الإختصاص المكاني في القضايا الجزائية من النظام العام - في القانون اليمني المصري

*الإختصاص المكاني في القضايا الجزائية من النظام العام*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️الاختصاص المكاني في القضايا الجزائية من النظام العام حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-10-2013م في الطعن رقم (50578)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((والثابت ان ما اثاره الطاعنون لا وجه له، لان السبب الذي استندت الشعبة الاستئنافية في الغائها للحكم الابتدائي كان وجيهاً متفقاً مع أحكام القانون، إذ أن الاختصاص المكاني في القضايا الجزائية يتعلق بالنظام العام، فللمحكمة ان تقضي به من تلقاء ذاتها، ولان ما اثاره الطاعنون على فرض صحته من ان المحكمة الإبتدائية قد نظرت القضية بناءً على تعليمات من الشعبة مصدرة الحكم، فعلى فرض وجود تلك التعليمات فأنها مخالفة لقانون الإجراءات الجزائية الذي اناط نقل الاختصاص من المحاكم بالمحكمة العليا طبقاً لنص المادة (254) إجراءات وهو مالم يتم، اما ما اثاره الطاعون بخصوص مخالفة المادة (181) مرافعات فتلك المادة متعلقة بالمنازعات المدنية لا الجزائية حيث لا يرجع إلى قانون المرافعات إلا في حال عدم وجود نص في قانون الإجراءات يحكم الواقعة الجزائية المعروضة)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪الوجه الأول: الاختصاص المحلي أو المكاني للمحاكم بالنسبة للقضايا الجزائية:*
➖➖➖➖➖

*▪️حددت المادة (231) إجراءات نطاق الإختصاص المحلي للمحاكم فيما يتعلق بالقضايا الجزائية، حيث نصت هذه المادة على أن: (تختص المحاكم الابتدائية بالفصل في جميع الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصها المحلي) في حين وسعت المادة (234) إجراءات من الإختصاص المحلي فيما يتعلق بالقضايا الجزائية حيث اضافت إلى مكان إرتكاب الجريمة محل إقامة المتهم ومكان القبض عليه، حيث تختص المحكمة بموجب المادة (234) بالجرائم التي تقع في نطاق اختصاص المحكمة وكذا في حالة القبض على المتهم في مكان يقع ضمن إختصاص المحكمة وكذا إذا كان المتهم يقيم في مكان يقع ضمن الاختصاص المحلي أو المكاني للمحكمة، فقد نصت المادة (234) إجراءات على أنه: (1- يتعين الاختصاص محلياً بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو المكان الذي يقيم فيه المتهم أو المكان الذي يقبض عليه فيه، ويثبت الإختصاص للمحكمة التي رفعت إليها الدعوى أولاً -2- وفي حالة الشروع تعد الجريمة مرتكبة في كل محل وقع فيه عمل من أعمال البدء في التنفيذ) ونصت المادة (235) إجراءات على الاختصاص المحلي في حالة الجريمة المتابعة او المتعددة الأفعال او المستمرة، حيث نصت هذه المادة على أنه: (في الجرائم المتتابعة وغير ذلك من الجرائم المتعددة الأفعال يعتبر مكاناً للجريمة كل محل يقع فيه أحد الأفعال الداخلة فيها، وفي الجرائم المستمرة يعتبر مكاناً للجريمة كل محل تقوم فيه حالة الاستمرار) ومن خلال استقراء النصوص المحددة للاختصاص المحلي أو المكاني للمحاكم بالنسبة للقضايا الجزائية نجد أن له خصوصية تميزه عن اختصاص المحاكم بالنسبة للقضايا المدنية والتجارية الذي حدده قانون المرافعات المدنية والتجارية في الفصل الرابع باسم (الاختصاص المكاني) في المواد (من 92 إلى101) مكرر حيث تختص المحكمة مكانياً إذا كان موطن المدعى عليه أو محل إقامته يقع ضمن اختصاصها المكاني وكذا في حالة إذا كان العقار المتنازع عليه يقع ضمن اختصاصها المكاني...إلخ حسبما ورد في المواد المشار إليها، ومن خلال هذا العرض الموجز نخلص إلى ان هناك خصوصية للاختصاص المكاني للمحاكم فيما يتعلق بالقضايا الجزائية.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: الاختصاص المحلي أو المكاني بالنسبة للقضايا الجزائية من النظام العام:*
➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بان الاختصاص المكاني بالنسبة للقضايا الجزائية من النظام العام الذي لا تجوز مخالفته وأنه يحق للمحكمة ان تتصدى له من تلقاء ذاتها، ويتأسس قضاء الحكم محل تعليقنا على أن قانون الإجراءات لم يرد فيه نص مماثل لما ورد في المادة (181) مرافعات التي يفهم منها ان الاختصاص المكاني بالنسبة للقضايا المدنية والتجارية ليس من النظام العام، إضافة إلى ان قانون الإجراءات قد نص في المادة (254) على ان نقل الاختصاص المكاني من محكمة إلى أخرى لا يتم إلا بقرار من المحكمة العليا، فالقانون قد حدد طريقة وحيدة لنقل القضية من محكمة إلى أخرى، وتبعاً لذلك لا تجوز مخالفة الاختصاص المكاني بالنسبة للقضايا الجزائية، وقد قضت محكمة النقض المصرية بان (القواعد المتعلقة بالاختصاص في المسائل الجنائية كلها من النظام العام والاختصاص المكاني كذلك بالنظر إلى ان الشارع في تقريره لها سواء تعلقت بنوع المسألة المطروحة عليها أو بشخص المتهم أو بمكان الجريمة قد اقام تقريره على اعتبارات عامة تتعلق بحسن سير العدالة وقانون الإجراءات الجنائية إذ اشار في المادة (332) إلى حالات البطلان المتعلقة بالنظام العام لم يبينها ببيان حصر وتحديد بل ضرب لها الأمثال) (9/5/1966م، أحكام النقض س17 ق103 ص578) كما قضت محكمة النقض المصرية بأن: (اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى من جهة مكان وقوع الجريمة هو من النظام العام الذي يجوز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى إلا أن الدفع بعدم الاختصاص المحلي لأول مرة أمام محكمة النقض مشروط بان يكون مستنداً إلى وقائع اثبتها الحكم وان لاتقتضي تحقيقاً موضوعياً) (18/1/1965م أحكام النقض س6 ق 201 ص612) ويذهب استاذنا المرحوم الاستاذ الدكتور حسن صادق المرصفاوي إلى ان فكرة النظام العام في الاختصاص المحلي بالنسبة للقضايا الجزائية ترجع الى اهمية المكان في التحقيق النهائي الذي تجريه محكمة الموضوع (المرصفاوي في قانون الإجراءات الجنائية، ص470).*
*ويذهب الفقه في دول كثيرة إلى ان الاختصاص المكاني بصفة عامة حتى في القضايا المدنية من النظام العام، لأنه يتعلق بحق الدولة في توزيع المحاكم بحسب عدد السكان وبحسب الإعتبارات الأخرى التي تستند إليها الدولة في تحديد الإختصاص المكاني للمحاكم وتوزيع المحاكم على المناطق السكنية المختلفة، وتبعاً لذلك لا يجوز مخالفة هذا الإختصاص.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: لا يجوز اللجوء إلى تطبيق قانون المرافعات في القضايا الجزائية إلا عند عدم وجود نص في قانون الإجراءات:*
➖➖➖➖➖

*▪️كان الطاعنون قد عابوا على الحكم الاستئنافي أنه اهدر المادة (181) مرافعات التي نصت على ان "يسقط الحق في الدفع بعدم الاختصاص المكاني اذا لم تتم إثارته قبل الدخول في الموضوع وإلا سقط"، حيث يفهم من هذا النص ان الاختصاص المكاني ليس من النظام العام، غير أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بأن هذا النص خاص بالقضايا المدنية والتجارة، أما القضايا الجزائية فلا يسري نص قانون المرافعات إلا إذا لم يرد نص في قانون الإجراءات وفقاً للمادة (564) إجراءات التي نصت على أن: (يرجع في كل مالم يرد فيه نص في هذا القانون إلى أحكام قانون المرافعات...إلخ)، والله اعلم.*