*العلاقة بين الولاية العامة والولاية الخاصة على الوقف*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️من الإشكاليات الواقعية التي يتكرر وقوعها العلاقة فيما بين الولاية العامة والولاية الخاصة على الوقف وحدود هذه العلاقة ونطاقها وجدليتها، وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى بعض مظاهر هذه العلاقة الجدلية بين الولاية العامة للوقف والولاية الخاصة حيث قضى هذا الحكم بأنه لا يجوز لذي الولاية العامة على الوقف أو الحاكم ان يعترضا على من له ولاية الوقف من واقف أو منصوب إلا لخيانة تظهر فيه، أما إذا لم يكن المتولي خائناً وعجز عن القيام بما يجب عليه لكثرة ما يتولاه فإن لذي الولاية العامة أو الحاكم أن يعترضا عليه وإقامة غيره ويكون من اقيم وكيلاً لا ولياً حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9-9-2013م في الطعن رقم (4٩096)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وبإمعان النظر في أوراق القضية نجد أن الثابت أنه لا منازعة بين الطاعن والمطعون ضدهم في ان الأموال الموقوفة على مسجد..... ومنها موضع..... أوقفها اجداد المطعون ضدهم وتسلسلت الولاية عليها في الاجداد وانتهت إلى مؤرثهم الذي جعل الولاية من بعده على أوقاف المسجد وغيرها من الاوقاف التي بنظره في جميع أولاده الذكور المطعون ضدهم كما هو ثابت في وصيته المحررة بقلمه المؤرخة..... مع انه كان قد سبق لمؤرث المطعون ضدهم التنازل عن ولايته لوزارة الأوقاف ممثلة بمكتب أوقاف..... بموجب المحرر..... وعلل تنازله بإنشغاله بعمل الدولة الموكل إليه إلا أنه عاد ومارس ولايته الفعلية على وقف المسجد وظلت الأموال الموقوفة تحت يده وتصرفه، وهو ما جعل مدير مكتب أوقاف..... يحرر بظاهر محرر التنازل ما يفيد قيام مؤرث المطعون ضدهم بولايته على أوقاف مسجد......، وذلك يعني ان التنازل لم ينفذ على الواقع حيث لم يستلم مكتب الأوقاف الأموال الموقوفة ويمارس ولايته عليها بل ظلت تحت ولاية مؤرث المطعون ضدهم حتى وفاته والمطعون ضدهم من بعده، وحيث ان الحال كذلك ومن المعلوم شرعاً وقانوناً ان الولاية على الوقف للواقف ثم لمنصوبه وصياً أو ولياً ثم للموقوف عليه ثم لذي الولاية العامة والحاكم أو من يعينه أحدهما لذلك كما هو صريح المادة (49) من قانون الوقف الشرعي، لذلك فلا يجوز لذي الولاية العامة والحاكم أن يعترضا من له ولاية الوقف من واقف أو منصوب إلا لخيانة تظهر منه، أما إذا لم يكن المتولي خائناً وعجز عن القيام بما يجب عليه لكثرة ما يتولاه فإن لذي الولاية العامة والحاكم ان يعرضا عليه من يعينه ولا يعزلاه، ويكون من اقيم ليعين الولي وكيلاً لا ولياً، وبأعمال هذا الحكم فإن ذلك يستلزم بقاء ولاية مؤرث المطعون ضدهم حتى مع تنازله كونه علل تنازله بكثرة مشاغله وانشغاله بالأعمال العامة المسندة له من الدولة فأستعان بوزارة الأوقاف لإعانته بإقامة من يعينه وقد قام مدير الأوقاف في حينه بذلك)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: المالك لرقبة المال الموقوف سواء الوقف العام أو الخاص هو الله تعالى، وهذا هو الأساس المتين للعلاقة بين الولاية الخاصة والولاية العامة على الوقف:*
➖➖➖➖➖
*▪️تعريف الوقف بصفة عامة هو: حبس المال عن التصرف في رقبته أو أصله، حيث يصرح الواقفون في وقفياتهم المختلفة بأنهم قد: اوقفوا وحبسوا وسبلوا المال الموقوف لله تعالى، وذلك يعني حبس المال الموقوف ومنع التصرف فيه وبقاء المال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وعلى هذا الأساس فإن ملكية الرقبة في الوقف العام والخاص تكون لله تعالى، كما يشترك الوقف العام والوقف الخاص بأن الغرض منه هو القربة إلى الله تعالى، ونقصد بالوقف الخاص هنا الوقف الذي تكون فيه الولاية الخاصة ، فالقربة هي الباعث أصلاً على الوقف مطلقا، وتظهر القربة في المبرة التي تخصص عائدات وغلال الوقف لها، وللأسف فإن هذا المعنى الفقهي الدقيق كان غائباً عند صياغة قانون الوقف الشرعي وتحديد في المادتين (3 و4) التي خلطت بين المفاهيم حيث خلطت بين الوقف على النفس والوقف على الذرية والوقف الخيري، فالوقف الخيري قد يكون عاماً أو خاصاً، فالوقف على ثلاثة انواع: وقف على الذرية وهو حبس المال عن التصرف حيث تكون ملكية الرقبة لله سبحانه وتعالى في حين تصرف غلاله وعائداته على ذرية الواقف الذكور ذريات البنات لاتنسب إلى الواقف فلايكون ابناؤهن من ذرية الواقف حيث تقسم غلات الوقف على ذرية الواقف لمجرد انهم ذريته فقط، وفي بعض وقفيات الوقف الخاص يتم النص فيها على ان تصرف الغلات على الضعفاء والمساكين من ذرية الواقف ، والوقف الخيري الذي يكون على مبرة أيضا تكون فيه ملكية المال أو الرقبة لله سبحانه وتعالى ولكن غلاته تصرف في أوجه البر والاحسان المختلف، وينقسم الوقف الخيري إلى وقف عام تتولى أدارته والإشراف عليه هيئة الأوقاف ووقف أهلي او خاص يتولى إدارته الأشخاص الذين حددهم الواقف في وقفيته – وقد كان الوقف الذي تناوله الحكم محل تعليقنا من الوقف الخيري الأهلي الذي يتولاه ذرية الواقف أو اهله، حيث كان الوقف على مسجد وغيره حسبما هو ظاهر في أسباب الحكم محل تعليقنا، وصفوة القول: ان المالك لرقبة الوقف أي المال الموقوف في كل انواع الوقف هو الله تعالى، وهذا هو الجامع المشترك بين كل أنواع الوقف الذي يعني حبس المال عن التصرف كونه مملوكاً لله تعالى فلا يجوز التصرف فيه، ومن هذا المنطلق يتجسد البعد الديني للوقف.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: الولاية العامة والولاية الخاصة على الوقف:*
➖➖➖➖➖
*▪️من القواعد المستقرة في فقه الشريعة الإسلامية قاعدة: (نص الواقف كنص الشارع) أو (شرط الواقف كنص الشارع)، وفي هذا المعنى نصت المادة (22) من قانون الوقف على أن (نصوص الواقف كلها مرعية إلا فيما ينافي القربة) ومن هذا المنطلق فأنه يجب احترام الشروط التي يقررها الواقف، ومن ذلك إشتراط الواقف ان تكون الولاية على المال الذي أوقفه للأشخاص الذين يعينهم الواقف في وقفيته، وقد يكون متولي الوقف من ذرية الواقف مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، كما قد يكون المتولي من غير ذرية الواقف، فتكون الولاية على الوقف في هذه الحالة ولاية خاصة، كما قد ينص الواقف في وقفيته على إسناد الولاية على المال الذي أوقفه للجهة العامة المتولية إدارة الأوقاف العامة صاحبة الولاية العامة كما قد يُعرف الوقف وفي الوقت ذاته لا يُعرف المتولي عليه فعندئذ تكون الولاية عليه لجهة الولاية العامة على الاوقاف العامة وهي هيئة الأوقاف، وكذا قد ينقرض أصحاب الولاية الخاصة على الوقف فعندئذ تتولى هذا الوقف الجهة المختصة بالولاية العامة على الاوقاف العامة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: إنتقال الولاية الخاصة إلى الولاية العامة على الوقف:*
➖➖➖➖➖
*▪️تستمد الولاية العامة على الأوقاف تستمد شرعيتها من تعريف ولي الأمر في الفقه الإسلامي وهو: (إقامة الدين وسياسة الدنيا)، وهذا التعريف يعني ان وظيفة ولي الأمر في الفقه الإسلامي: اقامة الدين ومن ذلك إقامة الأوقاف بإعتبارها قرب إلى الله سبحانه وتعالى، فولي الأمر وكيل عن الأمة في إقامة الدين وسياسة الدنيا، فهو المسؤول على إقامة الولايات الصغرى وتنصيب من يتولاها ومنها الولاية على الأوقاف (النظرية العامة للملكية العامة في الفقه الإسلامي، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين،ص 351)، وبناءً على ما تقدم فلا يتصور أن تنتقل الولاية العامة على الوقف إلى الولاية الخاصة، أما العكس فهو صحيح، إذ أنه يجوز في الفقه الإسلامي ان تنتقل الولاية الخاصة على الوقف إلى الولاية العامة وذلك عندما يتم التأكد من أن المال وقف ولكن لا يُعلم المتولي عليه وكذا عندما ينقرض الأشخاص الذين يحددهم الواقف للولاية الخاصة على المال الذي أوقفه أو عندما تتخلف عن المتولي الخاص على الوقف الشروط الشرعية والقانونية المقررة لمن تسند له الولاية الخاصة كالأمانة والإستقامة والعدالة والاسلام وحسن السيرة والسلوك والمحافظة على الشعائر الإسلامية والرشد وحسن التصرف بالمال والقدرة على إدارة اموال الوقف والإشراف عليه ومتابعته والمحافظة عليه حسبما ورد في المادة (51) من قانون الوقف، فإذا تخلفت هذه الشروط عن صاحب الولاية الخاصة على الوقف ولم يحدد الواقف البديل عنه فعندئذ تنتقل الولاية على الوقف إلى الولاية العامة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: إمكانية تنازل صاحب الولاية الخاصة على الوقف عن حقه في الولاية:*
➖➖➖➖➖
*▪️سبق القول أن الولاية الخاصة على الوقف تكون للشخص الذي يحدده الواقف وأن شرط الواقف في تعيين المتولى على الوقف يجب أن يحترم شرعاً وقانونا، ولذلك لا يملك صاحب الولاية الخاصة على الوقف أن يتنازل عن ولايته وإنما بوسعه أن يستقيل منها أو يطلب إقالته منها، فأن لم يحدد الواقف البديل فتنتقل الولاية إلى الولاية العامة، ومع ذلك فقد أجاز قانون الوقف في المادة (49) التنازل عن الولاية بغير عوض ومنع التنازل عنها مقابل عوض حسبما ورد في المادة (50) من قانون الوقف، ولاشك ان القانون قد تنكب الطريق حينما نص على جواز التنازل عن الولاية الخاصة على الوقف، فكيف سيحترم نص الواقف ومتولي الوقف يملك التنازل عن الولاية إلى غيره!!!!؟.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الخامس: إشراف الأوقاف العامة على الأوقاف الخاصة:*
➖➖➖➖➖
*▪️سبق القول أن للوقف بعده الديني بإعتباره قربة إلى الله ومبرة وإحسان، وسبق القول بأن ولي أمر المسلمين يتولى إقامة الدين وسياسة الدنيا، ومقتضى ذلك أن هيئة الأوقاف العامة تملك الإشراف على الأوقاف الخاصة في حدود الشروط والضوابط والإجراءات المحددة في الوقفيات الخاصة، وذلك بغرض التأكد من قيام المتولى الخاص بتنفيذ شروط الواقف، غير أن الأوقاف العامة لا تملك التدخل في الولاية الخاصة طالما والمتولى الخاص يقوم بالولاية على النحو المحدد في الوقفية، فلا يجوز للأوقاف العامة نزع الولاية الخاصة من المتولى الخاص، لأن القاعدة الفقهية تنص على أن (الولاية الخاصة مقدمة على الولاية العامة) وقد أخذ قانون الوقف بهذه القاعدة في المادة (49) التي نصت على أن (الولاية على الوقف للواقف ثم لمنصوبه وصيا أو وليا ثم للموقوف عليه ثم لذوي الولاية العامة والحاكم أو من يعينه أحدهما) حيث وردت الولاية العامة في النص متأخرة عن الولاية الخاصة التي قدمها النص على الولاية العامة، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بعدم جواز نزع الولاية الخاصة من أصحابها ونقلها للولاية العامة، لان الولاية الخاصة مقدمة على الولاية العامة، والله اعلم.*