إثبات الجنون السابق على الجناية - في القانون اليمني

*إثبات الجنون السابق على الجناية*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*


➖➖➖➖➖

*▪️الأصل انه ينبغي إثبات حالة الجنون التي انتابت المتهم عند ارتكابه للجريمة وان تتم عندئذ إحالته إلى اللجنة الطبية المختصة لفحصه وإثبات حالته العقلية بتقرير حديث يثبت حالته العقلية عند إرتكابه للجريمة، ولكن في بعض الحالات يكون الجنون ظاهر ومعروف ومشهور لدى كل من يعرف الشخص المجنون فعندئذ يتم إثبات أعراض الجنون عن طريق الشهادات والتقارير الطبية القديمة حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-10-2018م في الطعن رقم (61551)، الذي جاء ضمن أسبابه: ((حيث ينعي الطاعنون ورثة المجني عليه على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون لانه اعتمد في قضائه على تقرير طبي قديم صادر من الطبيب الذي كان يعالج الجاني في الماضي البعيد قبل سبع سنوات إضافة إلى اعتماده على شهادات شهود لإثبات الحالة العقلية للمتهم، والدائرة تجد ان ما نعاه الطاعنون في غير محله فالحكم الاستئنافي المطعون فيه قد اعتمد على التقرير الصادر من الطبيب الذي كان يعالج المتهم قبل واقعة القتل ببضع سنوات الذي أكد ان المتهم كان يعاني من مرض عقلي (انفصام في الشخصية ) وانه قد يكون احياناً خطراً بسبب الشكوك التي يعاني منها، ويؤيد ماورد في التقرير الطبي شهادات الشهود بان المتهم كان يضرب أمه وعياله وانه كان كل سنة يمرض مرة، وانه قد جن قبل ذلك أربع مرات، كما افاد الشهود أنه يجلس مجنون أربعة أشهر أو خمسة ويعالجوه فيصحى، وقد تواترت الشهادات بان المتهم معروف للجميع بانه مجنون وان اهله قد ربطوه أكثر من مرة لجنونه، ولذلك فان الحكم الاستئنافي موافق للشرع والقانون)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ماهية الجنون المانع للمسئولية الجزائية:*
➖➖➖➖➖

*▪️الجنون المانع للمسئولية الجزائية هو الجنون المطبق وهو الذي يعدم الادراك والاختيار، حيث لا يعلم المصاب به ولايعي ولا يدرك الافعال التي يقوم بها، ويعرف الفقهاء الجنون بانه آفة تصيب العقل فتجعل المصاب يخلط بين الاشياء حيث يرى ويسمع ويقول اشياء ويفعل اشياء لا يفعلها العقلاء في العادة، والجنون المطبق هو المستمر الذي يلازم المصاب طوال السنة، والجنون المتقطع هو الذي ينتاب المصاب في أوقات ويزول عنه في أوقات، وقد اتفق الفقه والقانون على ان العبرة تكون بحالة المتهم وقت إرتكابه الجريمة، فإذا كانت حالة الجنون قد اعترت المتهم عندئذ فتمتنع مسئوليته الجزائية، اما إذا لم يكن الأمر كذلك فيكون المتهم مسئولاً عن الفعل أو الجريمة، ومن خلال تطبيق هذا المفهوم على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان المتهم كان عند ارتكابه للفعل يعاني من حالة انفصام الشخصية وهو نوع من انواع الجنون بمصطلح الفقهاء، وقد دلت شهادات الشهود ان المتهم كان يعاني من الجنون المتقطع وانه عند قيامه لفعل القتل كان تحت طائلة الجنون الدوري او المتقطع.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: إثبات الجنون:*
➖➖➖➖➖

*▪️الجنون مرض عقلي داخلي ولذلك فان إثباته في حالات كثيرة يتم عن طريق أهل الخبرة والاختصاص وهم الاطباء في مجال الأمراض العقلية، غير انه في بعض الحالات يتم إثبات الجنون عن طريق شهادات الشهود أو التسجيل الصوتي أو الفلمي وغير ذلك حيث يتم إثبات الجنون هذه الأحوال عن طريق الافعال والأقوال والتصرفات الصادرة من المجنون والتي لا تصدر من العقلاء لانه من الممكن مشاهدة اعراض الجنون الظاهرة ومن ثم إثباتها عن طريق مشاهدة هذه الاعراض ورصدها، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد أثبت الجنون عن طريق شهادات الشهود الذين شهدوا ان المتهم كان يضرب امه ويضرب أولاده ضرباً شديداً وان أهله كانوا يربطونه حتى لا يؤذي غيره وانه كان يتم علاجه من مرض الجنون لدى الطبيب المختص.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: إمكانية الاستدلال بالحالة السابقة لإثبات الجنون:*
➖➖➖➖➖

*▪️سبق القول بان العبرة وقت إرتكاب الجريمة حيث يتم النظر إلى الحالة العقلية للمتهم عند ارتكابه للجريمة، غير انه من الجائز الاستدلال بالحالة السابقة للشخص فإذا كان من الثابت انه يعاني من الجنون التام وكانت اعراضه مشاهدة من قبل المحيطين به فإنه يتم استصحاب هذه الحالة حتى ساعة إرتكابه للجريمة حيث يتم إثبات الجنون في هذه الحالة عن طريق شهادات الشهود، وكذلك الحال بالنسبة للجنون الدوري أو المتقطع إذا كان من الثابت ان الشخص يعاني منه طوال فترة من عمره تصل إلى بضع سنين حيث أن الجنون الدوري ينتابه بين فترة وأخرى فإن الجنون أيضاً في هذه الحالة يتم إثباته عن طريق شهادات الشهود الذين كانوا يشاهدوا اعراض الجنون في الفترات التي كان الجنون يعتري الشخص ولا يكون الجنون مانعاً للمسئولية بالنسبة للجنون الدوري إلا إذا ارتكب الشخص الجريمة اثناء فترة جنونه، وقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد اعتمد على شهادات الشهود الذين شهدوا ان المتهم كان يعاني من الجنون المتقطع الذي كان يعاوده كل سنة منذ أكثر من ثمان سنوات وشهدوا أيضاً انه في اثناء ارتكابه للجريمة كان يعاني من الجنون الدوري، والله اعلم.*