*كيفية تصحيح الخطأ المادي في الحكم*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️من المقرر في الفقه والقضاء انه ينبغي على القاضي العناية عند تحرير الحكم حتى لا تقع الاخطاء المادية وحتى يكون الحكم عنواناً للحق والحقيقة فلا يتسرب إليه أو إلى القاضي الشك، إلا انه قد تقع في بعض الحالات اخطاء مادية تستدعي تصحيحها ،حيث ينبغي ان لا يكون تصحيح تلك الاخطاء بحكم جديد أو بديل للحكم المشتمل على الخطأ المادي، حيث تقتصر اجراءات التصحيح على مجرد تصحيح للكلمات والأرقام والتواريخ محل الخطأ المادي مع بقاء الحكم المصحح بكل عناصره واثاره حسبما ورد في وثيقة (تصحيح خطأ مادي) الصادرة عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بتاريخ 15-5-2013م برقم (47025)، حيث ورد في الوثيقة المشار إليها انه: ((بعد الاطلاع على مذكرة رئيس محكمة استئناف محافظة... برقم... وتاريخ... الخاصة بطلب تصحيح الاخطاء المادية المقدم من ورثة... وهي الأخطاء الواردة في الصفحة الأولى من حكم المحكمة العليا وذلك الخطأ في اسم الورثة والخطأ في اسم اثنين من المطعون ضدهم وكذا الخطأ في اسم أمين سر محكمة الاستئناف، واستناداً إلى المادة (253) مرافعات فقد تم تصحيح الخمسة الاخطاء المادية المشار إليها أعلاه والمدونة في الصفحة الأولى في نسخة الحكم حيث تم التصحيح في نسخة الحكم الأصلية وفي الكمبيوتر، ولا عمل بأية صورة لهذا الحكم قبل التصحيح وبالله التوفيق – وقد تم التوقيع على هذه الوثيقة من قبل امين سر الدائرة ورئيس الدائرة فقط)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: السند القانوني لتصحيح الحكم:*
➖➖➖➖➖
*▪️حسبما هو ظاهر في وثيقة تصحيح الحكم هو المادة (253) مرافعات التي نصت على ان (تتولى المحكمة تصحيح ما يقع في حكمها من اخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أحد الخصوم من غير مرافعة وتجري كتابة المحكمة هذا التصحيح على صورة الحكم الأصلي ويوقع هو ورئيس الجلسة).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: المقصود بالخطأ المادي:*
➖➖➖➖➖
*▪️اشارت المادة (253) مرافعات إلى ان التصحيح للحكم لا يكون إلا للأخطاء المادية البحتة أي تلك التي يظهر من سياق الحكم انها اخطاء ظاهرة للعيان أو تدل الوثائق الرسمية كالبطاقات الشخصية أو أوراق القضية الأخرى المقدمة من الخصوم على ان ما ورد في الحكم خطأ مادي يخالف المثبت في أوراق القضية او الوثائق الرسمية، فيقصد بالخطأ المادي الخطأ في التعبير وليس الخطأ في التفكير باستخدام عبارات أو أرقام أو أسماء لا تعبر عما اتجهت اليه ارادة المحكمة حسبما تكشف مدونات الحكم ذاته. والخطأ المادي هو – كما عبر القانون الإيطالي – كل أغفال أو خطأ لا يترتب عليه البطلان ولا يترتب على تصحيحه تعديل أساسي في الأجراء (المادة 149 اجراءات إيطالي). فمثلا إذا ذكر في أمر الإحالة خطأ أن واقعة العاهة المستديمة للمتهم هي باليد اليمنى في حين أنها باليد اليسرى، فهذا مجرد خطأ مادي يجوز للمحكمة تصحيحه دون أن يكون ذلك أسنادا لواقعة جديدة الى المتهم. فإذا كان ما وقعت فيه محكمة الاستئناف لا يعدو أن يكون خطأ ماديا غير مؤثر على كيان الحكم ولا يفقده ذاتيته، تتولى المحكمة المشار اليها تصحيحه بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم، فلا يصح بذاته سببا للطعن بطريق النقض. ويتضح من ذلك ضرورة توافر شرطين حتى يعتبر الخطأ ماديا:*
*أ) الخطأ المادي البحت الكتابي أو الحسابي: وهذا الخطأ قد يكون حسابيا وقد يكون كتابيا على النحو الاتي:*
*1-بالنسبة للخطأ الحسابي: وهو الخطأ في إجراء عملية حسابية يقوم بها القاضي في أسباب حكمه أو منطوقه كالخطأ في الجمع مثلا عند حساب المبالغ المستحقة للدائن او في الطرح عند خصم المبالغ أو الأقساط التي سددها المدين من مبلغ المديونية الأصلية او في الضرب عند حساب الارباح المستحقة او عند احتساب صرف العملة.*
*2-بالنسبة للخطأ الكتابي: وهو كل أخطاء القلم كالسهو ونسيان ذكر بعض البيانات او الخطأ في ذكرها ومن امثلتها الخطأ في ذكر الأرقام كرقم العقار مثلا او الخطأ في رقم الدعوى او الخطأ في اسماء الخصوم او الخطأ في تاريخ إصدار الحكم او بيان المادة التي صدر فيها الحكم إذا كانت مدنية أو مستعجلة او تجارية وقد يكون الخطأ في وصف الحكم غيابي أو حضوري. وقد يؤدي الخطأ المادي في الحكم سواء كان حسابيا او كتابيا الي اختلاف واضح ما بين الأسباب والمنطوق فتؤدي الأسباب إلى قرار مختلف عما ظهر في المنطوق فتتهدم أركان الحكم مما يؤدي الي انعدامه والوسيلة في هذه الحالة الطعن بالطريق الذي رسمه القانون توصلا إلى إلغائه.*
*ب) أن يكون الخطأ في الحكم ذاته، فلا يكفي فقط وجود الخطأ المادي ولكن يستلزم ان يكون الخطأ قد وقع في الحكم واستنادا إلى ذلك لا يعتبر خطأ مادي إذا كان الخطأ قد وقع من الخصوم أنفسهم كالخطأ في صحف الدعاوى أو المذكرات.*
➖➖➖➖➖
*▪الوجه الثالث: المقصود بالتصحيح وإجراءاته:*
➖➖➖➖➖
*▪️بينت المادة (254) مرافعات كيفية التصحيح في النسخ المسلمة بأيدي الخصوم وكيفية تسليم الخصوم النسخ المصححة حيث نصت هذه المادة على انه (إذا تم التصحيح في غيبة الخصوم او بناء على طلب أحدهم في غيبة الآخر بعد تسليم صور من الحكم لهم، يعلن الغائب منهم عن طريق قلم كتاب المحكمة او الخصم طالب التصحيح للحضور ومعه صورة الحكم المسلمة اليه لإثبات التصحيح عليها وتعتبر صورة الحكم التنفيذية غير صالحة للتنفيذ بها فيما يتعارض مع التصحيح). ويتم التصحيح من قبل المحكمة التي اصدرت الحكم المشتمل على الاخطاء المادية ويتم التصحيح من قبل أمين السر ورئيس هيئة الحكم دون بقية القضاة إذا تعددت هيئة الحكم ويتم التصحيح من غير مداولة ويتم التوقيع على التصحيح من قبل أمين السر ورئيس هيئة الحكم فقط، ويقتصر التصحيح اعلى الأخطاء المادية وحدها أما الأخطاء الغير مادية فلا يجوز اللجوء في شأنها الى هذا الطريق، والخطأ المادي بهذه المثابة لابد وأن يحدد له أساس في مدونة الحكم ذاته يدل على الوقائع الصحيحة فيه في نظر الحكم بحيث يبرز هذا الخطأ واضحا من مجرد مقارنة الخطأ المادي الوارد في الحكم بالأمر الصحيح الصادر في الحكم ذاته وذلك حتى لا يكون التصحيح ذريعة للرجوع عن الحكم أو المساس بحجيته.
وتقتصر مهمة المحكمة على النظر في تصحيح الخطأ المادي في ضوء ما هو ثابت في مدونة الحكم ذاته، فيتعين أن يكون التصحيح من واقع العناصر الثابتة في الحكم.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: آثار تصحيح الحكم وتوصية للمقنن:*
➖➖➖➖➖
*▪️من المسلم به ان آثار تصحيح الحكم تقتصر على الأرقام أو الاسماء أو التواريخ التي تم تصحيحها حيث تحل الكلمات أو الأرقام التي تم تصويبها أو تصحيحها محل الكلمات التي وقع فيها الخطأ، فلا يمس هذا التصحيح بالحكم الذي تم تصحيح الاخطاء المادية فيه كما لا يعد التصحيح بمثابة حكم جديد، ومما يجدر ذكره انه ما كان ينبغي لقانون المرافعات ان ينص في المادة (253) على ان يتم التصحيح (بقرار تصدره المحكمة) حيث يفهم من ذلك أن هناك حكم ملحق بالحكم الذي تم تصحيحه. وما ذهب إليه القانون اليمني يتفق مع وجهة نظر ضعيفة للفقه العربي الذي يعتبر القرار الصادر بالتصحيح حكم مكملا للحكم ومتمما له حيث أنه ذهب بعض الفقه القانوني إلى اعتبار القرار الصادر بالتصحيح حكما موضوعيا.، والله أعلم.*