*لا يتحقق سبب الشفعة إذا عجز الشفيع عن إثبات الشراكة*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️ازدادت في اليمن دعاوى الشفعة الكيدية، فكان ذلك من ضمن الأسباب التي دفعت المقنن اليمني إلى تعديل المادة (86) من قانون المرافعات والنص في الفقرة (2) منها: على أن يكون الحكم الابتدائي نهائياً غير قابل للطعن بالاستئناف وقابلاً للطعن أمام المحكمة العليا في (2- في قضايا الإيجارات والشفعة...إلخ) فلم يعد خافياً على أحد ان كل البيوع التي تتم في اليمن تعقبها دعاوى الشفعة سواء أكان هناك سبب للشفعة أم لا، فالحصول على السعاية هو الهدف من غالبية طلبات الشفعة، وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى أنه ينبغي التحقق من وجود سبب الشفعة حتي يتم التأكد من جدية دعوى الشفعة، فقد قضى الحكم محل تعليقنا بان سبب الشفعة لا يتحقق إذا عجز الشفيع عن إثبات شراكته في الأرض المطلوب شفعتها، إذ يجب على الشفيع ان يثبت شراكته في اصل العين المطلوب الشفعة فيها بما لا يدع مجالاً للشك حتى تكون شراكته في الأرض المطلوب شفعتها متيقنة وخالية من النزاع، لان سبب الشفعة هو أصل واساس الشفعة،فيجب ان يكون سبب الشفعة ثابتا يقيناً، وان تكون شراكة الشفيع في الأرض المطلوب الشفعة فيها متيقنة حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-1-2013م في الطعن رقم (49791)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((من خلال رجوع الدائرة إلى الأوراق مشتملات ملف القضية فقد وجدت الدائرة انه قد جاء في أسباب الحكم الابتدائي: وبما أنه لا صحة لدعوى المدعي بطلب الشفعة في الأرضية المشفوع فيها لعدم وجود سبب الشفعة لعدم استطاعة المدعي إثبات شراكته مع البائع للمدعى عليه للأرضية المشفوع فيها أو إثبات تنازل المالك السابق للأرضية للمدعي والبائع...إلخ، وحيث ان الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي حسبما هو ثابت من أسباب الحكم الاستئنافي، لذلك فإن الحكم الاستئنافي قد أصاب حينما قضى في منطوقه بتأييد الحكم الابتدائي)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الشراكة كسبب من أسباب الشفعة:*
➖➖➖➖➖
*▪️حصر القانون المدني أسباب الشفعة في المادة (1257) حصرها في حالات ثلاث منها: (1- الشريك المخالط على الشيوع في أصل العين) وبموجب هذا النص فأنه يجب على محكمة الموضوع التحقق من وجود سبب الشفعة بما لا يدع مجالاً للشك حيث يجب ان تكون شراكة الشفيع المخالط في أصل العين ثابتة متيقنة، وقد قضت المحكمة العليا في حكم سبق لنا التعليق عليه أنه يجب ان تكون شراكة الشفيع في أصل العين المطلوب الشفعة فيها متيقنة وخالية من النزاع، فإذا كانت هذه الشراكة غير مستقرة وغير متيقنة او محل خلاف ونزاع فإن سبب الشفعة لا يكون متحققاً، إذ يجب ان يكون سبب الشفعة متحققاً على وجه اليقين، ومؤدى ذلك أنه يجب على الشفيع ان يقدم الأدلة القاطعة في دلالتها على شراكته في أصل العين المطلوب شفعتها، كما ينبغي ان تكون هذه الشراكة ثابتة على وجه اليقين وليست محلاً للنزاع، لان القانون المدني قد أكد على هذه المسألة في المادة (1260) مدني حينما اشترط لصحة الشفعة (4- ان يكون الشفيع مالكاً للسبب الذي يشفع به) ومؤدى هذا النص أنه يجب على الشفيع ان يقدم الأدلة على أنه شريك مالك في أصل العين المطلوب الشفعة فيها حتى يتحقق سبب الشفعة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: تشدد القانون وتشدد المحكمة العليا في التحقق من وجود سبب الشفعة:*
➖➖➖➖➖
*▪️ليس غريباً ان يؤكد القانون المدني في المواد (1256 و1257 و1260) على وجوب التحقق من سبب الشفعة بما في ذلك شراكة الشفيع في أصل العين المطلوب شفعتها، ونتيجة لذلك فقد تشددت المحكمة العليا في قضائها على ان يكون سبب الشفعة متحققاً على وجه اليقين وخاليا من النزاع حسبما سبق بيانه، ويرجع ذلك إلى ان الفقه الإسلامي وهو مصدر أحكام الشفعة في القانون المدني قد جعل الشفعة رخصة لتلافي مضار الشراكة والخلطة، ولذلك ضبط الفقه الإسلامي الشفعة بشروط وضوابط وآجال قصيرة محددة، وتوسع الفقه في مسقطات الشفعة، لان الشفعة في الأصل مقررة على سبيل الرخصة التي ينبغي استعمالها في آجال قصيرة (فقه المعاملات المالية المعاصرة، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص262).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: إثبات الشراكة والخلطة كسبب للشفعة:*
➖➖➖➖➖
*▪️يخضع الإثبات في هذه الحالة للقواعد العامة في الإثبات حيث يتم الإثبات بوسائل الإثبات المقررة قانوناً، غير أنه إذا كانت العين المطلوب شفعتها عقاراً فان إثبات الشراكة فيه يتم عن طريق الكتابة، لان القانون قد حدد وسائل إثبات ملكية العقارات بواسطة الكتابة(البصائر والفصول والوصايا)أما إذا كان الشفيع من الورثة وملكية مورثه للعين المطلوب شفعتها ثابتة فأنه يكفي للشريك الوارث طالب الشفعة ان يثبت أنه من ضمن ورثة المالك للأرض المطلوب الشفعة فيها.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: التوسل بالشفعة للحصول على السعاية!!!؟:*
➖➖➖➖➖
*▪️في حالات كثيرة يكون الباعث الدافع لطلب الشفعة عند كثير من الأشخاص هو الحصول على السعاية، لان مفهوم السعاية في الواقع العملي مفهوم مغلوط حيث يطالب بالسعاية كل من يشهد اويعلم بالبيع او يحضر عند البيع حتى ولو لم يسعى للتوفيق بين البائع والمشتري وتقديم الخدمات الإستشارية العقارية والقانونية لهم بغرض إتمام البيع ، فنظراً لوضعية السعاية المغلوطة المخالفة للشرع والقانون، فإن بعض الأشخاص يتوسلون بطلب الشفعة للحصول على السعاية من البائع او المشتري حيث يهدف الشفيع من دعوى الشفعة إلى تعليق المبيع ومنازعة المشتري عن طريق دعوى الشفعة التي تستغرق إجراءات نظرها مراحل طويلة أمام القضاء فترهق المشتري والبائع حتى يرضخا ويدفعا الجزية عفواً السعاية!!! وقد وقفت شخصياً على قضايا شفعة كثيرة كانت منظورة أمام القضاء كان يتم حسمها لاحقا عن طريق السعاية، فما أن يحصل المدعي بالشفعة على السعاية حتى يبادر إلى التنازل عن الدعوى أو الخصومة، ولذلك فقد كان هذا الوضع من دواعي تعديل المادة (86) مرافعات التي جعلت الأحكام في قضايا الشفعة غير قابلة للاستئناف مع قبولها للطعن أمام المحكمة العليا، إلا أن هذا التعديل من حيث لايدري قد وفر أرضية خصبة لدعاوى الشفعة الكيدية إذا اخطأت المحكمة الابتدائية في تقديرها وحكمت بالشفعة للمدعي طالب الشفعة المستهدف الحصول على الشفعة حيث فاتت على المحكوم عليه درجة من درجات التقاضي لايضاح وجه العيب والخطأ في الحكم الابتدائي بالشفعة، وقد حدث هذا بالفعل في الآونة الأخيرة، والله اعلم.*