حجية المستندات المنشورة في الموقع الإلكتروني

*حجية المستندات المنشورة في الموقع الإلكتروني*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️تقوم جهات كثيرة وأشخاص عدة بنشر بعض المستندات الصادرة منهم في مواقعهم الإلكترونية، فيقوم آخرون بالاحتجاج بتلك المستندات أمام القضاء، ومثل ذلك المستندات التي تنشر في الحسابات الإلكترونية الأخرى الخاصة بالشركات والمؤسسات والأشخاص الطبيعيين، ولهذه المستندات حجيتها إذا توفرت بشأنها بعض الضوابط حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-3-2010م في الطعن رقم (40788)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وقد نعت الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه بأنه اعتمد على المستند الأول الذي وصفته الشعبة المطعون في حكمها أنه تم إستخراجه عن طريق البريد الإلكتروني للشركة الطاعنة، وقالت الطاعنة: انه بغض النظر عن مضمون ذلك المستند فهو ليس مستخرجاً عن طريق البريد الإلكتروني للشركة ، لانه لو كان مستخرجاً عن طريق البريد الإلكتروني للشركة الطاعنة فإن معنى ذلك أنه رسالة الكترونية من الشركة الطاعنة إلى المطعون ضدها التي استقبلت تلك الرسالة، في حين ان ذلك لا يظهر في المستند المستدل به، كما أن المستند المشار إليه لو كان رسالة أو بريداً الكترونياً لظهر عليه العنوان الإلكتروني لبريد الشركة المرسلة، ولذلك فإن الشعبة قد اخفقت في معرفة وماهية  المستند الإلكتروني الذي عولت عليه في حكمها ، فالبريد الإلكتروني هو إرسال رسالة من جهة إلى أخرى وهو الذي يمكن ان يكون له شيء من الحجية في الإثبات، أما ما ينشر في المواقع الإلكترونية فلا حجية له لانه من فعل الشركة في موقعها، والدائرة تجد أن الحكم المطعون فيه لم يخالف القانون كما أنه لم يخالف ما ذكرته الطاعنة، فقد أستند الحكم المطعون فيه إلى إفادة شركة( فيدكس) وهي شركة متخصصة بنقل الرسائل بين الأشخاص والشركات في العالم حيث أكدت تلك الإفادة إستلام الشركة الطاعنة للإعلان فقد تضمنت إفادة (فيدكس) اسم الموظف التابع للشركة الطاعنة الذي استلم الإعلان وتضمنت صفة ذلك الموظف، ويؤيد تلك الإفادة المستند الإلكتروني المقدم من محامي المطعون ضدها أمام الشعبة، فليس هناك أثر يترتب على عدم صحة وصف الشعبة للمستند المذكور بأنه مستخرج من البريد الإلكتروني للشركة الطاعنة او من موقعها الإلكتروني، فالحال أنه مستخرج من الموقع الإلكتروني للشركة الطاعنة عبر شبكة الإنترنت وقد تم ختم المستند المستخرج بخاتم شركة البريد المرسلة (فيدكس) تأكيداً لصحته)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ماهية البريد الإلكتروني وحجية المستندات المتبادلة بواسطته:*
➖➖➖➖➖

*▪️كان جانباً من الخلاف في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان قد تعلق بماهية البريد الإلكتروني وحجية الرسائل المتبادلة بواسطته، فالبريد الإلكتروني (الايميل) هو عبارة عن وسيلة إلكترونية لتبادل الرسائل بين الجهات والأشخاص، ومن ذلك  الرسائل المطبوعة والمستندات المرفقة بتلك الرسائل  حيث يتم إرسال الرسائل ومرفقاتها عن طريق البريد الإلكتروني إلى الجهة المقصودة او الشخص المقصود ، ولهذه الغاية يكون لكل جهة اوشخص من المتراسلين بهذه الطريقة عنوانه البريدي  الإلكتروني (الايميل) حيث تتبادل الرسائل الكترونياً من المرسل إلى المرسل إليه عن طريق برامج تضعها الشركات المتخصصة  بالبريد الإلكتروني واهمها شركتا (جيميل والياهو) وللرسائل  المتبادلة عن طريق البريد الإلكتروني حجيتها الشرعية في الشريعة الإسلامية على أساس ان الكتابة وسيلة مشروعية للتعبير عن الإرادة والتعاقد، كما ان  الكتابة موجهة إلى أشخاص معينين مقصودين من المرسل للرسالة المكتوبة، ولذلك فهي من الكتابة المرسومة بمصطلح الفقهاء أو مرتسمة بتعبير الزيدية - أي ان الرسائل المتبادلة بواسطة البريد الإلكتروني  موجهة إلى الأشخاص الذين يقصدهم المرسل للرسالة المكتوبة، فيتحقق بها الإيجاب والقبول، وتترتب عليها الآثار الشرعية باعتبار التعاقد بالكتابة جائز في الفقه الإسلامي (فقه المعاملات المعاصرة، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين،ص175)، وكذلك الحال في القانون، فاللرسائل والمنشورات المتبادلة فيما بين الجهات والأشخاص عن طريق البريد الإلكتروني لها حجيتها في القانون، لان إرسالها عن طريق الايميل الخاص بالمرسل دليل على نسبتها له، كما أن توجيهها من قبل المرسل لها إلى جهة بعينها أو شخص بعينه دليل على ان المرسل لها قد اراد وقصد من توجيهها إلى ذلك الشخص بعينه ترتيب الأثر القانوني المقصود، وعلى هذا الأساس فإن حجية المستندات والرسائل المتبادلة عن طريق البريد الإلكتروني تكون لها حجية تفوق حجية المستندات المنشورة في الموقع الإلكتروني للشخص وما في حكمه، لان رسائل البريد الإلكتروني موجهة إلى أشخاص معينين، ولذلك فقد كانت الشركة الطاعنة في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كانت تحاجج بان المستند المنسوب لها ليس رسالة الكترونية مرسلة منها بواسطة البريد الإلكتروني وإنما كان منشورا في الموقع الإلكتروني للشركة الطاعنة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: ماهية الموقع الإلكتروني وحجية ما ينشر فيه:*
➖➖➖➖➖

*▪️الموقع الإلكتروني هو حساب إلكتروني بنظر الشركات العالمية مالكةاو صاحبة الإمتياز التي يتم فتح حساب الموقع الإلكتروني لديها، والموقع الإلكتروني مفتوح للجمهور  حيث يتمكن من مطالعة المنشورات فيه ملايين الناس، ولذلك تقوم الجهات والأشخاص أصحاب المواقع الإلكترونية بنشر مستندات ومنشورات وإعلانات تتضمن رؤية الجهات التي يتبعها الموقع حيث تنشر إعلاناتها وانشطتها وفعاليتها...إلخ، ويكون مقصد الشركة أو الجهة المالكة للموقع الإلكتروني أو مافي حكمه من النشر في موقعها الإلكتروني مخاطبة جمهورالناس داخل الدولة وخارجها والترويج للجهة أو الشركة صاحبة الموقع . فلا تكون هذه المنشورات موجهة لشخص بعينه أو جهة بعينها وإنما هي موجهة للعامة أو جمهور الناس، وتختلف حجية هذه المنشورات بإختلاف انواعها واغراضها، فإذا  تضمنت المنشورات إعلانات أو دعوات من صاحب الموقع فإن المنشورات تكون لها حجية على الشركة صاحبة الموقع فتكون ملزمة لها، حيث يجب على الجهة الوفاء بما ورد في تلك الإعلانات كإعلانات البيع لسلع بسعر معين أو عن وظائف وفقاً لشروط معينة، وكذلك الحال تكون إعلانات الشركة ملزمة لها إذا تضمنت مواصفات معينة لسلعها أو منتجاتها وكذا اسعار منتجاتها، وكذا تكون المستندات ملزمة للشركة صاحبة الموقع  إذا كانت المستندات متعلقة بالبيانات المالية عن مركز الشركة المالي والتزاماتها، والمقصود بالحجية هنا هو حجيتها على الجهة صاحبة الموقع غير ان لها حجيتها على غير الجهة صاحبة الموقع إذا تعامل الغير مع الشركة أو الجهة على أساس البيانات الواردة في المنشورات والمستندات المنشورة في موقع الجهة، وأساس حجيتها على الغير أن الغير قبل بها عندما تعامل مع الشركة صاحبة الموقع بموجب ما ورد في المستندات المنشورة في موقعها، وأساس حجية المستندات والبيانات المنشورة في الموقع الإلكتروني  أنه وسيلة إعلان وإعلام الكافة بإرادة الشركة ورغبتها ومواقفها ازاء المسائل الخاصة بها التي عبرت عنها في المستندات المنشورة في موقعها الإلكتروني، اما إذا كانت المنشورات تخص مسائل عامة أو مستندات ليست صادرة عن إدارة الجهة أو الشركة صاحبة الموقع فإن المستندات لا تكون حجة على الشركة صاحبة الموقع، لان نشرها في الموقع يكون القصد منه توعية الموظفين والزبائن ببعض المسائل مثلما تقوم بعض الشركات بنشر تعميمات الجهات الرسمية ذات الصلة مثل شركات الصرافة التي تنشر في مواقعها وصفحاتها الإلكترونية قانون الصرافة وتعاميم البنك المركزي والرسائل الموجهة من البنك المركزي الموجهة إلى شركات الصرافة، وكذا تقوم بعض الشركات بنشر توجيهات وزارة الصناعة والتجارة بشأن المسائل ذات الصلة بعمل الشركة، فأساس حجية هذه المستندات هو صحة صدورها من الجهات الرسمية بحسب ما ورد في قانون الإثبات.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: حجية إفادة شركات البريد (الحكومي / الدي اتش إل/ فيدكس):*
➖➖➖➖➖

*▪️تستعمل بعض الشركات والأشخاص البريد الحكومي وشركات البريد الدولية(الدي اتش إل وفيدكس) وغيرها في الإعلانات والإخطارات حيث تقوم شركات البريد الحكومي و(الدي اتش إل/فيديكس) تقوم بإيصال الإعلانات والإخطارات إلى الجهات والأشخاص الموجهة إليهم تلك الإعلانات او التكليفات وتأخذ شركات البريد إستلام بذلك من المرسل اليه يفيد إستلام المرسل اليه للرسالة، ويتضمن هذا الاستلام اسم المستلم وصفته وتاريخ الإستلام ومكانه حسبما اشار الحكم محل تعليقنا، وتقوم شركات البريد بتسليم المرسل ذلك الاستلام الذي  يفيد استلام الجهة المقصودة للرسالة، فيقوم المرسل بالاحتجاج بذلك الاستلام لإثبات تمام الإعلان أو إستلام الرسالة إلى الشركة المقصودة بوصول الكتاب أو الرسالة إليها، ولذلك ترد في بعض القوانين واللوائح عبارة (ويتم الإعلان أو التسليم بكتاب يفيد علم الوصول) والإفادة التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا هي كتاب علم الوصول، وقد أكد الحكم محل تعليقنا على حجية كتاب علم الوصول او الإفادة بوصول الرسالة وترتيب الأثر القانوني على ذلك، وإن كان كتاب علم الوصول له حجيته سواء أكان صادراً من البريد الحكومي أو شركات البريد الخاص إلا إن نوع كتاب علم الوصول يختلف، فكتاب علم الوصول الصادر بواسطة البريد الحكومي يكون محرراً رسمياً، لانه صادر عن الجهة الرسمية المختصة قانونا، في حين يكون خطاب علم الوصول الصادر من (الدي اتش إل / فيدكس) محرراً عرفياً، والله اعلم.*