*وجوب بيان القاضي أسباب أخذه بأحد تقارير الخبراء المختلفة*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️في قضايا كثيرة تتعدد تقارير الخبراء وتختلف النتائج التي خلصت إليها هذه التقارير، وقد أجاز القانون تعدد الخبراء وتعدد التقارير بل أن تعدد التقارير والخبراء والاراء يولد في نفس القاضي الإطمئنان باراء أصحاب الخبرة ويمكن القاضي من الترجيح بينها واختيار الرأي الذي يطمئن اليه ضمير القاضي ، ولكن القاضي ليس طليقاً في أخذه بالنتائج الواردة في التقارير المختلفة كيفما يشاء بل أنه مقيد بأن يذكر أسباب أخذه بنتائج التقرير الذي أستند إليه في حكمه حسبما قضى الحكم الصادر عن المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9-5-2007م في الطعن رقم (29315)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فالدائرة تجد ان نعي الطاعن سديد في قوله: أن الحكم المطعون فيه قد أستند على تقرير المحاسب...... من بين تقارير الخبراء الثلاثة في القضية من غير ان يبين الحكم سبب أخذه بذلك التقرير من بين تلك التقارير المختلفة في نتائجها، فمن خلال إطلاع الدائرة على الحكم المطعون فيه تجد الدائرة أن الحكم المطعون فيه لم يطبق المادة (173) إثبات تطبيقاً صحيحاً حيث نصت هذه المادة على أنه: (للمحكمة أن تأخذ بتقرير الخبراء أو الخبير الذي تطمئن إليه مع بيان الأسباب إذا خالف التقرير الذي أخذت به تقريراً آخراً....) ومع صراحة هذا النص فإن الدائرة تجد أن الحكم الاستئنافي قد أخذ بتقرير خبير بعينه على أنه (الخبير الأعلى) وبدون أية مناقشة للتقاريرالاخرى ، مع أن مؤدى هذا النص أن المشرع قد أوجب على محكمة الموضوع في حالة وجود تقريرين أو أكثر مختلفين في نتيجتهما أن تبين أسباب ترجيحها أو أخذها بما توصل إليه أحدهما، ولا يغني عن ذلك ان تذكر المحكمة انها قد اطمأنت إلى التقرير الذي أخذت به دون بيان أسباب ذلك، فإن هي لم تفعل ذلك فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور في التسبيب فضلا عن مخالفته للقانون)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: قاعدة (القاضي خبير الخبراء) ومظهرها الترجيح بين تقارير الخبراء:*
➖➖➖➖➖
*▪️تتعدد تقارير الخبراء وفي الوقت ذاته تتعدد وجهات نظرهم ونتائج تقاريرهم، وذلك يقتضي ان يدرس القاضي تقارير الخبراء المختلفة أو المتناقضة وان يحسم القاضي هذا التناقض او الإختلاف بين نتائج التقارير، وان يكون اختيار القاضي هو الفيصل – ولاريب أن اختيار القاضي في هذا الشأن ماهو إلا مظهراً من اهم مظاهر قاعدة (القاضي خبير الخبراء) وتطبيق من تطبيقات هذه القاعدة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: ترجيح القاضي بين التقارير المختلفة:*
➖➖➖➖➖
*▪️أوجبت المادة (173) إثبات على القاضي عند تعدد تقارير الخبراء وإختلافها في النتائج التي توصلت إليها التقارير أوجبت تلك المادة على القاضي أن يبين أسباب أخذه بأحد التقارير المختلفة في نتائجها، وذلك يستوجب أن يقوم القاضي بدراسة التقارير المتناقضة والترجيح بينهما حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، فبيان أسباب تقرير بعينه يستدعي الترجيح بين التقارير المتناقضة ومعرفة الأسانيد التي استندت إليها النتائج المتضاربة أو المختلفة، وللترجيح قواعده وطرقه، ئومنها الترجيح بكثرة الأدلة والأسانيد التي استندت إليها نتائج التقرير وكذا الترجيح بقوة الدليل كالنص القانوني مقابل نصوص لائحية بالإضافة إلى الترجيح بالعموم والخصوص فالخاص مقدم على العام، والترجيح بنوع الأدلة كالترجيح بين الدليل المباشر والدليل غير المباشر والدليل الواضح مقدم على الدليل الغامض ودلالة النص مقدمة على دلالة الاقتضاء ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم والتقرير الملتزم بحدود المهمة المنتدب لها الخبير مقدم على التقرير المخالف وهكذا، فالقاضي صاحب الخبرة والدراية هو الذي يحسن الترجيح بين التقارير ويحسن اختيار التقرير ويحسن بيان أسباب اختياره لتقرير بعينه، ولذلك فالقاضي خبير الخبراء حيث يستطيع عن طريق قواعد الترجيح أن يصل إلى التقرير المتضمن النتائج الراجحة والقريب لتحقيق العدالة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: أسباب تناقض تقارير الخبراء أمام القضاء:*
➖➖➖➖➖
*▪️مع أن الخبير يرد بما يرد به القاضي ولذلك يجب ان يكون الخبير عدلاً محايداً مستقبلاً، ولذلك يطلق عليه القانون مسمى (الخبير العدل)، ومع ان الخبير يقسم اليمين بأن يقوم بالمهمة المكلف بها من قبل المحكمة وفقاً لأصول وقواعد المهنة أو الخبرة التي يجيدها، ومع ان الخبراء عندما يقدمون الخبرة في مسألة معينة ينبغي أن تكون خبرتهم متجانسة أو واحدة، فالاصل ان لا تتضارب أو تختلف النتائج الواردة في تقارير الخبراء في تخصص واحد، إلا أن تقارير الخبراء تتفاوت في المسألة الواحدة كما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، والمقصود بإختلاف التقارير هنا هو الإختلاف في النتائج التي يخلص إليها الخبراء في تقاريرهم وليس الإختلاف في طريقة تبويب وعرض التقارير، ويرجع إختلاف تقارير الخبراء وفقاً لهذا المفهوم يرجع الإختلاف إلى أسباب عدة منها:*
*1- عدم تحديد مهمة الخبراء بدقة، حيث يجب على القاضي عند إنتداب الخبراء لا سيما إذا كانوا متعددين أن يحدد مهمتهم بالتفصيل وبدقة حتى يعرف كل خبير على وجه التحديد ما ينبغي عليه فعله.*
*2- عدم الزام القاضي للخبراء بتقديم تقرير أولي يبين تصورهم عن تنفيذ المهمة وخططهم في العمل والمدة المتوقعة لإنجاز العمل والأتعاب المطلوبة، لان التقرير الأولي يتم إطلاع الخصوم عليه لإستدراك أوجه القصور والنقص كذلك يمكن من الرقابة على نطاق مهمة الخبراء وتصويب مسارها حتى لا تختلف الإجتهادات فيما بين الخبراء.*
*3- إختلاف مناهج وطرق وثقافات الخبراء في عرض التقارير وإعدادها.*
*4- تفاوت الخبرة بين الخبراء من حيث المستوى العلمي والخبرة المكتسبة.*
*5- ميل الخبراء إلى الخصوم المختارين من قبلهم.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: وجوب بيان القاضي لأسباب أخذه أو إعتماده على تقرير خبير بعينه من بين التقارير المختلفة:*
➖➖➖➖➖
*▪️سبق القول ان القانون قد الزم القاضي بذكر أسباب أخذه بتقرير خبير بعينه عند تعدد الخبراء وإختلاف النتائج الواردة في تقاريرهم، ولا شك أن بيان القاضي لأسباب أخذه بتقريربعينه يكون نتيجة دراسة القاضي لتقارير الخبراء والترجيح بينها حسبما سبق بيانه، ففي ضوء ذلك يجب على القاضي ان يذكر أسباب إستناده وإعتماده على هذا التقرير دون غيره من التقارير المخالفة له، وبالطبع ينبغي ان يذكر القاضي أسباب ذلك ضمن أسباب الحكم، وقد اشترط القانون على القاضي أن يذكر الأسباب في هذه الحالة حتى ينزه القاضي عن الهوى في إختيار تقرير بعينه وحتى يدلل على ان إختيار القاضي كان نتيجة لدراسة القاضي للتقارير المختلفة وان القاضي قد اعتمد على التقرير الأقرب منها للحقيقة الذي توفرت فيه المعايير والشروط القانونية، وفي سياق بيان أسباب إعتماد الحكم على تقرير بعينه من بين التقارير المختلفة فإنه ينبغي على القاضي أن يذكر المرجحات التي جعلته يطمئن إلى التقرير الذي أخذ به، والله اعلم.*