موقف الشريعة الإسلامية من التأمينات الاجتماعية

                          








                                        موقف الشريعة الإسلامية من التأمينات الاجتماعية
                                              
                                    ا. د. عبد المؤمن شجاع الدين
 الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء نائب العميد للشئون الأكاديمية 
ورقة عمل مقدمة الى الورشة التي نظمتها المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ديسمبر 2021
  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين : اما بعد :
 فالشكر الجزيل للمؤسسة العامة للتأمينات والقائمين عليها  على تنظيم هذه الورشة ورعايتها  وحسن تنظيمها،: اما بشان هذه الورقة فهي مقدمة الى الورشة المشار إليها، وتتضمن هذه الورقة المبحثين الآتيين :
المبحث الاول :ماهية التأمينات الاجتماعية. 
المبحث الثاني :موقف الفقه الإسلامي من التامينات الاجتماعية. 
                                                                المبحث الاول 
                                                       ماهية التأمينات الاجتماعية
التأمينات الاجتماعية من نظم الحماية الاجتماعية التى تتولاها المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بموجب قانون التأمينات الاجتماعية وتعديلاته ولوائحه عن طريق فرض وتحصيل اشتراكات محددة على  العمال وأصحاب الأعمال وتعويضهم   في صورة معاش تقاعدي شهرى حينما يحالون إلى التعاقد أو يصيبهم عجز عن العمل أو الصرف لذويهم بعد وفاتهم.
ولكى نبين  الموقف الشرعي من نظام التأمينات الاجتماعية  فإنه يلزم أولا التعريف بالتأمينات الاجتماعية وخصائصها ومزاياها، لأن الحكم الشرعى على الشئ فرع عن تصوره، ولذلك سنشير في هذا المبحث الى مفهوم التأمينات الاجتماعية وخصائصها ومزاياها ، وذلك على النحو الاتي :
أولا: تعريف التأمينات الاجتماعية:
توجد تعاريف عدة  للتأمينات الاجتماعية نختار منها تعريفها بانها: “التأمينات الاجتماعية نظام إجبارى يلتزم من خلاله الأفراد العاملين وأصحاب الأعمال  بدفع أقساط دورية للجهة الحكومية التى تدير المال المتجمع من هذه الأقساط باستثماره ودفع دخل شهرى حينما يتوقف العامل عن العمل إما لعجزه أو بلوغه سن التقاعد أو دفع تكاليف علاجه أو الدفع لمن يعولهم بعد وفاته كما تلتزم الدولة بمقتضى هذا النظام بتقديم الاعانات اللازمة لمؤسسة  التأمينات لتغطية العجز الذي قد يحدث اذا لم تف الأقساط المدفوعة من العامل وصاحب العمل باامستحقات المقررة في القانون ، ومن المعلوم ان الجهة الحكومية المختصة قانونا في اليمن بنظام التأمينات الاجتماعية هي المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. 
ثانيا: خصائص التأمينات الاجتماعية:
 من خلال امعان النظر في التعريف السابق للتأمينات الاجتماعية نجد ان لهذا النظام خصائص كثيرة، من أهمها الاتي :
1- التأمينات الاجتماعية وفقا للقانون نظام إجبارى ملزم  للعمال  وأصحاب الأعمال بالاشتراك فيه وسداد الأقساط المحددة في قانون التأمينات الاجتماعية حسبما هو مقرر في المادة(9 ) من قانون التأمينات الاجتماعية التي نصت على أن(يكون التأمين في المؤسسة إلزامية بالنسبة لاصحاب الاعمال والعمال الذين تسري عليهم احكام هذا القانون )، ومع ان الأصل ان نظام التأمينات الاجتماعية نظام إجباري حسبما سبق بيانه إلا أنه بالنسبة لبعض الفئات  اختياريا  كما هو الحال بالنسبة للعاملين لحساب أنفسهم والبحارة والصيادين في شركات الصيد والعاملين المؤقتين في الزراعة والرعي حسبما هو مبين في المادة(6 )من قانون التأمينات الاجتماعية. 
2-اساس نظام التأمينات الاجتماعية هو قانون التأمينات الاجتماعية الذي يفرضه على أصحاب العمل والعمال على سبيل الوجوب والاجبار، في حين ان التأمين التجاري لدى شركات التأمين يكون أساسه عقد التأمين المبرم فيما بين المؤمن وشركة التأمين، وهنا يظهر الفرق بين التأمينات الاجتماعية والتأمين التجاري 
3- التأمينات الاجتماعية نظام تعاوني تكافلى اجتماعى، حيث يظهر ذلك في أن العمال واصحاب العمل يشتركوا دفع  الأقساط التامينية كما أن الدولة تساهم في هذا النظام في صورة الإعانات التى تدفعها لصناديق التأمينات الاجتماعية لمواجهة الزيادات التى تتقرر في المعاشات لمواجهة التضخم وزيادة أعباء الحياة على مستحقى التأمين، فالعمال وأصحاب الأعمال والدولة يتعاونوا ويتكافلوا جميعا في سبيل تطبيق نظام التأمينات الاجتماعية. 
4- يفرض قانون التأمينات الاجتماعية  على العامل المؤمن عليه دفع جزء من قسط التأمين وبذلك يختلف نظام التأمينات الاجتماعية عن نظام الضمان الاجتماعى الذى لا يوجب على المواطن الذى يحصل على الضمان دفع اي اشتراك للحصول على الضمان الاجتماعي.
5- نظام التأمينات الاجتماعية يشمل جميع العاملين وأصحاب الأعمال  وفقا للاحكام  والضوابط المقررة في القانون ،ولذلك فإن نظام التأمينات الاجتماعية يختلف عن التأمين التجاري الذي يقتصر نطاقه على الشركة المؤمنة والمتعاقد معها المؤمن عليه او المستفيد من عقد التأمين.
6-الفائض التأمينى وعائد استثمار متحصلات التأمينات الاجتماعية يكون لصالح المؤمن عليهم العمال ولا يشاركهم فيه غيرهم، بخلاف التأمين لدي شركات التأمين التجارية حيث يكون هذا الفائض ربحا لشركة التأمين وحدها،وهنا يظهر فرق اخر بين التأمينات الاجتماعية والتأمين التجاري . 
7- الجهة الحكومية المختصة قانونا( المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية )هي التي تتولى إدارة  التأمينات  الاجتماعية نيابة عن الدولة، فالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هي الجهة التي اناط بها القانون  متابعة أصحاب العمل المتخلفين عن تطبيق القانون ، كما ان هذه المؤسسة هي المعنية بتحصيل الاشتراكات  واستثماره وصرف المعاشات والتعويضات للمستحقين، والخلاصة ان المؤسسة هى المختصة والمسئولة عن تنفيذ وتطبيق نظام التأمينات الاجتماعية جملة وتفصيلا،والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية باعتبارها جهة حكومية فانها لاتستهدف الربح بخلاف شركات التأمين التي يكون هدفها اساسا تحقيق الربح، فهدف المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هو تحقيق أهداف قانون التأمينات الاجتماعية المذكورة  في المادة(4 ) التي نصت على ان( يهدف هذا القانون إلى تحقيق مايلي:
1-تقديم الخدمات التامينية والمنافع المناسبة وتسهيل إجراءات الحصول عليها وتنظيم صرفها وايصالها الى المستحقين. 
2-المساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع وتحقيق النفع العام  الذي يركز على الاهتمام بالإنسان  كونه اداة التنمية واساسها.
3-توفير الحماية الاجتماعية للفئات المشمولة باحكام هذا القانون. 
4-المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال  التوجيه السليم للفوائض المالية في مجال الاستثمار بما يحقق الحفاظ على القيمة الحقيقية للاموال المستثمرة وتنميتها باستمرار بما يخدم المؤمن عليهم ويساعد على تحسين مستوى معيشتهم). وعلى هذا الأساس يظهر الفرق جليا بين المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وبين شركات التأمين التجارية  وذلك من حيث إختلاف أهدافهما. 
ثالثا: مزايا التأمينات الاجتماعية:
للتأمينات الاجتماعية مزايا كثيرة من اهمها ماياتي :
1- ضمان استمرار الدخل للمشترك في التأمين عندما يقل الدخل أو ينقطع للعجز أو الشيخوخة أو الوفاة وتوفير تكاليف العلاج أثناء المرض مما يؤدى إلى توفير الأمن الاقتصادى للإنسان في مستقبل حياته أو لذويه بعد وفاته مما يجعله مطمئنا وينصرف إلى عمله بجدية وكفاءة.
2- تحقيق التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع باعتبار ذلك قيمة عالية تعمل على تماسك المجتمع واستقراره.
3- إعادة توزيع الدخل بين أفراد المجتمع، لأن المشترك يدفع مبالغ قليلة ويحصل على مزايا متعددة.
4- توفير المدخرات اللازمة للاستثمار في المجتمع، إذ لو ترك الأمر بدون تأمينات اجتماعية إجبارية فسوف تقل مدخرات الأفراد.
5- تدعيم قدرة الدولة اقتصاديا عن طريق استثمار الفائض التأميني في المشروعات المختلفة.
6- الإسهام في سد عجز الموازنة العامة للدولة من خلال اقتراضها لبعض أموال التأمينات الاجتماعية.
7- استمرار الدخل للمواطنين بعد التقاعد  يوفر لهم قوة شرائية تساهم في تنشيط حركة السوق ومواجهة الركود.

                                      المبحث الثالث
                   موقف الفقه الإسلامي من التامينات الاجتماعية
اولا :ادلة جواز نظام التأمينات الاجتماعية :
سبق القول: ان نظام التأمينات الاجتماعية المعاصر هو عبارة عن  نظام حماية اجتماعية من العوز والفاقة ومن مخاطر واضرار المرض والعجز والشيخوخة، وعلى هذا إلاساس فإن نظام التأمينات الاجتماعية الذي يتم تطبيقه في بلادنا وسائر البلدان الإسلامية هو نظام جائز في الشريعة الإسلامية للادلة الآتية :
1- قوله تعالى(وتعاونوا على البر والتقوى ) حيث تصرح هذه الآية على وجوب التعاون والتكافل بين المسلمين افرادا وجماعات في مساعدة الشيوخ والعاجزين والاطفال والمرضى، وعند النظر في أهداف نظام التأمينات الاجتماعية  المقررة في المادة( 4) من قانون التأمينات الاجتماعية السابق ذكرها نجد ان نظام التأمينات الاجتماعية يستهدف كفالة هذه الفئات  المستضعفة وتحقيق العدالة الاجتماعية حسبما سبق بيانه، فنظام التأمينات الاجتماعية من قبيل التعاون على البر والتقوى، فنظام التأمينات الاجتماعية من خلال مفهومه  وخصائصه ومزاياه السابق عرضها نجد انه  مبني على التكافل والتعاون وتفريج الكربات والتيسير على الناس، وبناء على ذلك فان نظام التأمينات الاجتماعية نظام تعاوني تكافلي يستهدف ويحقق الاوامر الربانية بالتعاون والتكافل بين أفراد المجتمع في مواجهة الأمراض والاصابات والفقر والتشرد وكفالة الأيتام والأرامل فنظام التأمينات الاجتماعية يندرج ضمن نظام الحماية الاجتماعية الإسلامي ويعمل على تحقيق أهدافه،بل إن  اساس وجوهر نظام  التأمينات الاجتماعية مقرر  في الشريعة الإسلامية. 
3-حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم(عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) _متفق عليه_، فالراعي هو الحافظ المؤتمن، أو هو من وُكِلَ إليه تدبير الشيء وسياسته وحفظه ورعايته، فالراعي مأخوذ من الرّعْي وهو الحفظ،، فصاحب العمل راع ومسؤول عن رعيته وهم العمال الذين يعملون لديه وتحت إمرته، كما ان الدولة مسئولة عن رعاية وحفظ حقوق ومصالح العمال باعتبارهم  من المواطنين فمن مسئولية الدولة ان تقرر النظم اللازمة لرعاية مصالح وحقوق العمال في القطاع الخاص ومن ذلك فرض الدولة لنظام التأمينات الاجتماعية. 
4– حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذى بين فيه مسئولية الدولة عن رعاية عيال من يتوفى ولم يترك لهم مالا كما جاء في الحديث الشريف “من ترك مالا فلأهله وفي رواية أخرى فلورثته، ومن ترك ضياعا فإلىَّ” وضياعا: بمعنى ليس له شئ فأنا أعوله وأنفق عليه وفي معنى آخر: ترك عيالا ولم يترك لهم مال.، فهذا الحديث يقرر مسئولية الدولة في حمل أصحاب العمل على تطبيق نظام التأمينات الاجتماعية والتزام الدولة بتقديم العون إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية للوفاء بالمستحقات التامينية. 
5– قصة عمر بن الخطاب مع اليهودى الذى رآه يتسول في طرقات المدينة فقال عمر: ما أنصفناك أن أكلنا شبابك ثم تركناك تسأل الناس في شيبتك، ثم أخذه وتوجه به إلى بيت المال، وقال لخازنه: انظر هذا وضربائه أى من هم في مثل حالته- فأسقط عنه الجزية واقرض له من بيت المال ما يقيم حياته”.، فذا الاثر يدل على وجوب قيام صاحب العمل بالمبادرة الى تنفيذ قانون التأمينات الاجتماعية وسداد الاشتراكات، لأن صاحب العمل قد ربح واستفاد من عمل العامل أثناء شبابه وصحته ولذلك ينبغي على صاحب العمل  الاشتراك في نظام التأمينات الاجتماعية الذي يحقق هذه الغاية . 
لذلك فقد ذهب جمهور الفقهاء المعاصرون الى جواز نظام التأمينات الاجتماعية، اما الذين ذهبوا ان نظام التأمينات الاجتماعية فيه غرر لان  الإنسان لايعلم متى يموت او يعجز او يصاب او يمرض لايعلم كم مقدار الاشتراكات التي يسددها حين يموت او يمرض او يصاب او يعجز عن العمل فيرد على هولاء : بأن الغرب لايقع بالنسبة لنظام التأمينات الاجتماعية لانه لايهدف إلى الربح فهو نظام يقوم على التبرع فليس من قبيل المعاوضة والقاعدة في الفقه الإسلامي انه يرخص في الغرر بالنسبة للتبرعات مالايرخص في المعاوضات
 



ثانيا :شرعية إجراءات التأمينات 
تتولى تنفيذ نظام التأمينات الاجتماعية في الواقع المعاصر   المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وهي جهة حكومية، وسوف نبين شرعية الاجراءات التي تباشرها هذه المؤسسة على النحو الاتي :
1- المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية جهة حكومية، ولذلك فانها تباشر مهامها على اساس  ان وظيفة الدولة رعاية مصالح وحقوق مواطنيها بما في ذلك العمال وتحقيق العدالة الاجتماعية باعتبار ان العدل اساس الحكم.
2- الإجبار في الاشتراك في التأمينات الاجتماعية ممثلا في إجبار العمال وأصحاب الأعمال على دفع اشتراك تأمينات اجتماعية شهريا ، هذه سياسة تجيزها الشريعة الإسلامية ولا تمثل اعتداء على حق الملكية، لأن المال المتجمع من هذه الاشتراكات يظل مملوكا لدافعيه من المؤمن عليهم، فإجبار أصحاب الأعمال على تحمل ودفع قسط كاشتراك إنما ذلك يكون على اساس ان الاشتراك الذي يدفعه صاحب العمل هو في الأصل أجر  للعامل عن عمله ولكن يجنب ولا يدفعه له حالا، ومن جانب آخر فإن صاحب العمل يدفع أموالا لصيانة الآلات والمعدات ويجنب جزءا من الدخل في صورة قسط إهلاك  لإحلال آلة جديدة محل القديمة، والإنسان ليس أقلا من الآلة فيلزم على صاحب العمل أن يدفع ما يوفر للعامل الاطمئنان على مستقبله.
3- تحديد الاشتراكات يختلف بحسب الفئة المشمولة بالتأمينات الاجتماعية فهى للعاملين غير أصحاب الأعمال،حيث يتحمل اصحاب العمل نسبة اكثر من العامل بحسب المصلحة والدخل وهذا التفاوت جائز في الشريعة لان صاحب العمل يحقق ربحا اكبر  واكثر من راتب العامل . 
4- – التعويضات والمزايا التأمينية:التى تتمثل أساسا في المعاشات التى تصرف للمؤمن عليهم عند بلوغهم سن التقاعد أو في حالة العجز عن العمل أو لذويهم عند وفاة العامل، إلى جانب توفير نفقات العلاج، وتقدر هذه التعويضات بمبالغ ونسب محددة في القانون تعمل على التوازن بين المتحصلات والمدفوعات وبما يوفر الاحتياطي اللازم لاستثماره،فمن المعروف أن الاشتراكات المحصلة وعائد الاستثمارات لا تكفى أحيانا التعويضات السنوية المنصرفة فتدفع الدولة إعانة لاستكمال ذلك خاصة لمواجهة القرارات الحكومية بزيادة المعاشات لمواجهة التضخم وزيادة أعباء المعيشة، وفي هذا تظهر قيمة التكافل الاجتماعى حيث لا يتم الربط بصورة شاملة بين ما يدفعه المؤمن عليه وبين ما يحصل عليه من معاشات، ولا بين ما يدفعه بعضهم وبين ما يأخذونه.( الإسلام والتأمينات الاجتماعية، د. محمد عبد الحليم عمر، ص3).  ويرى علماء الفقه المعاصرين أنّ نظام  التأمينات الاجتماعية لا حرج فيه فهو مشروع وجائز على العامل وصاحب العمل، لكن قد يكون الحرج في عمل الدولة من خلال استثمار الأموال المدفوعة من المشتركين، فيجب أن تكون هذه الاستثمارات في أوجه مشروعة وضمن المبادئ والضوابط الإسلامية. كما يجب على الدولة التمييز بين الفقراء والأغنياء عند حساب المعاشات. 
 إن التأمينات الاجتماعية التي تتولاها الدولة أو مؤسسة التأمينات للعمال والعاملين جائزة ؛ لأن الدولة ملزمة برعاية مواطنيها في حال العجز والشيخوخة والمرض ونحو ذلك من إعاقة العمل أو الكسب،  فالنسبة التي تستقتطعها الدولة من العمال وأرباب العمل لمؤسسة التأمينات الاجتماعية عمل جائز للمصالح الكثيرة التي يحققها ذلك للعمال وأصحاب العمل والمجتمع بأسره، لأن نظام  التأمينات الاجتماعية التي تقوم به الدولة وتشرف عليه لايستهدف تحقيق الربح، حيث يموله العامل والدولة وصاحب العمل، ويحصل فيه العامل على التعويض عند تحقق شروطه.
وقد جاء في ” قرار مجمع البحوث الإسلامية ” في مؤتمره الثاني بالقاهرة في المحرم 1385هـ/ مايو 1965م: ” نظام المعاشات الحكومي ، وما يشبهه من نظام الضمان الاجتماعي المتبع في بعض الدول ، وكذا نظام التأمينات الاجتماعية المتبع في الدول المختلفة : كل هذا من الأعمال الجائزة“.  ”( فقه النوازل” للجيزاني (3/ 266).
فليس نظام التأمينات الاجتماعية من باب المعاوضات المالية بين مؤسسة التأمينات والعمال ، وعلى هذا لا شبه بينه وبين التأمين التجاري ، الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية  التي يقصد بها استغلال شركات التأمين للمؤمن عليهم وتحقيق الربح من ورائهم . 
وقد قال الدكتور وهبة الزحيلي  :” ولا ينظر إلى الاشتراكات التي تقتطعها الدولة  شهرياً من أصحاب العمل لمصلحة التأمينات الاجتماعية،أو المبلغ الذي يدفعه العامل أو الموظف باختياره، في حدود نسبة مئوية كل سنة،ليحصل على تعويض إجمالي عند الإحالة على التقاعد أو المعاش او عند الإصابة او العجز او المرض ،فهذه المدفوعات لا ينظر إليها نظرة ربوية، وإن أخذ الموظف أو العامل أكثر مما دفع؛لأن المدفوع في الحقيقة يعد تبرعاً أو هبة مبتدأة وتعاوناً من قبل المشتركين في الصندوق التقاعدي أو التأمينات الاجتماعية ، والتي هي إحدى مؤسسات الدولة”  “الفقه الإسلامي وأدلته، د وهبة الزحيلي ” (5/ 116) .بالإضافة إلى ذلك فقد قال الدكتور يوسف الشبيلي : ”  التأمينات الاجتماعية في الحقيقة : هي تأمين تعاوني ؛لأنه ليس الغرض منها الربح ؛ لأن الدولة  أو المؤسسات العامة ترعاه بغرض مساعدة العمال الذين يبلغون سنًّا معينًا لا يستطيعون معها العمل،فهو في الحقيقة تأمين تكافلي تعاوني، وليس تأمينًا تجاريًا ” ”( الأسهم والمعاملات المالية المعاصرة، د. يوسف الشبيلي، ص 45)”. 
والحمدلله في البدء والختام والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الكرام. 


تعليقات