*حق السقي من السائلة العظمى*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️عرف قانون أراضي وعقارات الدولة السائلة العظمى: بأنها السائلة التي يتجمع فيها الماء المتدفق من السوائل الفرعية والمنحدرات الجبلية، ونص القانون ذاته على ان السوائل العظمى مملوكة للدولة ملكية عامة، وان للأفراد حق الإنتفاع المشترك بها من غير ان يختص بها احد ويحرم غيره ، وفي هذا السياق قضى الحكم محل تعليقنا بأحقية ملاك الأراضي الملاصقة للسوائل العظمى بالسقي من السيول الجارية في السوائل العظمى وأنه لا يجوز لأي من الملاصقين للسائلة ان يمنع غيره من السقي، لان الإنتفاع والسقي بالماء في السائلة العظمى مقرر لجميع الأراضي الزراعية الواقعة على جوانب السائلة العظمى أو التي تكون في مستوى السائلة حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4-4-2018م في الطعن رقم (59587)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((اما من حيث ما نعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه بأنه لم يناقش أدلته بأن أصل مجرى السيل كان أرضاً زراعية مملوكة للطاعن ومن قبله والده وان السيل قد جرفها فصارت من حال السائلة ..إلخ، فهذا النعي متعلق بالوقائع والأدلة التي سبق مناقشتها أمام محكمة الموضوع في حيثيات حكمها بأن المدعى عليه (المطعون ضده) قد أقر في مجلس القضاء أنه لا ينازع المدعي فيما حكته حدود الأرض المملوكة له التي طغت عليها السائلة العظمى، كما أقر المدعى عليه بأنه لا يعارض في سقي موضع.... الذي يلاصق السائلة، إلا أنه يعارض الطاعن في توسعه خارج حدود أرضه في السائلة، وحيث كان الثابت بالمعاينة من المحكمة وبتروية عدلي الطرفين ان السائلة الممتدة من الشرق إلى الغرب والتي تحد الأملاك من جهة القبلة ومنها موضع... المملوك للطاعن هي سائلة عظمى، كما تبين من تروية العدلين اجماعهما على محاولة الطرفين التوسع في السائلة، وذكر العدول ان السائلة مخصصة لجريان السيول من مياه الأمطار، وهي حق عام للرعي والاحتطاب ليس لأحد حق التوسع فيها كونها مخصصة بطبيعتها للسيول وليس لأحد تملكها أو إدعاء حق عليها، ومن ثم فإن حق السقي ثابت لموضع.... من سيل مياه الأمطار من السائلة العظمى حسبما جرت عليه العادة والعرف ، وليس للمدعى عليه المطعون ضده منع الطاعن (المدعي) من ذلك الحق أو التعرض لمعدل الماء المناظر لموضع... وعلى المطعون ضده التوقف من التعدي والإعتداء على حق السقي المقرر لموضع...) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ماهية السائلة العظمى ووضعيتها القانونية:*
➖➖➖➖➖
*▪️عرف قانون أراضي وعقارات الدولة المراهق العامة في المادة (2) وذكر أنه: (يعتبر في حكم المراهق العامة السوائل العظمى التي تمر عبرها مياه السيول المتجمعة من سوائل فرعية) وذكر القانون ذاته في المادة (6) أنه: (تعد من أراضي وعقارات الدولة الخاضعة لأحكام هذا القانون –و- المراهق العامة) وقد سبق القول بأن السوائل العظمى من المراهق العامة، ثم ذكر القانون ذاته كيفية إنتفاع المواطنين بالمراهق العامة ومن ضمنها السوائل العظمى، وذلك في المادتين (44 و 45) حيث نصت المادة (44) على ان( يظل الحق في الإنتفاع بالمراهق العامة أو القدر المستحق منه للدولة مقرراً للكافة سواء بالرعي أو الاحتطاب أو غيره، ولا يجوز للدولة الإخلال بهذه الحقوق إلا لإعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة)، في حين نصت المادة (45) على أنه(إذا زال حق الإنتفاع المشترك عن أي مرهق من المراهق العامة أو القدر المستحق منه للدولة فإن صفة المنفعة العامة تزول عنه بقوة القانون ويصبح مملوكاً للدولة ملكية خاصة ويجوز التصرف فيه وفقاً للأحكام المنصوص عليها في الفصل الثالث من الباب الثالث من هذا القانون).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: حق المسيل في القانون المدني:*
➖➖➖➖➖
*▪️نظم القانون المدني حق المسيل في المواد (من 1371 إلى 1377) حيث عرف حق المسيل بأنه طريق إسالة المياه الطبيعية أو تصريف المياه غير الصالحة أو الزائدة عن الحاجة (م 1371) ونصت المادة (1372) على أن تتلقى الأراضي المنخفضة المياه السائلة سيلاً طبيعياً من الأراضي العالية ولا يجوز لمالك الأرض المنخفضة ان يقيم سداً لمنع هذا السيل من الوصول إلى ملكه، كما لا يجوز لمالك الأرض العالية ان يقوم بعمل يزيد به عبء الأرض المنخفضة، وان كان هذا التنظيم خاص بالسيول التي تتدفق من الأرض العالية إلى الأرض المنخفضة إلا أن هذه الأحكام الخاصة بحق المسيل يمكن الاسترشاد بها في حق السقي من السائلة العظمى كما سنرى.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: حق السقي من السائلة العظمى: (حق السقي المشترك):*
➖➖➖➖➖
*▪️سبق القول ان السائلة العظمى من المراهق العامة وان القانون قد كفل حق الانتفاع المشترك بالمراهق العامة ومن ذلك حق السقي المشترك من سيل السائلة العظمى حسبما هو مقرر في المادة (44) من قانون أراضي وعقارات الدولة، وعلى هذا الأساس فإن للمواطنين الإنتفاع المشترك بالسائلة العظمى بالرعي والاحتطاب وغيره، والمقصود ب(غيره )في المادة (44) أي غير الإحتطاب والمرعى ومن ذلك سقي المزروعات من السيول التي الجارية عبر السائلة، وحتى لا يقع الخلاف والصدام بين المواطنين المنتفعين على وجه الإشتراك بالمراهق العامة ومنها السوائل العظمى فهناك ضوابط لهذا الإنتفاع حسبما سيأتي بيانه.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: ضوابط السقي من السائلة العظمى:*
➖➖➖➖➖
*▪️من خلال ما تقدم ظهر لنا ان حق السقي من السائلة العظمى بإعتبارها من المراهق العامة حق مشترك، ولذلك فهناك ضوابط تحكم هذا السقي المشترك، منها ما يأتي:*
*1- لكل منتفع بالسقي من السائلة ان لا يعطل حق غيره في السقي: وهذا الضابط مستفاد من المادة (44) من قانون أراضي وعقارات الدولة التي كفلت حق عموم المواطنين في الإنتفاع المشترك بالمراهق العامة ومنها السوائل العظمى، ومقتضى هذا الضابط أنه لا يحق للمنتفع بالسقي من السائلة ان يضع حواجز او سدود تحوّل الماء إلى أرضه وفي الوقت ذاته تؤدي إلى منع وصول الماء إلى أرض الغير أو تحوّل دون المرور في السائلة للسيارات والمشاة والحيوانات، كما لا يحق للمنتفع بالسقي من السائلة العظمى ان يحوّل مجرى السيل كله إلى أرضه، وان جاز للمنتفع ان يضع مصدات للسيل على أرضه غير أنه لا يجوز له ان يضع المصدات في وسط السائلة لدفع السيل عن أرضه وتحويله إلى أرض غيره، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى هذا الضابط.*
*2- يقدر حق السقي بقدر الأرض وبقدر المزروعات فيها : وذلك يعني ان يكون ما ينتفع به صاحب الأرض من سيل السائلة العظمى بقدر مساحة الأرض وبحسب نوع المزروعات في الأرض التي تختلف في حاجتها إلى الماء، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى هذا الضابط، وأصل هذا الضابط حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اسق يا زبير حتى يبلغ الماء الجدر) أي حافة الأرض( العريم /العبيلة،،، الخ)وفي رواية (حتى يبلغ الماء الجذر) كناية عن ارتواء الزرع وبلوغ الماء إلى جذورها، وفي رواية ثالثة (اسق يا زبير ثم ارسل الماء) أي أنه لا يجوز لصاحب الأرض ان يحبس الماء عن غيره بعد إن يسقي أرضه.*
*3- الاولوية في السقي من السائلة لصاحب الأرض الأعلى الملاصق للسائلة: وقد ورد هذا الضابط في القانون على النحو السابق بيانه وأصل هذا الضابط أيضاً حديث الزبير (اسق يا زبير ثم ارسل الماء) فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير وكان صاحب الأرض الأعلى بأن يسقي أرضه ثم يرسل الماء لصاحب الأرض الأدنى منها، لان إرسال الماء السماح بانحداره من الأعلى إلى الاسفل ، وأحقية صاحب الأرض الأعلى في السقي اولا، المقصود بها الأرض التي تقع على حواف أو جوانب السائلة العظمى، لان الأرض المرتفعة عن مستوى السائلة العظمى لا يجري في العادة السيل من جوارها، فأصحاب الأرض الأدنى التي تقع على جوانب السائلة أو في مستواها أحق في السقي من الأراضي المرتفعة التي يرتفع قرارها أو مستواها عن قاع السائلة العظمى، لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الزبير ان يسقي ثم يرسل الماء إلى صاحب الأرض الأدنى من أرضه التي تليها ثم التي تليها وهكذا وليس الاعلى.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الخامس: حكم الأرض التي تتحول إلى سائلة عظمى:*
➖➖➖➖➖
*▪️الأرض المملوكة للأشخاص التي يطغى عليها او يجرفها سيل السائلة العظمى فيحولها إلى جزء من السائلة العظمى تظل ملكاً خاصاً وخالصاً لصاحبها، فجرف السيل أو طمره لأراضي المواطنين لا يجردهم من ملكية قرار تلك الأرض التي يجرفها سيل السائلة العظمى، ولذلك تظل الأرض المجروفة في ملك صاحبها حتى لو جرفها سيل السائلة العظمى وجعلها جزءا من السائلة العظمى ، وقد تناول الحكم محل تعليقنا هذه المسألة وقضى بأنه يجوز لمالك الأرض التي طغى عليها السيل ان يشق فيها الشقوق التي تجلب الماء إلى بقية أرضه التي لا زالت مزروعة غير أنه لايجوز له التوسع في السائلة حسبما قضى الحكم ، كما ان الاشجار التي تنبت في الأرض التي جرفها سيل السائلة العظمى تكون ملكاً خاصا وخالصاً لمالك تلك الأرض المجروفة، وكذا الاحجار التي تقر فيها، أما الاشجار التي تنمو في أصل السائلة العظمى وتكون مجاورة للأرض القريبة منها فأنها تكون تابعة لتلك الأرض، لانها لا تنمو أو تكبر إلا إذا تعهدها وحافظ عليها مالك الأرض المجاور لها، والله اعلم.*