لا يجوز سلب إختصاص القضاء اليمني بمنازعات الوكالات التجارية

*لا يجوز سلب إختصاص القضاء اليمني بمنازعات الوكالات التجارية*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*


➖➖➖➖➖

*▪️يختص القضاء اليمني بالمنازعات التي تنشاء فيما بين طرفي عقد الوكالة التجارية الوكيل المحلي والشركة الأجنبية بشأن تنفيذ او تفسير عقد الوكالة التجارية حتى لو تضمن عقد الوكالة التجارية بنداً ينص على إختصاص القضاء الأجنبي في موطن الشركة الأجنبية الموكلة ولو ورد أيضاً في العقد شرط تحكيم ينص على إختصاص هيئة التحكيم خارج اليمن حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16-10-2010م في الطعن رقم (43479)، حيث ورد في أسباب هذا الحكم أنه: ((وبإطلاع هذه الدائرة على أوراق القضية فقد تبين للدائرة ان الطاعنة تحاجج بالمادة (20) من قانون تنظيم الوكالات التجارية والمادة (28) من اللائحة التنفيذية للقانون المذكور بإعتبارهما من النصوص المتعلقة بالنظام العام التي لا يجيز القانون الإتفاق على مخالفة حكمهما ، ومن ثم لا يعمل بالبند (5) من عقد الوكالة الذي نص على تحكيم غرفة تجارة بيروت في الفصل في الخلافات بين الطرفين ، وهو الشرط الذي استندت إليه المطعون ضدها في دفعها بالإحالة إلى التحكيم لدى غرفة تجارة بيروت، في حين أن الطاعنة طلبت عدم التعويل على شرط التحكيم لانه ينطوي على سلب ولاية المحاكم اليمنية المقررة في المادتين السابق ذكرهما، لان المحاكم اليمنية هي المحاكم الوحيدة المختصة في الفصل في جميع النزاعات الناشئة عن عقد الوكالة ، وبرجوع الدائرة إلى حيثيات الحكم الاستئنافي المطعون فيه تجد الدائرة أن هذا الحكم قد سلم صراحة بان المادة (20) من قانون الوكالات والمادة (28) من اللائحة تتعلق بالنظام العام حيث نصت المادة (20) على ان "تعتبر محاكم الجمهورية هي المحاكم الوحيدة المختصة في البت في النزاعات الناشئة عن عقد الوكالة"، وفي هذا الأمر ذهب الحكم الاستئنافي إلى ان المقصود بالنظام العام في المادتين السابقتين هو البت في النزاعات التي تثيرها الطعون المرفوعة إلى المحاكم على القرارات الإدارية الصادرة من وزارة الصناعة والتجارة برفض طلبات منح تراخيص مزاولة أعمال الوكالات التجارية أو شطب الوكالات المرخص لها، والدائرة تجد أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه فساد في الإستدلال، لان المخالفة للنصين السابقين لا يتصور وقوعها إلا من طرفي عقد الوكالة، حيث أورد المشرع النصين لمنع طرفي العلاقة من الإتفاق على خلافهما ، فالمادتان السابقتان قررتا حكماً عاماً بجعل الإختصاص للقضاء اليمني من قبيل النظام العام، في حين قصر الحكم المطعون فيه الإختصاص من غير دليل، والجدير بالذكر أن المشرع اليمني لم ينفرد بالنص بتقرير إختصاص محاكم اليمن دون غيرها بالفصل في قضايا التمثيل التجارية الحصري حتى لو وجد الإتفاق على شرط التحكيم، حيث نصت على ذلك اغلب قوانين الدول الأخرى في مسائل كثيرة بالإضافة إلى التمثيل التجاري كمنازعات البورصة والمنافسة والإحتكارات والإفلاس والطلاق والزواج والبنوة والوصاية...إلخ، ومما سبق بيانه نجد أن الحكم المطعون فيه قد شابه عيب الخطأ في تطبيق القانون)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: السند القانوني للحكم بعدم جواز الإتفاق على سلب ولاية القضاء اليمني بنظر منازعات عقد الوكالة التجارية:*

➖➖➖➖➖

*▪️حسبما هو ظاهر في أسباب الحكم محل تعليقنا فقد أستند الحكم محل تعليقنا إلى المادة (20) من قانون تنظيم الوكالات التجارية التي نصت على أنه: (تعتبر محاكم الجمهورية هي المحاكم الوحيدة المختصة في البت في النزاعات الناشئة عن عقد الوكالة التجارية) فهذا النص صريح من خلال صيغته وصياغته بأنه قد حصر الإختصاص بنظر المنازعات الناشئة عن عقد الوكالة التجارية في المحاكم اليمنية دون غيرها، وذلك ظاهر في إستعمال النص لجملة (المحاكم الوحيدة).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: فكرة النظام العام في نص المادة (20) من قانون الوكالات:*
➖➖➖➖➖

*▪️قضى حكم المحكمة العليا محل تعليقنا بأن المادة (20) من قانون الوكالات قد "حصرت الإختصاص بنظر المنازعات الناشئة عن عقد الوكالة في المحاكم اليمنية" كما قضى الحكم محل تعليقنا بأن ما ورد في هذا النص من النظام العام الذي لا يجوز لطرفي عقد الوكالة التجارية الإتفاق على خلافه، لان صيغة النص المشار إليه وصياغته تفيد أنه آمر وليس مكملاً ، لأن الأصل هو إختصاص محاكم الدولة بنظر منازعات الأفراد بإعتبار السُلطة القضائية هي السُلطة المختصة اصلا في الدولة بنظر المنازعات وإن الإتفاق على خلاف ذلك هو الإستثناء، كما أن إختصاص السُلطة القضائية بنظر المنازعات أمر سيادي يعد من النظام العام لان التقاضي وإجراءاته من النظام العام، علاوة على أن الدولة معنية بالمحافظة على حقوق ومصالح رعاياها من الوكلاء المحليين لان التحكيم الخارجي يكلفهم مبالغ طائلة تفوق حقوقهم ومصالحهم خاصة ان الدولة ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة هي التي تمنح الوكلاء المحليين تراخيص مزاولة أعمال الوكالة التجارية بموجب عقد الوكالة ، فضلاً عن أن عقد الوكالة قد تم تنفيذه في اليمن وتعلقت به حقوق ومصالح الوكيل المحلي، فعقد الوكالة التجارية من حيث طبيعته يرتب الحقوق والالتزامات لطرفيه خاصة الوكيل المحلي، فعقد الوكالة التجارية ليس كالوكالة العادية التي تنعقد بعبارة الموكل فقط فتكون شبيهة بالقرار الصادر من الموكل.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: شرط التحكيم في عقد الوكالة التجارية والإذعان:*

➖➖➖➖➖

*▪️المطالع والمتابع لعقود الوكالات التجارية النافذة في اليمن يجد أن غالبيتها العظمى تتضمن شرط التحكيم الذي ينص على أن "أي خلاف يحدث بين طرفي العقد بسبب تنفيذ العقد أو تفسيره يتم الفصل فيه من قبل جهة تحكيمية في الدولة التي تتبعها الشركة الموكلة"  وبعض هذه العقود تتضمن انه عند حدوث النزاع بين الطرفين يتم الفصل فيه لدى القضاء في الدولة التي تتبعها الوكالة، حيث يكون شرط التحكيم او شرط إختصاص القضاء الأجنبي في صالح الشركة الموكلة مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، ولحاجة الوكيل المحلي للحصول على الوكالة مهما كانت الشروط فأنه يقبل بالتوقيع على عقد الوكالة  الذي تعده الشركة الموكلة، فلا يملك الوكيل حق مناقشة شروط وبنود العقد إلا في اضيق نطاق، ولذلك فانه يقوم بالتوقيع على عقد الوكالة من غير أن يقوم بتعديله مما يجعل عقد الوكالة في هذه الحالة من عقود الإذعان، ولذلك ينبغي ان تخضع عقود الوكالات للقضاء اليمني حتى يبسط رقابته على هذا العقد.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: نطاق منازعات عقد الوكالة التي لا يجوز سلب الإختصاص من القضاء اليمني بنظرها:*
➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن القضاء اليمني يختص بكل المنازعات التي تحدث بين الشركة الأجنبية والوكيل المحلي طالما أن هذه المنازعات قد نشاءت بسبب تنفيذ عقد الوكالة أو تفسيره، وانه من الخطأ قصر إختصاص القضاء اليمني على المنازعات التي تحدث بشأن تسجيل الوكالة أو شطبها حسبما قضى الحكم الاستئنافي المنقوض، لان نص المادة (20) من قانون الوكالات حكمه عام لا مخصص له ولا استثناء فيه، ولا ريب أن قضاء حكم المحكمة العليا محل تعليقنا سديد سنده النص القانوني العام الآمر، وهو نص المادة (20) من قانون الوكالات، والله اعلم.*