تجاوز المحكم لصلاحيته يجعل حكمه منعدماً

*تجاوز المحكم لصلاحيته يجعل حكمه منعدماً*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️يستمد المحكم ولايته في الفصل في الخصومة التحكيمية يستمدها من إتفاق التحكيم الذي يحدد موضوع التحكيم أو محل النزاع الذي يجب على المحكم التقيد به وعدم تجاوزه في حكمه، فإذا تجاوز المحكم في حكمه نطاق موضوع التحكيم المتفق عليه في إتفاق التحكيم فإن حكم التحكيم يكون منعدماً حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-3-2011م في الطعن رقم (45363)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((ومن الجدير بالذكر في هذا المقام انه بالنظر إلى موضوع التحكيم فأن البين أنه لا يشمل تفويض المحكم للحكم بملكية الأرض للمحتكمين ومن ثم فلا ولاية للمحكم في إصدار حكم من قبله فيما يتعلق بملكية الأرض حسبما ورد في منطوق حكم التحكيم لإنعدام ولاية المحكم في هذا الخصوص، ولا يغير في ذلك تشريف الخصم للحكم، إذ أن الحكم المنعدم لا يرد عليه قبول ولا تلحقه إجازة ولا يتحصن بمضي المدة، فالإنعدام ينطبق على الأحكام الصادرة من المحاكم أو أحكام المحكمين سواء بسواء، لان المنعدم يولد معدوماً وما بني على منعدم فهو منعدم مثله)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: فكرة الإنعدام وتطبيقاتها:*
➖➖➖➖➖

*▪️أصل فكرة الإنعدام هو الفقه الإسلامي وتحديدا مذهب الحنفية الذين فرقوا بين الركن والشرط ومن ثم توصلوا إلى التفرقة بين العقد الباطل والعقد الفاسد، فالبطلان يكون عندما يتخلف ركن من أركان التصرف الذي لا يقوم التصرف إلا به، فيكون التصرف في هذه الحالة منعدماً لا وجود له ولا تلحقه إجازة او تصحيح ، أما العقد الفاسد فهو الذي تحققت أركانه وتخلفت شروطه حيث يكون العقد الفاسد قابلاً للتصحيح والإجازة، وقد أخذ شراح القانون فكرة الإنعدام من معين الفقه الإسلامي الذي وضع مداميك هذه الفكرة ووسع من تطبيقاتها حيث يذهب الفقه الإسلامي إلى تطبيق الإنعدام في العقود والتصرفات المختلفة، في حين لم يصرح بإعتناقه لفكرة الإنعدام إلا قانون المرافعات، هذا الكلام كان لابد من قوله لفهم إجتهاد الحكم محل تعليقنا بتطبيق الإنعدام على أحكام التحكيم مع ان قانون المرافعات هو الذي نظم إنعدام الأحكام القضائية وليس قانون التحكيم.*
 
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: الإنعدام في قانون التحكيم:*
➖➖➖➖➖

*▪️لم ينص قانون التحكيم على إنعدام أحكام التحكيم ولكنه حدد في المادة (53) حالات بطلان حكم التحكيم حيث تتشابه بعض حالات إبطال حكم التحكيم مع بعض حالات الإنعدام المقررة في قانون المرافعات لاسيما الحالات المتعلقة بعدم وجود إتفاق التحكيم أو تجاوز المحكم لصلاحيته اي تجاوزه لموضوع التحكيم المتفق عليه بين الخصوم، حيث نصت المادة (53) تحكيم على أنه: (مع مراعاة أحكام هذا القانون، لا يجوز طلب إبطال حكم التحكيم إلا في الأحوال التالية:*

*أ- إذا لم يوجد إتفاق تحكيم أو إنتهت مدته أو كان باطلاً وفقاً للقانون.*

*ب- إذا كان أحد أطراف التحكيم فاقد الأهلية.*

*ج- إذا كانت الإجراءات غير صحيحة.*

*د- إذا تجاوزت لجنة التحكيم صلاحياتها.*

*هـ- إذا تم تشكيل لجنة التحكيم بصورة مخالفة لإتفاق التحكيم.*

*و- إذا لم يكن حكم التحكيم مسبباً.*

*ز- إذا خالف حكم التحكيم أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام وفيما عدا هذه الأحوال والأحوال المبينة في هذا القانون فإن أحكام التحكيم التي تصدر وفقاً لهذا القانون لا يجوز الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية) ومن خلال المقارنة بين ما ورد في المادة السابق ذكرها وبين الحكم محل تعليقنا نجد أن الحكم محل تعليقنا قد اعتبر أن حالة (تجاوز لجنة التحكيم صلاحياتها) يجعل حكم التحكيم منعدماً وليس باطلاً حسبما قضى الحكم، وقد لاحظنا أن حالة (تجاوز لجنة التحكيم صلاحياتها) وردت في المادة (53) من قانون التحكيم كحالة من الحالات التي يجوز فيها طلب إبطال حكم التحكيم.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: إنعدام حكم التحكيم لإنعدام ولاية المحكم أو تجاوزه نطاق ولايته:*
➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بإنعدام حكم التحكيم إذا تجاوز المحكم نطاق إختصاصه بإعتبار ذلك تجاوز لولايته المحددة في إتفاق التحكيم، ويتأسس هذا الإجتهاد القضائي على أن قانون المرافعات ينص في المادتين (13 و15) على إنعدام حكم القاضي إذا كان الحكم بعد إنتهاء ولاية القاضي، وهذه المسألة من النظام  العام في قانون المرافعات، وقانون التحكيم ينص في المادة (22) على (ضرورة مراعاة أحكام هذا القانون وعدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات التي تعتبر من النظام العام) فإذا كان قانون المرافعات قد صرح بإنعدام حكم القاضي لإنتهاء ولاية القاضي فمن باب أولى فإن حكم المحكم يكون منعدماً إذا لم تكن للمحكم ولاية كما لو أصدر حكمه من غير أن يتم تحكيمه من قبل الخصوم اي من غير وجود إتفاق تحكيم، وكذلك الحال إذا تجاوز المحكم موضوع التحكيم المحدد في إتفاق التحكيم وحكم في مسألة أو موضوع لا يندرج ضمن موضوع التحكيم الذي اتفق الخصوم على تحكيمه فيه مثلما قضى الحكم محل تعليقنا، لان تجاوز المحكم  ولايته المحددة في إتفاق التحكيم يعدم ولايته في المسائل التي لا تندرج ضمن موضوع التحكيم، فلا ولاية للمحكم في تلك المسائل التي لا تدخل ضمن موضوع التحكيم المحدد في إتفاق التحكيم مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: مصدر ولاية المحكم:*
➖➖➖➖➖

*▪️التحكيم طريق استثنائي للفصل في الخصومات، ولذلك فإن المحكم ليس قاضياً ولاتكون ولايته كولاية القاضي، ولذلك فإلمحكم يستمد ولايته في الحكم في الخصومة التحكيمية يستمدها من إختيار المحكمين له في إتفاق التحكيم الذي اشترط القانون ان يكون هذا الإتفاق مكتوباً لأهميته بإعتباره مصدر ولاية المحكم وبدونه تنعدم ولاية المحكم ومن ثم ينعدم حكمه.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الخامس: إشكالية الإنعدام الجزئي لحكم التحكيم:*
➖➖➖➖➖

*▪️قد لا يثير تطبيق الإنعدام الكلى بالنسبة لحكم التحكيم اية إشكالية، لان محكمة الاستئناف إذا تأكدت من حالة الإنعدام فإنها تملك قانوناً أن تقضي بقبول دعوى البطلان والتقرير بإنعدام الحكم إذا تحققت حالة إنعدامه، ولكن الإشكالية تثور عندما تتحقق حالة الإنعدام الجزئي لحكم التحكيم كما حصل في الحكم محل تعليقنا أي عندما يتجاوز المحكم ولايته أو إختصاصه، فتكون بعض فقرات من منطوق الحكم ضمن ولاية المحكم وفقرات أخرى من منطوق الحكم يكون المحكم فيها قد تجاوز ولايته، لان محكمة الاستئناف في الأصل لا تملك تعديل حكم التحكيم حيث تقتصر سلطتها على قبول دعوى البطلان أو رفضها، في حين تملك محكمة الاستئناف بالنسبة لحكم المحكمة الابتدائية ان تقضي بتعديله أو تؤيد بعض فقرات من منطوقه وتعدل أخرى، وقد حاول الحكم محل تعليقنا تقرير إجتهاد قضائي  مفاده أنه بالنسبة لحكم التحكيم الذي يتحقق الإنعدام في بعض فقرات منطوقه فإن محكمة الاستئناف تملك التقرير بإنعدام الفقرات من منطوق الحكم التي تجاوز فيها المحكم صلاحياته وإختصاصه أو ولايته مع البقاء على الفقرات الأخرى التي حكم فيها الحكم وهي ضمن نطاق ولايته، على أساس أن الإنعدام متعلق بالنظام العام ومن حق المحكمة التقرير به ولو من غير طلب من الخصوم، والله اعلم.*