دعوى إسترداد المالك الحيازة في مواجهة المستأجر

*دعوى إسترداد المالك الحيازة في مواجهة المستأجر*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️في حالات كثيرة كان يقوم بعض الناس بشراء الأراضي الزراعية من ملاكها وفي الوقت ذاته يقوموا بتأجيرها من البائعين أنفسهم، حيث يذكر في ذيل وثيقة البيع (البصيرة) يذكر فيها ان المشتري قد قام بتأجير الأرض المشتراه للبائع لها، وكان هذا الأمر لا يثير في الماضي أية إشكاليات لكثرة تدين الأشخاص وكثرة مرؤتهم وفرط شهامتهم، فخلف من بعدهم خلف ضعف دينهم وورعهم وقلت مرؤتهم فنكثوا عهد آبائهم واجدادهم وجحدوا ملكية المالكين وتمسكوا بالحيازة والثبوت هم واسلافهم جد عن جد في مواجهة المالكين الشرعيين مستغلين ان المشترين اشتروا الأرض وبقت الأرض في حوزة اجدادهم أو آبائهم، وهذه ظاهرة شائعة في انحاء اليمن، وان كانت هذه الظاهرة متجسدة بين الملاك في مدينة صنعاء القديمة أكثر من غيرهم الذين حجد ملكياتهم المستأجرون من آبائهم واجدادهم ملكية غالبية اهل صنعاء القديمة، واسألوا أهل صنعاء القديمة كيف تحولوا إلى فقراء؟ ، والحكم محل تعليقنا تناول هذه المشكلة حينما قام أحد الملاك برفع دعوى إسترداد الحيازة في مواجهة احفاد المستأجرين الحائزين حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-11-2018م في الطعن رقم (60435)، الذي ورد ضمن أسبابه: (( وحيث ان الحكم الاستئنافي المطعون فيه لم يكن موفقاً من حيث النتيجة للشرع والقانون فيما قضى به وأستند عليه كون الثابت ان الأرض محل دعوى الإسترداد للمدعين هي في اجارة المدعى عليهم من المؤجرين  لعقد متصادق عليه من الطرفين وذلك اسفل بصيرة شراء مورث المدعين من مورث المدعى عليهم، وحيث ان للمؤجر رفع دعوى برفع يد الاجير بموجب عقد الإجارة، وذلك للأسباب المتعلقة بين المؤجر والمستأجر المنصوص عليها قانوناً، وحيث ان دعوى إسترداد الحيازة  تعد من الدعاوى المستعجلة أي التي يخشى فيها فوات الشيء أو تداركه، وحيث ان ما اثاره الطاعنون من الأسباب مؤثرة ولها أساس وسند من القانون مما يلزم معه قبول الطعن)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الاول: لا حيازة ولا ثبوت للمستأجر:*
➖➖➖➖➖

*▪️وفقاً لأحكام الحيازة والثبوت المقررة في القانون المدني  فقد اشترطت للثبوت والحيازة ان لا يكون الثابت أو الحائز على العقار غاصباً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم {ليس لعرق ظالم حق} كما يشترط للحيازة ان يظهر الثابت أو الحائز على العقار أو الأرض بمظهر المالك، فيتصرف في العقار تصرف المالك، وهذا الشرط لا يتحقق بالنسبة للمستأجر، لأنه حتى لو ظهر على الأرض بمظهر المالك وتصرف فيها تصرف المالك فإن عقد الاجارة يكذب ظهوره ويدحضه، لان المستأجر في عقد الاجارة يقر إقرار صريحاً بأن المالك للعقار هو المؤجر وأنه مجرد مستأجر، ولذلك فقد استقر قضاء المحكمة العليا في اليمن على أنه (لا حيازة ولا ثبوت للمستأجر) وقد سبق لنا التعليق على عدة  أحكام للمحكمة العليا في هذا الشأن.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: حيازة المالك عند شراء الأرض ثم قيامه بتأجيرها من البائع لها:*
➖➖➖➖➖

*▪️كان جانباً من الخلاف الذي تناوله الحكم محل تعليقنا كان بشأن حيازة المالك المشتري للأرض من البائع لها حيث يقوم المالك المشتري بتأجيرها بعد استكمال شرائها مباشرة إلى البائع لها ، حيث قضى الحكم الاستئنافي المطعون فيه بأن المالك الذي قام بتأجير الأرض المشتراه من البائع للبائع نفسه ليس له حيازة حيث لم تنتقل الأرض أصلاً إلى حيازته، لأنه اشتراها من مالكها الحائز لها ثم قام بتأجيرها فوراً من البائع  نفسه، ولذلك فليس هناك حيازة للمالك المؤجر في هذه الحالة قبل شرائه أو بعده،، ولذلك لا يحق له ان يتقدم بطلب إسترداد الحيازة أصلاً، فهو لم يحز الأرض، وكذا ورثة المؤجر من بعده حيث ظلت الأرض بحوزة البائع السابق للمؤجر ثم لورثته من بعده، أما حكم المحكمة العليا محل تعليقنا فقد نقض الحكم الاستئنافي وقضى بأحقية المؤجر في رفع دعوى إسترداد الحيازة، لأن المؤجر هو الحائز حقيقة والمتصرف في الأرض، فقيامه بتأجير الأرض للمستأجر دليل على تصرفه وحيازته للارض وظهوره عليها بمظهر المالك.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: مدى أحقية المؤجر في رفع دعوى إسترداد حيازته للأرض إذا جحد المستأجر ملكية المؤجر:*

➖➖➖➖➖

*▪️دعوى إسترداد الحيازة من الدعاوى المستعجلة بحسب المادة (240) مرافعات التي نصت على أنه: (يعتبر من المسائل المستعجلة في الحالة التي يخشى عليها من فوات الوقت ما يأتي: 2-طلب إسترداد الحيازة) واوضحت المادة (238) مرافعات ماهية القضاء المستعجل حيث نصت هذه المادة على ان: (القضاء المستعجل حكم مؤقت بتدبير وقتي أو تحفظي يصدر في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت دون التعرض لأصل الحق) وبيان أحقية المؤجر في رفع دعوى إسترداد الحيازة يقتضي الإشارة إلى الإعتداء المنشئ لدعوى إسترداد الحيازة، فيقول الأستاذ الدكتور فتحي والي في كتابه (الوسيط في قانون القضاء المدني ص98) (ان الإعتداء الذي ينشئ دعوى إسترداد الحيازة هو الذي يبلغ فيه التعرض درجة نزع يد الحائز، ففقدان الحيازة وحده الذي يؤدي إلى نشأة الحق في دعوى رد هذه الحيازة التي فقدت، والأمثلة على هذا الإعتداء كثيرة ابسطها قيام شخص بوضع يده على أرض في حيازة آخر، ويشترط لكي يؤدي فقد الحيازة إلى نشأة هذه الدعوى ان يكون هذا الفقد قد تم نتيجة لعمل لا سند له من القانون، ولهذا لا يحق للمنفذ ضده جبرياً ان يدعي بدعوى الإسترداد، فإذا تحقق شرط الإعتداء على الحيازة الذي يؤدي إلى فقدانها، فلا يشترط بعد ذلك ان يكون سلب الحيازة مصحوباً بإيذاء أو تعد على شخص الحائز، كما لا يشترط ان يكون مقترناً بالقوة أو بالإكراه، فتنشأ الدعوى وفقاً للرأي الراجح ولو حدث سلب الحيازة بالحيلة والخديعة، فالمهم ان يكون فقد الحيازة ضد إرادة الحائز ولو المفترضة) أ.هـ، وبشأن القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن الحكم الاستئنافي المنقوض كان قد قضى بعدم أحقية المالك المؤجر في رفع دعوى إسترداد الحيازة، لان الحيازة الحقيقية لم تكن له فكيف يسترد حيازة ارض والأرض لم تكن تحت يده؟ في حين ذهب حكم المحكمة العليا محل تعليقنا إلى أحقية المالك المؤجر في رفع دعوى الإسترداد، لان المستأجر ليست له حيازة بموجب القانون على النحو السابق بيانه، وأن مجرد إنكار أو جحود المستأجر لملكية المؤجر للعين اعتداء على الحيازة الحكمية التي كانت ثابتة للمؤجر، فجحود المستأجر إعلان أو ايذان بفقدان المالك لحيازته وإدعاء المستأجر الحيازة بدلاً منه، ولذلك فقد تحقق الإعتداء على حيازة المالك المؤجر، وفي ذلك خشية من فوات حق حيازة المالك، لان المستأجر المنكر الجاحد للملكية سوف يتمسك بالحيازة في مواجهة المالك بعد جحوده، فطابع الاستعجال ظاهر حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وهناك حكم لمحكمة النقض المصرية مشابه لحكم المحكمة العليا منشور في كتاب (الحيازة المدنية، أ. وجدي شفيق ص303)، والله اعلم.*