240) اعتبر دعوى منع التعرض وإزالة العدوان من الدعاوى المستعجلة في الحالة التي يخشى فيها من فوات الوقت، فقانون المرافعات يحمي الحيازة في ذاتها، لان الحيازة المادية قرينة على الحيازة القانونية، والحيازة القانونية قرينة على الملكية، ولأسباب تتعلق بالأمن العام لم يجز القانون لمدعي الملكية ان ينازع في هذه الحالة أمام القضاء المستعجل، وإنما يستطيع تقديم دعوى إسترداد الحيازة إن كان هناك وجه لذلك، فلا يجوز للمدعى عليه أن يرفع دعوى الملكية قبل الفصل في دعوى منع التعرض، لان قبول دعواه بالملكية قبل الفصل في دعوى منع التعرض يفوت سبب تشريع دعوى منع التعرض المتعلقة بحماية الأمن العام، وحيث ان محكمة الموضوع قد خالفت القانون حينما خاضت في دعوى الملك مع انها كانت تنظر دعوى منع التعرض، فهذه مخالفة تتعلق بالنظام العام، لان الخوض في دعوى الملكية يشجع المدعي بالملكية على التعرض والإعتداء وأخذ ما يدعي أنه ملكه بالقوة، وذلك يهدد أمن المجتمع)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ماهية عدم جواز الجمع بين دعوى أصل الحق ودعوى الحيازة:*
➖➖➖➖➖
*▪️صرح قانون المرافعات المصري في المادة(44) بعدم جواز الجمع بين الدعويين، اما قانون المرافعات اليمني فأنه يفهم من سياق المادة (238) انه ياخذ أيضا بقاعدة عدم جواز الجمع بين الدعويين، حيث تتأسس قاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى أصل الحق ودعوى الحيازة، على أساس أنه يشترط في دعوى الحيازة ان لاتمس أصل الحق، ويشترط الشرط ذاته في الحكم الحكم الصادر فيها، إذ يجب ان لا يمس أصل الحق، وفي هذا الشأن نصت المادة (238) مرافعات على أن (القضاء المستعجل حكم مؤقت بتدبير وقتي أو تحفظي يصدر في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت دون التعرض لأصل الحق) وقد نصت المادة (240) مرافعات على أنه من الدعاوى المستعجلة: (2- طلب إسترداد الحيازة -7- الطلبات المتعلقة بحماية الوضع الظاهر وإعادة الحال إلى ما كان عليه) فدعوى الحيازة والحكم فيها لا يمس أصل الحق، فلو جاز الجمع بين دعوى أصل الحق (الملكية) ودعوى الحيازة لحصل المس بأصل الحق*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: تطبيق الحكم محل تعليقنا لقاعدة عدم جواز الجمع بين الحيازة ودعوى الملك:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بعدم جواز رفع دعوى الحيازة اثناء أو بعد رفع دعوى اصل الحق او الملكية، وقد قضت محكمة النقض المصرية أنه: (من المقرر وفقاً لصريح المادة (44) مرافعات أنه لا يجوز ان يجمع المدعي في دعوى الحيازة بينها وبين المطالبة بالحق وإلا سقط ادعاءه بالحيازة، وهذا السقوط مرده أن التجاء المدعي لرفع دعوى بأصل الحق حين يقع الإعتداء على حيازته بعد تسليماً بحيازة خصمه وتنازلاً عن الحماية التي قررها القانون لحيازته).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: دعوى الحيازة ودعوى إسترداد الحيازة:*
➖➖➖➖➖
*▪️كان مسمى دعوى الحيازة في قانون المرافعات اليمني هو: (طلب منع التعرض المادي وإزالة العدوان) وفي تعديل قانون المرافعات في (يناير 2021 ) صار اسمها (الطلبات المتعلقة بحماية الوضع الظاهر وإعادة الحال إلى ما كان عليه)، وقد كان قانون المرافعات متوازناً في حمايته للحيازة سواء بالنسبة للحائز الفعلي أو الحائز السابق الذي نزعت منه حيازته، حيث وفر الحماية الوقتية للحائز الفعلي عن طريق دعوى منع التعرض له و إعادة الحال إلى ماكان عليه وحماية الوضع الظاهر، وفي الوقت ذاته فقد قررت المادة (240) على أنه يحق للحائز السابق للحائز الفعلي سواء أكان المالك الفعلي أو غيره ان يرفع دعوى إسترداد حيازته التي نزعها منه الحائز الفعلي حسبما ارشد الحكم محل تعليقنا، غير أنه إذا كان الحائز السابق المطالب بإسترداد حيازته هو مدعي الملكية فلا يجوز له ان يجمع بين مطالبته بالملكية (أصل الحق) وبين دعوى إسترداد الحيازة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: الخلط بين دعوى أصل الحق ودعوى الحيازة:*
➖➖➖➖➖
*▪️يصرح الدكتور هنري سولوس والدكتورة/ اليزابيث ميشل والدكتور محمد علام في رسائل الدكتوراه المقدمة من قبلهم في هذا الموضوع في سنوات متفرقة سابقة :ان الخلط بين أصل الحق والحيازة موجود في القضاء والفقه في اوروبا وفي مصر وفي غيرهما، قلتُ هذا: لان البعض يظن ان الخلط بين الدعويين لايحدث الا في اليمن، وقد ارجع الباحثون المشار إليهم اسباب الخلط بين الدعويين إلى النصوص القانونية المجملة التي تناولت هذا الموضوع، وفصل مسألة قبول الدعوى عن فحص الموضوع، بالإضافة إلى صعوبة الفصل بين الدعويين بدقة، ولذلك فقد ورد في الحكم محل تعليقنا إلى أن القيام بالتحقق من توفر الحيازة بشروطها القانونية لا يعني الخوض في أصل الملكية، وفي حكم سابق رائع للمحكمة العليا سبق لنا التعليق عليه أوضحت المحكمة العليا بأن قضائها قد استقر على ان محكمة الموضوع عندما تتأكد من سبب الحيازة يحق لها الوقوف على مستندات الملكية للتأكد من شرعية سبب الحيازة غير أنه لا يحق لمحكمة الموضوع ان تتعمق في بحث المستندات وتذهب في قضائها إلى الحكم بالملكية أو التعرض لها او المساس بها، والله اعلم.*