*عدم جواز الجمع بين الفسخ والنفقة السابقة*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بعدم جواز الجمع بين الفسخ لعدم الإنفاق وبين النفقة السابقة، وهذا الحكم هو الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24/10/2018م في الطعن رقم (61777)، حيث جاء في أسباب هذا الحكم ((اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة تفاصيل ما ورد في عريضة الطعن والرد عليه وبعد الإطلاع على الحكم الابتدائي وما تبعه لدى محكمة الاستئناف فقد وجدت الدائرة: ان حكم الاستئناف قضى بتأييد الحكم الابتدائي بجميع فقراته دون التنبه إلى قضائه بتسليم النفقة السابقة مع عدم جواز الحكم بذلك، ولذلك فان الحكم الاستئنافي قد جانب الصواب إذ لا يجتمع الحكم بالفسخ لعدم الإنفاق مع الحكم بالنفقة، لذلك فان الحكم الاستئنافي بتأييده الحكم الابتدائي بتسليم النفقة السابقة مع الحكم بالفسخ غير موافق)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الوضعية الشرعية للنفقة السابقة:*
➖➖➖➖➖
*▪️من المقرر في فقه الشريعة الإسلامية ان النفقة واجبة على الزوج لزوجته بإعتبارها من أهم واجبات الزوج قبل الزوجة واثر من أهم آثار عقد الزواج لان الزوجة مأمورة بالقرار في منزل الزوجية، فنفقة الزوجة حق للزوجة وفي الوقت ذاته فهي واجبة على الزوج، وحق الزوجة في النفقة لا يسقط إلا إذا نشزت الزوجة وغادرت منزل الزوجية بغير إذن زوجها او بدون عذر شرعي، وعلى هذا التكييف الفقهي فان النفقة لازمة على الزوج في كل الأحوال حتى لو كانت النفقة سابقة ،لان النفقة السابقة دين في ذمة الزوج حتى لو كان الزوج معسراً، لان الإعسار لا يدوم عملاً بقوله تعالى {ان بعد العسر يسراْ} فتكون النفقة السابقة دين في ذمة الزوج المعسر حتى يحصل له اليسار عملاً بقوله تعالى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ...).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: الوضعية القانونية للنفقة السابقة:*
➖➖➖➖➖
*▪️كان موقف قانون الأحوال الشخصية من النفقة السابقة للزوجة مضطرباً ومتناقضاً حيث صرح في المادة (41) على ان النفقة حق للزوجة وواجب على الزوج، ونص القانون في المادة (152) على ان حق الزوجة في النفقة الماضية لا يسقط أي نفقتها السابقة بمطل الزوج وان نفقة الزوجة السابقة لا تسقط حتى لو تبرع شخص غير الزوج بنفقتها، واجازت المادة (154) للقاضي ان يقرر للزوجة نفقة من مال زوجها اذا تمرد عن الإنفاق عليها أو غاب عن الزوجة، واجازت المادة (155) أحوال شخصية: للزوجة ان تقترض نفقتها وان للزوجة الرجوع على زوجها لتحصيل نفقتها السابقة، إلا أن المادة (156) قد جاءت مناقضة للمواد السابقة المشار إليها حيث نصت هذه المادة على انه : (لا يحكم للزوجة بأكثر من نفقة سنة سابقة على المطالبة القضائية) وقد تضاربت الآراء بشأن تعديل هذه المادة ،والصحيح انه تم تعديلها إلا أن الحكومة لم تنشر هذا التعديل!!!.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: حق الزوجة في الفسخ لإعسار زوجها:*
➖➖➖➖➖
*▪️اختلف الفقهاء في هذا الشأن على قولين: القول الأول: يذهب إلى حق الزوجة في الفسخ لضرورة النفقة لاندراجها ضمن الضروريات ، فالزوج مأمور شرعاً بالإنفاق عليها فان عجز عن ذلك لزمه ان يطلقها، لان امساكه لها في هذه الحالة إضرار بها وذلك محرم بقوله تعالى { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [سورة البقرة آية 232] فإمساك المعسر لزوجته من غير نفقة مضر بها، اما القول الثاني: فقد ذهب إلى عدم جواز الفسخ لإعسار الزوج ،لان ذلك مخالف لقوله تعالى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} وقد اخذ قانون الأحوال الشخصية بالقول الأول حيث اجاز القانون لزوجة المعسر ان تطلب فسخ زواجها إذا اعسر زوجها، وبناءً على ذلك فان حق الزوجة في الفسخ لإعسار زوجها حق أصيل مقرر في الشريعة والقانون.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: مدى جواز الجمع بين فسخ الزواج لعدم الإنفاق وبين النفقة السابقة:*
➖➖➖➖➖
*▪️من خلال ما سبق ذكره في الاوجه السابقة فقد ظهر لنا احقية زوجة المعسر في النفقة واحقيتها في الفسخ كل حق على إستقلال، وهناك اتجاه في اليمن يذهب إلى عدم جواز الجمع بين النفقة السابقة والفسخ للإعسار لان الفسخ للإعسار يعني ثبوت اعسار الزوج عن النفقة، فالحكم بالفسخ للإعسار عن دفع النفقة يتنافى مع الحكم في الوقت ذاته بإلزام الزوج بدفع نفقة سابقة، حيث قد ثبت لدى القاضي اعسار الزوج عن دفع النفقة عند رفع دعوى الفسخ، فالحكم بالفسخ بسبب اعسار الزوج عن دفع النفقة يتنافى مع الحكم بإلزامه بدفع النفقة السابقة، وهناك اتجاه آخر يذهب إلى ان الفسخ بسبب إعسار الزوج عن الإنفاق حق شرعي وقانوني للزوجة وكذلك الحال بالنسبة للنفقة السابقة فهي دين بذمة زوجها يجب عليه الوفاء به، فليس هناك تعارض بين الحقين وان كان اقتضاء أو استيفاء النفقة متعذر حين الحكم بالفسخ للاعسار إلا أنها تكون دين بذمة الزوج المعسر إذا ما ايسر عملاً بقوله تعالى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ولان حال الإعسار لا تظل ملازمة للأشخاص فالله يقلب الأحوال من حال إلى حال، والله أعلم.*