الفرق بين التأمينات الإجتماعية والتأمين العقدي

*
الفرق بين التأمينات الإجتماعية والتأمين العقدي*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️في حالات كثيرة يقع الخلط بين التأمين الإجتماعي الالزامي بموجب قانون التأمينات الإجتماعية حيث يلزم هذا القانون أصحاب الأعمال والعمال على الاشتراك في التامين الإجتماعي ودفع اشتراكات شهرية منتظمة، فالتأمينات الاجتماعية إجبارية بقوة القانون فمصدرها واساسها هو القانون وليس عقد التامين الذي يقوم على الرضا وليس الاجبار، ومع ذلك يحدث  الخلط بين التأمين الاجتماعي وبين التأمين العقدي او التجاري الذي ينظمه عقد التأمين الذي يقوم على رضاء وقبول الشركة المؤمنة والشخص المؤمن عليه، مع ان هناك فروق جوهرية بين التأمينات الاجتماعية والتأمينات العقدية، وبغرض الإشارة إلى هذه الفروق فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/3/2021م في الطعن رقم (67037)، الذي ورد ضمن أسبابه ((اما من الناحية الموضوعية فقد نعى الطاعنان على الحكم المطعون فيه البطلان لمخالفته للدستور لانهما قد بينا في مرافعاتهم أمام محكمة الاستئناف ان جميع العاملين لديهم لا يرغبوا في التأمين وقد نزلت محكمة أول درجة وسألت العاملين عن رغبتهم في التأمين من عدمه فأفادوا جميعاً بعدم رغبتهم في ذلك، ومن ثم فان الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد انتهك نصاً دستورياً بزعمه ان التأمين وجوبي والزامي، فقد خالف الحكم ما جاء في القانون المدني بشأن عقد التأمين الذي عرفه بانه: عقد رضائي تنطبق عليه كل اركان العقد وشروطه، فبطلان الحكم محل الطعن ظاهر في تطبيق القانون حيث خلط العمال في القطاع الخاص بموظفي الدولة، والدائرة تجد انه مما لا شك فيه ان الحكم الاستئنافي محل الطعن بالنقض قد وقع في الخطأ في تطبيق القانون من أول وهلة حينما استدل بقانون التأمينات والمعاشات ولائحته التنفيذية مع انه ينطبق على الموظفين التابعين للدولة حيث يكون التأمين عليهم إجبارياً، وهذا القانون لا ينطبق على العاملين في القطاع الخاص مثل المدارس الأهلية والفنادق والمطاعم التابعة للقطاع الخاص حيث يكون التأمين في حقهم اختيارياً وليس الزامياً يجبرون عليه وفقاً لأحكام قانون التأمينات الاجتماعية رقم (26) لسنة 1991م الأمر الذي يتعين معه تصحيح الخطأ في تطبيق القانون وقبول الطعن والغاء الحكم الاستئنافي والتوقف على ما قضى به الحكم الابتدائي)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الفرق بين التأمين الاجتماعي والتأمين العقدي:*
➖➖➖➖➖

*▪️اشار الحكم محل تعليقنا إلى الفرق بين التأمينات الاجتماعية والتأمين العقدي، حيث ان التأمين العقدي يجد أساسه في العقد الذي يتم إبرامه فيما بين طالب التأمين (المؤمن عليه) وشركة التأمين (المؤمن) ويتضمن هذا العقد أحكام وشروط ونطاق وحدود التأمين، ويخضع هذا العقد للقواعد العامة في العقود عامة ومنها تحقق أركان العقد وشروطه، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى  عقد التأمين المذكور في القانون المدني، وقد صدرت القوانين الخاصة الناظمة للتأمين وشركات التأمين التجارية وإعادة  التأمين وهو ما يطلق عليه التأمين التجاري أو التأمين العقدي، وهذا النوع من التأمين إختياري عماده التراضي فيما بين المؤمن والمؤمن عليه – اما التأمينات الاجتماعية فأساسها قانون التأمينات الاجتماعية الذي ينص صراحة على ان التأمين الاجتماعي إجباري يتحتم على العامل وصاحب العمل الاشتراك فيه وسداد الاشتراكات حيث نصت المادة ( 9 ) من قانون التأمينات الاجتماعية على ان (يكون التأمين في المؤسسة إلزاميا بالنسبة لاصحاب الاعمال والعمال الذين تسري عليهم احكام هذا القانون )، وبناءً على ذلك فان أساس التأمينات الاجتماعية هو قانون التأمينات الاجتماعية الذي يفرضها على سبيل الإلزام والوجوب وينظم اجراءات التأمينات الاجتماعية وأحكامها وتفاصيلها ونطاقها، حيث يسري هذا القانون على كافة العمال وأصحاب العمل أي أنه  شامل لكافة العمال والمنشات، حيث تجبر الدولة العمال واصحاب العمل على الاشتراك في التامين الاجتماعي بمقتضى واجبات الدولة الشرعية والقانونية في تحقق العدالة الاجتماعية وحفظ مصالح وحقوق العمال وتوفير الحد الأدنى للمعيشة للمتقاعدين والمصابين بإصابات العمل والعاجزين عجزاً جزئياً او كلياً، ولذلك تتولى ادارة وتطبيق التامينات الاجتماعية مؤسسة تابعة للحكومة وهي المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية حيث تتولى إدارة  التأمينات  الاجتماعية وتطبيق قانون التامينات نيابة عن الدولة، فالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هي الجهة التي اناط بها القانون  متابعة أصحاب العمل المتخلفين عن تطبيق القانون، كما ان هذه المؤسسة هي المعنية بتحصيل الاشتراكات  واستثمارها وصرف المعاشات والتعويضات للمستحقين، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية باعتبارها جهة حكومية فانها لاتستهدف الربح بخلاف شركات التأمين التجارية التي يكون هدفها اساسا تحقيق الربح، فهدف المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هو تحقيق أهداف قانون التأمينات الاجتماعية المذكورة  في المادة(4) التي نصت على ان( يهدف هذا القانون إلى تحقيق مايلي*
*1-تقديم الخدمات التامينية والمنافع المناسبة وتسهيل إجراءات الحصول عليها وتنظيم صرفها وايصالها الى المستحقين.*
*2-المساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع وتحقيق النفع العام  الذي يركز على الاهتمام بالإنسان  كونه اداة التنمية واساسها.*
*3-توفير الحماية الاجتماعية للفئات المشمولة باحكام هذا القانون.*
*4-المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال  التوجيه السليم للفوائض المالية في مجال الاستثمار بما يحقق الحفاظ على القيمة الحقيقية للاموال المستثمرة وتنميتها باستمرار بما يخدم المؤمن عليهم ويساعد على تحسين مستوى معيشتهم). وعلى هذا الأساس يظهر الفرق جليا بين المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وبين شركات التأمين التجارية  وذلك من حيث إختلاف أهدافهما، وكذلك فإن نظام التأمينات الاجتماعية يختلف من حيث نطاقه حيث أنه شامل لكل العمال وكل المنشآت الخاصة وفقا للاحكام  والضوابط المقررة في القانون ، في حين ان التأمين التجاري  يقتصر نطاقه على الشركة المؤمنة والمتعاقد معها المؤمن عليه او المستفيد من عقد التأمين في حين  ان التأمين التجاري.*
➖➖➖➖➖
*▪️ الوجه الثاني: الفرق بين التأمينات الاجتماعية في القطاع الخاص والتأمينات والمعاشات لموظفي الدولة والقطاع العام:*
➖➖➖➖➖

*▪️الجامع المشترك بين هذين النوعين  هو الإجبار والإلزام فكلاهما إجباري والزامي ولكنهما يختلفا من حيث مصدر الإلزام فالتأمينات الاجتماعية في نطاق القطاع الخاص مصدر الإلزام بها هو المادة (9) من قانون التأمينات الاجتماعية السابق ذكرها ،في حين ان مصدر الإلزام في قانون التأمينات والمعاشات في نطاق موظفي الدولة والقطاع العام هو المادة (6) من قانون التامينات والمعاشات التي تنص على أن (يكون التامين وفقا لاحكام هذا القانون الزاميا)، وتتشابه التأمينات الاجتماعية في القطاع الخاص مع التأمينات والمعاشات لموظفي الدولة في ان صاحب العمل والدولة يتحملا النسبة الأكبر من الاشتراك في التأمينات  في حين يتحمل العامل أو الموظف النسبة الأقل إلا انهما يختلفا في هذه النسبة حيث يكون الإشتراك في التأمينات الاجتماعية نسبة (18%) يسدد صاحب العمل (12%) في حين يدفع العامل نسبة (6%) اما بالنسبة للتأمينات والمعاشات لموظفي الدولة فتكون نسبة الاشتراكات (15%) يدفع الموظف منها  نسبة (6%) وتتحمل الدولة نسبة (9%)، كما ان التأمينات الاجتماعية في القطاع الخاص تختلف عن التأمينات والمعاشات لموظفي الدولة من حيث الجهة التي تتولى الإدارة والإشراف والمتابعة والرقابة على تطبيق قانون التأمينات حيث تتولى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية إدارة التأمينات الاجتماعية للقطاع الخاص في حين تتولى الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات إدارة التأمينات والمعاشات بالنسبة لموظفي الدولة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: التأمينات الاجتماعية والتأمينات والمعاشات من قبيل التأمين التعاوني الجائز في الشريعة الاسلامية:*
➖➖➖➖➖

*▪️التأمينات الاجتماعية بالنسبة للقطاع الخاص وكذا التأمينات والمعاشات لموظفي الدولة من قبيل التأمين التعاوني والتكافلي، لان مؤسسة التأمينات أو هيئة التأمينات جهات حكومية وظيفتهما رعاية التأمينات وتطبيقها سواء في نطاق القطاع الخاص أو موظفي الدولة، ولذلك فمؤسسة التأمينات أو هيئة التأمينات لا تستهدفا الربح، ولذلك فان التأمينات الاجتماعية والتأمينات والمعاشات من قبيل التأمين التعاوني الذي لا يستهدف الربح وهذا فرق جوهري بين التأمين القانوني المفروض بقوة القانون وبين التأمين العقدي أو التجاري، لان التأمين التجاري  الذي يتم بموجب عقود تأمين لدى شركات التأمين لا يكون تعاونياً، لان شركات التأمين التجارية تستهدف اساسا تحقيق أعلى معدل من الربح،كما أن الغرر في التامين الاجتماعي او الحكومي معفو عنه لأن الاشتراكات التي تدفع  تكون على سبيل التبرع، والقاعدة الشرعية تنص على انه يتسامح في التبرعات ولايتسامح في المعاوضات.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: الفرق بين التأمينات الاجتماعية والضمان الاجتماعي:*
➖➖➖➖➖

*▪️يفرض قانون التأمينات الاجتماعية  على العامل المؤمن عليه دفع جزء من قسط التأمين, وبذلك يختلف نظام التأمينات الاجتماعية عن نظام الضمان الاجتماعى الذى لا يوجب على المواطن الذى يحصل على الضمان دفع اي اشتراك للحصول على الضمان الاجتماعي، وهذا الفرق مشترك بين التأمينات الاجتماعية والتامين الحكومي على موظفي الدولة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الخامس: مدى جواز رفض العامل أو الموظف الاشتراك في التامين الاجتماعي او الحكومي:*
➖➖➖➖➖

*▪️اشار الحكم محل تعلقينا إلى انه يجوز للعامل أن يرفض الاشتراك في التامين الاجتماعي،والصحيح أنه لايجوز للعامل أو الموظف رفض الاشتراك في التامين الحكومي او التعاوني لأن القانون ينص صراحة على أن التامين  في هاتين الحالتين اجباريا وليس اختياريا،فالدولة تفرض التامين الاجباري بمقتضي وظيفتها الشرعية والدستورية في تحقيق العدالة الاجتماعية بإعتبار العدالة عامة من اسس الحكم في الدولة، والله اعلم.*
تعليقات